بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعده فان من مقاصد الحج العظيمة تذكر الاخرة وتذكر الوقوف بين يدي الله سبحانه وتأمل اول ما يبدأ المسلم من اعمال حجه عندما يتجرد من زينته ولباسه والهيئة التي اعتاد عليها وكل حاج قد اعتاد في بلده على نوع من اللباس ثم تجد الجميع اذا وصلوا الى الميقات تجردوا من تلك الالبسة واغتسلوا وتطيبوا ثم يلبس الجميع زارا ورداء ابيظين نظيفين ازارا يلف به جزء البدن الاسفل ورداء يضعه على عاتقيه بهذه الهيئة المتواضعة وهذه الصفة التي يتساوى فيها الجميع الغني والفقير والرئيس والمرؤوس والامير والمأمور والصغير والكبير كلهم يستوون في ذلك وهذه الهيئة التي يستوون فيها وهم متجهين الى بيت الله ايضا يستوون فيها عند مغادرة هذه الحياة ارأيتم كل من يموت ما الذي يكون معه من دنياه وما الذي يدخل معه منها في قبره لا يدخل معه في قبره الا قطع من القماش يلف بها بدنه ويصلى عليه بعد ان يغسل ثم يدرج في قبره ولهذا قال عليه الصلاة والسلام يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلا بهما قال قلنا وما بهما؟ قال ليس معهم من الدنيا شيء لا تجارة ولا اموال ولا رئاسة ولا غير ذلك فلباس الاحرام يذكر بالكفن والحاج عندما يتجرد من لباسه في الميقات ويلبس الاحرام يتذكر هذه الحال ويتوارد على ذهنه هذا المآل ويتذكر الموت الذي به تنتهي الحياة الدنيوية. وتبدأ الحياة الاخروية وكم هو عظيم ونافع للعبد ان يتذكر الرحيل وان يتذكر مفارقة الانيس والخليل وان يتذكر انه ليس له من ماله الا الاكفان يقول الشاعر نصيبك مما تجمع الدهر كله رداءان تلوى فيهما وحنوط ويقول الاخر هي القناعة لا تبغي بها بدلا فيها النعيم وفيها راحة البدن انظر لمن ملك الدنيا باجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن وقد صح في الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال اكثروا ذكر هادم اللذات يعني الموت. رواه الترمذي وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال كفى بالموت واعظا ومن تذكر الموت اقبل على الاخرة ولم تكن الدنيا اكبر همه ولا مبلغ علمه وذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ويذهب الانكباب على الدنيا ويهون المصائب فيها وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه ومواعظه في حجة الوداع قصر الدنيا وسرعة زوالها وحذر من الاغترار بها حيث قال للناس قبل غروب الشمس وهو واقف بعرفة ايها الناس انه لم يبق من دنياكم فيما مضى منها الا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه. رواه احمد ثم ان كفن الانسان الذي يدخل معه في قبره لا ينفعه بشيء ومآله الى البلى مع انه الشيء الوحيد الذي يدخل معه في قبره من دنياه والذي ينفع الانسان في قبره هو عمله الصالح وقد ثبت في الصحيحين عن انس ابن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد يتبعه اهله وماله وعمله فيرجع اهله وماله ويبقى عمله متفق عليه ومن المعلوم ان الانسان لابد له من اهل يؤنسونه ومال يعيش به وهذان مفارقان له ومفارق لهم ولا بد والسعيد من اتخذ من ذلك ما يكون عونا له على الخير والطاعة واما من اتخذ اهلا ومالا يشغله عن الله فهو خاسر كما قالت الاعراب شغلتنا اموالنا واهلونا فاستغفر لنا وقال تعالى لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله. ومن يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون ومن مات فانه لا ينتفع من اهله وماله بشيء الا بدعاء اهله واستغفارهم وبما قدمه من ماله بين يديه قال تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم وقال تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة. وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم فكل ما كان للانسان من مال واهل فانه تاركه وراء ظهره غير منتفع منه بشيء الا دعوة من اهل او نفقة قدمها من ما له ففي صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث الا من صدقة جارية او ولد صالح يدعو له او علم ينتفع به والاهل قد يدعون له وقد لا يدعون والمال الذي كان يمتلكه لا ينتفع منه بشيء في قبره الا بما كان قدمه بين يديه من صدقات ونحوها فانه يقدم عليه وهو داخل في عمله الذي يصحبه في قبره وما سوى ذلك من ما له قل او كثر فهو لورثته لا له ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول ابن ادم مالي مالي وهل لك يا ابن ادم من ما لك الا ما اكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فامضيت وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ايكم مال وارثه احب اليه من ما له قالوا ما منا احد الا ما له احب اليه قال فانا ما له ما قدم ومال وارثه ما اخر قال الله تعالى من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلانفسهم يمهدون قال بعض السلف اي في القبر يعني ان العمل الصالح يكون مهادا لصاحبه في القبر حيث لا يكون للعبد من متاع الدنيا فراش ولا وساد ولا مهاد بل كل عامل يفترش عمله ويتوسده من خير او شر والوقوف على صعيد عرفات يذكر بالوقوف بين يدي الله عز وجل يوم القيامة. تأمل اجتماع الخلائق على صعيد عرفة من انحاء الدنيا كلهم قد اجتمعوا على صعيد واحد وفي لحظة واحدة من الذي جمعهم هذا الجمع؟ انه رب العالمين الذي يجمع الاولين والاخرين على صعيد ارض المحشر يوم القيامة يجمع الجميع من اولهم الى اخرهم من مات حرقا ومن اكلته السباع ومن دفن وظل في الارض كل هؤلاء يجمعهم رب العالمين كما قال سبحانه ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه وقال تعالى ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ويستوي في هذا الجمع الاولون والاخرون بل كل مجموع الى ذلك الميقات العظيم قل ان الاولين والاخرين لمجموعون الى ميقات يوم معلوم يجمعون على ارض غير هذه الارض. قال الله تعالى يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم صفة هذه الارض التي يجمع عليها الناس ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الناس يوم القيامة على بيضاء عفرا كقرصة نقي ليس فيها علم لاحد اي على ارض مستوية لارتفاع فيها ولا انخفاض ولا جبال ولا صخور وليس فيها علامة سكنة او بناء يجمعون على تلك الارض حفاة لا نعال عليهم عراة لا لباس عليهم غرلا اي غير مختونين ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال انكم محشورون حفاة عراة غرلا ثم قرأ كما بدأنا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها انها لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا. قالت يا رسول الله الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم الى بعض قال يا عائشة الامر اشد من ان ينظر بعضهم الى بعض وقوفك ايها الحاج بعرفات يذكرك بالموقف الاعظم بين يدي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة والحجاج يقفون على صعيد عرفة وكل منهم يرجو ان تعتق رقبته من النار في ذلك اليوم وقد قال عليه الصلاة والسلام ما من يوم اكثر من ان يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة فاكثر يوم لله فيه عتقاء من النار هو يوم عرفة ولهذا ينبغي ان يكون طمع المسلم في هذا اليوم قويا وشديدا ان تعتق رقبته من النار وان يخرج من ارض عرفات وقد اعتقت رقبته من النار نسأل الله عز وجل ان يعتق رقابنا اجمعين من النار وابائنا وذرياتنا وازواجنا انه تبارك وتعالى سميع قريب الحج فيه مشاهد عظيمة وفيه مواقف جليلة تذكر الانسان بالبعث والجزاء والحساب والوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ولهذا تأمل ختاما ايات الحج في سورة البقرة بماذا ختمت قال تعالى فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا انكم اليه تحشرون هذا اخر ما ختمت به ايات الحج التذكير بالحشر اي ان هذا التذكير بالحشر الذي ختمت به ايات الحج امر ينبغي ان يأخذه معه الحاج تذكارا وتذكيرا يرجع به معه الى بلده. واتقوا الله واعلموا انكم اليه تحشرون. اي ارجعوا الى بلادكم متذكر انكم تحشرون الى الله سبحانه وتعالى وما ذاك الا لان الحج يذكر بالحشر والجزاء والحساب فيا من اكرمك الله سبحانه وتعالى بحج بيته الحرام اتق الله عز وجل وتذكر دائما انك تحشر الى الله وان الله سبحانه وتعالى سيحاسبك ويجازيك على ما قدمت في هذه الحياة. واعلم ان هذه الحياة الدنيا مدبرة وان الاخرة مقبلة وان لكل منهما بنون قال علي رضي الله عنه فكونوا من ابناء الاخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا. فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل. نسأل الله عز وجل ان يرزقنا اجمعين حسن الاستعداد ليوم المعاد وحسن التزود لذلك اليوم بخير زاد وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته