بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان من مقاصد الحج شهود منافع الحج العظيمة وعبره المؤثرة ودروسه المتنوعة. قال الله تعالى واقدم في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ظامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ومنافع الحج وفوائده لا يمكن حصرها وعبره ودروسه لا يمكن عدها واستقصاؤها فان قوله تعالى في الاية ليشهدوا منافع لهم هو جمع منفعة ونكر المنافع اشارة الى تعددها وتنوعها وكثرتها وشهود هذه المنافع امر مقصود في الحج اذ اللام في قوله ليشهدوا منافع لهم لام التعليل وهي متعلقة بقوله واد في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ظامر اي ان تؤذن فيهم بالحج يأتوك مشاة وركبانا لاجل ان يشهدوا منافع الحج ان يحضروها والمراد بحضورهم المنافع حصولها لهم وانتفاعهم بها ولهذا فان من الحري بكل من وفقه الله عز وجل لهذه الطاعة ويسر له اداء هذه العبادة ان يكون حريصا غاية الحرص على تحصيل منافع الحج والافادة من عبره بيظاته اضافة الى ما يحصله في حجه من اجور عظيمة وثواب جزيل ومغفرة للذنوب وتكفير للسيئات وجدير بمن نال هذا الربح وفاز بهذا المغنم ان يعود الى بلده بحال زاكية ونفس طيبة وحياة جديدة مليئة بالايمان والتقوى عامرة بالخير والصلاح والاستقامة والمحافظة على طاعة الله عز وجل. وهذا ايضا من منافع الحج وقد ذكر العلماء ان هذا الصلاح والزكاء ان وجد في العبد فهو من امارات الرضا وعلامات قبول الحج فان من حسنت حاله بعد الحج بالتحول من السيء الى الحسن او من الحسن الى الاحسن فان ذلك دليل على حسن انتفاعه بحجه اذ ان من ثواب الحسنة الحسنة بعدها كما قال الله عز وجل هل جزاء الاحسان الا الاحسان فمن احسن في حجه واجتهد في تتميمه وتكميله وابتعد عن نواقصه ومفسداته خرج منه باحسن حال وانقلب الى اطيب مآل قال تعالى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا قال ابن سعدي في تفسيره ومن يقترف حسنة من صلاة او صوم او حج او احسان الى الخلق نزد له فيها حسنا بان يشرح الله صدره وييسر امره وتكون سببا للتوفيق لعمل اخر ويزداد بها عمل المؤمن ويرتفع عند الله وعند خلقه ويحصل له الثواب العاجل والاجل ان الله غفور شكور يغفر الذنوب العظيمة ولو بلغت ما بلغت عند التوبة منها ويشكر على العمل القليل بالاجر الكثير بمغفرته يغفر الذنوب ويستر العيوب وبشكره يتقبل الحسنات ويضاعفها اضعافا كثيرة عن عروة ابن الزبير رحمه الله قال اذا رأيت الرجل يعمل الحسنة فاعلم ان لها عنده اخوات فان الحسنة تدل على اختها واذا رأيته يعمل السيئة فاعلم ان لها عنده اخوات فان السيئة تدل على اختها. رواه ابن ابي شيبة في المصنف قال ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة فيتولد من الذنب الواحد ما شاء الله من المتالف والمعاطب التي يهوي بها في دركات العذاب والمصيبة كل المصيبة الذنب الذي يتولد من الذنب ثم يتولد من الاثنين ثالث ثم تقوى الثلاثة فتوجب رابعا وهلم جرا ومن لم يكن له فقه نفس في هذا الباب هلك من حيث لا يشعر فالحسنات والسيئات اخذ بعضها برقاب بعض يتلو بعضها بعضا ويثمر بعضها بعضا. قال بعض السلف ان من ثواب الحسنة الحسنة بعدها. وان من عقاب السيئة السيئة بعدها وهذا اظهر عند الناس من ان تضرب له الامثال او تطلب له الشواهد وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. رواه مسلم وما من ريب ان كل حاج يطمع ويأمل ان يكون حجه مبرورا وسعيه مشكورا وعمله صالحا مقبولا والعلامة الواضحة لبر الحج وقبوله ان يكون المرء قد اداه خالصا لوجه الله موافقا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فان هذين شرطان لا قبول لاي عمل من الاعمال الا بهما وان تكون حاله بعد الحج خيرا منها قبله فهاتان علامتان على القبول علامة تكون في اثناء الحج وهي ان يأتي به صاحبه خالصا لوجه الله موافقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلامة تكون بعد الحج وهي صلاح حال الانسان بعد الحج بان يزيد اقباله على الطاعات واجتنابه للمعاصي والذنوب وان يبدأ حياة طيبة معمورة بالخير والصلاح والاستقامة وينبغي التنبه هنا الى ان المسلم لا سبيل له الى ان يجزم بقبول عمله مهما اجاد فيه واحسن قال الله تعالى في بيان حال المؤمنين الكمل وشأنهم فيما يتقربون به الى الله من طاعات والذين يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة انهم الى ربهم راجعون ان يعطون من انفسهم ما امروا به من عبادات من صلاة وزكاة وحج وصيام وغير ذلك وهم خائفون عند عرض اعمالهم على الله وعند وقوفهم بين يدي الله من ان تكون اعمالهم غير منجية وطاعاتهم غير مقبولة روى الامام احمد في مسنده عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها انها قالت قلت يا رسول الله والذين يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة اهو الرجل يزني ويشرب الخمر قال لا يا ابنة ابي بكر او لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق وهو يخاف الا يقبل منه قال الحسن البصري رحمه الله ان المؤمن جمع احسانا وشفقة وان المنافق جمع اساءة وامنا. رواه ابن المبارك في الزهد قال ابن بطة في كتابه الابانة وكذلك يقول من قدم من حجه بعد فراغه من حجه وعمرته وقضاء جميع مناسكه اذا سئل عن حجه انما يقول قد حجزنا ما بقي غير القبول وكذلك دعاء الناس لانفسهم ودعاء بعضهم لبعض اللهم تقبل صومنا وزكاتنا وبذلك يلقى الحاج فيقال له قبل الله حجك وزكى عملك وكذلك يتلقى الناس عند انقضاء شهر رمضان فيقول بعضهم لبعض قبل الله منا ومنكم بهذا مضت السنة المسلمين وعليه جرت عادتهم واخذه خلفهم عن سلفهم انتهى فهي سنة متبعة بين المؤمنين. في قديم الزمان وحديثه ان يقول بعضهم لبعض عقب هذه الطاعة تقبل الله منا ومنكم فالكل يرجو القبول وقد ذكر الله في القرآن الكريم ان نبيه ابراهيم وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام كانا يدعوان بهذا الدعاء عند بنائهما للكعبة قال الله تعالى واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم فهما في عمل صالح جليل ويسألان الله ان يتقبل منهما روى ابن ابي حاتم عن وهيب ابن الورد انه قرأ هذه الاية ثم بكى وقال يا خليل الرحمن ترفع قوائم بيت الرحمن وانت مشفق الا يقبل منك. رواه ابن ابي حاتم في تفسيره فاذا كان هذا شأن امام الحنفاء وقدوة الموحدين. فكيف الشأن بمن هو دونه فهذه منفعة عظيمة للحج حسبك بها الا وهي ان حسنة الحج تسوق الى حسنات وطاعة الحج تقود الى طاعات وتفتح للعبد من ابواب الخير وسبله ما لا يحتسبه وقول الله تعالى ليشهدوا منافع لهم شامل للمنافع الدينية والدنيوية الا ان ما يحصله الحاج من منافع دينية في حجه لا تقارن بالمنافع الدنيوية اذ في الحج من الاجور العظيمة والثواب الجزيل ومغفرة الذنوب وتكفير السيئات وغير ذلك مما لا يحصى من الفوائد الدينية العظيمة التي ينالها الحاج ان كان متقيا لله في حجه بامتثال اوامره واجتناب نواهيه واي خير اعظم واي ربح اجل من ان يخرج الحاج من حجه كيوم ولدته امه بلا اثم ولا خطيئة كما قال الله تعالى فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه. ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى وقد اختار الامام ابن جرير في تفسيره لهذه الاية بعد ان ذكر اقوال اهل العلم في معناها ان المراد فمن تعجل في يومين من ايام من الثلاثة فنفر في اليوم الثاني فلا اثم عليه. لحق الله ذنوبه ان كان قد اتقى الله في حجه فاجتنب فيه ما امره الله باجتنابه وفعل فيه ما امره الله بفعله. واطاعه بادائه على ما كلفه من ومن تأخر الى اليوم الثالث فلا اثم عليه لتكفير الله له ما سلف من اثامه واجرامه ان كان اتقى الله في حجه باداءه بحدوده ثم ذكر رحمه الله تظاهر الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه. متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم تابعوا بين الحج والعمرة فانهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد رواه النسائي فهذه النصوص تدل على ان من حج فقظاه بحدوده على ما امره الله. فهو خارج من ذنوبه كما قال جل وعلا فلا اثم عليه لمن اتقى اي اتقى الله في حجه بفعل الاوامر واجتناب النواهي ولا ريب ان هذه فضيلة عظيمة ومنفعة جليلة تسارع في نيلها القلوب المؤمنة وتطمع في تحصيلها النفوس الصادقة فلله ما اجلها من فضيلة. واعظمها من منفعة عندما ينقلب الحاج الى بلده بعد قضائه اللي حجه وذنبه مغفور. قد خرج من ذنوبه واثامه طاهرا نقيا كيوم ولدته امه ليس عليه فيه ذنب ولا خطيئة اذا كان متقيا ربه في حجه فيا من اكرمك الله بحج بيت الله الحرام احمد الله على فضله وعطائه وتذكر فضل الله عليك بشهود تلك المشاعر. واداء تلك الشعائر واحذر بعد العودة من الحج من نقض ما بنيت وهدم ما اسست ولا تكن كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا فقد كانت هذه تغزل غزلا قويا فاذا استحكم وتم ما اريد منه نقضته فجعلته انكاثا فتعبت على الغزل ثم على النقب ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي فكذلك من نقض ما عاهد الله عليه فعاد الى المعاصي والذنوب بعد الغفران والى السفه والظلم بعد الطاعة والاحسان. والى تلبية داعي والى تلبية داعي النفس الامارة بالسوء والشيطان بعد ان كان في الحج مجتهدا في اجابة داع رحمان تولانا الله اجمعين بتوفيقه وثبتنا على الحق والهدى بمنه وكرمه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته