بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان من مقاصد الحج العظيمة التربي على الاخلاق الفاضلة والاداب الكاملة والتحلي بجميل الخصال وكامل الاداب والحج مدرسة مثلى للاداب والاخلاق يتربى فيه المسلمون على الاداب الفاضلة وحسن المعاملة والبعد عن الايذاء والبعد عن الجدال المذموم والخصومة فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه وكان عليه الصلاة والسلام يقول للناس في الحج يا ايها الناس السكينة السكينة وكان عليه الصلاة والسلام يقول لهم عند الجمرات لا يقتل بعضكم بعضا وقال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع الا اخبركم بالمؤمن من امنه الناس على انفسهم واموالهم والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا عمر انك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف ان وجدت خلوة فاستلمه والا فاستقبله فهلل وكبر وذلك لانه مزاحمة القوي للناس وفيهم الضعيف تؤدي الى ايذائهم والاظرار بهم الحاصل ان الحج يربي المسلم على التخلق بالاخلاق الفاضلة والتحلي بالصبر والرفق والاناة وحسن المعاملة وطيب المعاشرة لا سيما اذا استشعر ان الحجاج وفد الله فيترفق بهم ويحسن اليهم ويكرمهم ويتلطف في معاملته لهم وحجه يربيه على ذلك وكلما استشعر الحاج هذا المقصد العظيم في الحج يرجع منه باذن الله سبحانه وتعالى متأدبا باداب الاسلام متحليا باخلاق الشريعة العظام ومن مقاصد الحج مخالفة المشركين في اعمالهم وضلالاتهم وجاهلياتهم ولهذا نرى ان نبينا عليه الصلاة والسلام خالف المشركين في اعمال الحج فكانوا يحجون ويلبون ويقفون في عرفات ويقفون في المزدلفة لكنهم كانوا على ظلالة عمياء وجهالة جهلاء تلبيتهم قائمة على الشرك والتنديد كان الواحد منهم يقول في تلبيته لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك تملكه وما ملك فيمزجون بالتلبية الشرك بالله واتخاذ الانداد وهذا هو معنى قول الله عز وجل في بيان حالهم وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون وقوله سبحانه فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون فاهل النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد وكان المشركون في حجهم يفيضون من عرفات قبل غروب الشمس فخالفهم عليه الصلاة والسلام وجعل دفعه من عرفات بعد الغروب وكانوا يدفعون من مزدلفة بعد طلوع الشمس فخالفهم عليه الصلاة والسلام ودفع منها عندما اسفرت وقبل ان تطلع الشمس وكانوا لا يرون العمرة في اشهر الحج ويعتبرون العمرة في اشهر الحج من افجر الفجور فخالفهم عليه الصلاة والسلام واعتمر جميع عمره في اشهر الحج وهكذا اعمال الحج والطاعات التي يقوم بها المسلم سالمة من ضلالات اهل الجاهلية وسفه اهل الباطل ولما خطب صلوات الله وسلامه عليه في الحج قال في خطبته الا كل شيء من امر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وان اول دم اظع من دمائنا دم ابن ربيعة ابن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقاتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع واول ربا اضع ربانا ربا عباس ابن عبد المطلب فانه موضوع كله وهذا فيه بيان للحال البئيسة والفساد العريض الذي كان عليه الناس قبل الاسلام في تعاملاتهم وعباداتهم دماء تراق واموال تنتهب واعراض تنتهك حيث بلغ فيهم الجهل مبلغه. والضلال غايته. فنالوا بذلك مقت الله سبحانه وتعالى وغضبه فينبغي على المسلم ان يكون مستفيدا من حجه تحقيق المخالفة لاعداء دين الله وان يكون معتزا بدينه وان يكون حذرا اشد الحذر من التشبه باعداء الله وان يعرف لهذه النعمة قدرها وان يحفظ لها مكانتها وان يحافظ عليها صلاحا في نفسه واصلاحا في مجتمعه سائرا على سنن الاسلام المستقيم وصراطه القويم حذرا غاية الحذر من اعمال الجاهلية وغيرها وسفاهها وظلالها لينال رضا الله ورحمته وليسلم من سخطه سبحانه ومقته وقد ثبت في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ابغض الناس الى الله ثلاثة ملحد في الحرم ومبتغ في الاسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه وروى الطبراني في معجمه بسند ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ليأتين على الناس زمان تكون فيه القلوب قلوبا الاعاجم والمراد بالاعاجم اعداء دين الله من ارباب الكفر والضلال فيأتي على الناس زمان تكون فيه القلوب قلوب الاعاجم بسبب عدم الفقه في دين الله وكثرة الجهل واتجاه النفوس حينئذ الى التشبه بالكفار وتقليدهم ومن مقاصد الحج تحقيق الوسطية التي هي زينة هذا الدين وجمال الشريعة فدين الله سبحانه وسط ليس فيه غلو ولا جفاء وليس فيه افراط ولا تفريط. قال الله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا اي شهودا عدولا لا غلوا ولا جفاء ولا افراط ولا تفريط وخيار الامور اوساطها لا تفريطها ولا افراطها والمراد بقوله سبحانه امة وسطا اي شهودا عدولا لا يميلون عن الحق لا الى غلو ولا الى جفاء. بل يتوسطون ويعتدلون والحج مليء بالمواقف العظيمة والعبر الجليلة التي ترشد الى اهمية التوسط وتدل على اهمية الاعتدال ومن هذه المواقف في هذا الباب العظيم النظر في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته في رمي الجمار على ضوء ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ثم النظر بعد ذلك الى احوال الناس مع سنته فان حالهم في ذلك بين غلو وجفاء وافراط وتفريط الا من وفقهم الله واكرمهم بلزوم سنته ومتابعة هديه واقتفاء اثره صلى الله عليه وسلم روى الامام احمد والنسائي وابن ماجة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته القط لي حصى فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخدف فجعل ينفظهن في كفه ويقول امثال هؤلاء فارموا قال يا ايها الناس اياكم والغلو في الدين فانه اهلك من كان قبلكم الغلو في الدين فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث امثال هؤلاء فارموا اي الحصيات التي التقطت له بحجمها المحدد في الحديث وهو حجم حصى الخذف فاللفظ لا يتناول الحجم الصغير الذي لا يسمى حصاة كما لا يتناول الحجم الكبير الذي يسمى حجرا فالمشروع هو التوسط ومع وضوح هذا الامر وشدة بيانه فانك اذا قارنت ذلك بحال بعض المسلمين ممن جهلوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم تجد منهم امرا عجبا في هذا الباب بين غلو وجفاء وافراط وتفريط والحق قوام بين ذلك فلا يقصر المسلم عن سنته شأن اهل التفريط والجفاء ولا يزيد عليها شأن اهل الافراط والغلو وانما يكون عدلا وسطا وقوله عليه الصلاة والسلام اياكم والغلو عام في جميع انواع الغلو في الاعتقادات والاعمال اذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالمسلم منهي عن الغلو في كل احواله. ممنوع منه في كل شؤونه. مأمور باقتفاء اثار الرسول الكريم صلى الله الله عليه وسلم واتباع سنته في الاحوال كلها ومن مقاصد الحج العظيمة ان فيه تربية للمسلم على استشعار منة الله عليه بالهداية وتوفيقه له سبحانه وتعالى باداء الطاعة وان جعله مسلما وجعله حاجا وجعله ملبيا وجعله ذاكرا شاكرا فهذا كله منة الله سبحانه وفضله على عبده فلولا منة الله عليه بالحج لما حج ولولا منة الله عليه بان جعله من المصلين لما صلى ولولا منة الله عليه بان شرح صدره لهذا الدين لم يكن من اهله افمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه والهداية منة الله وفضله يؤتيها سبحانه وتعالى من يشاء والله ذو الفضل العظيم واعمال الحج وشعائره العظيمة تذكر العبد بهذا الامر وتجعله يستشعر هذه المنة الالهية والهبة الربانية فيحمد الله على فضله يحمد الله ان جعله حاجا وان جعله ملبيا وان جعله مسلما وان وفقه لهذه الاعمال وهداه اليها وتأمل في سياق ايات الحج من سورة البقرة قول الله سبحانه وتعالى ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم. فاذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم. وان كنتم من قبله لمن الضالين فاذكروا الله كما هداكم واذكروا منته عليكم بانقاذكم من الضلال اذا انت ايها الحاج بحجك تعتني بذكر الله وحمده والثناء عليه والتلبية وغير ذلك مستشعرا منة الله عليك بالهداية وان جاءه سبحانه لك من الضلال فلولا منة الله عليك لما اهتديت ولولا ان جاءوا الله لك من الضلال لكنت من الضالين وقال تعالى في ايات الحج من سورة الحج لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم قم لتكبروا الله على ما هداكم. وبشر المحسنين فتذكر هذه النعمة العظيمة والمنة الجليلة منة الهداية بالحج والصلاة والصيام والدين كله هذه اهم واعظم مقاصد الحج وحري بالحاج الموفق ان يتعلم هذه المقاصد ليؤدي حجه محققا غاياته ومنافعه التي اخبر عنها المولى سبحانه بقوله ليشهدوا منافع لهم واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين للعلم النافع والعمل الصالح اللهم تقبل منا انك انت السميع العليم واغفر لنا انك انت الغفور الرحيم وتب علينا انك انت التواب الرحيم واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته