بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين. اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل وبعد فيقول الحافظ ابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه الاربعون الصغرى الباب الثاني بالتوبة من جميع ما كره الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد هذا باب عقده المصنف رحمه الله تعالى بالحث على التوبة الى الله عز وجل من جميع الذنوب والتوبة طاعة عظيمة وعبادة جليلة وقربة من اجل القرب وهي حبيبة الى الله سبحانه وتعالى فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين ويفرح سبحانه وتعالى بتوبة عبده اذا تاب فرحا عظيما كما سيأتي في الحديث الذي ساقه المصنف رحمه الله تعالى وهي وظيفة العمر والحاجة اليها ماسة والضرورة اليها ملحة والمبادرة اليها واجبة والواجب على المسلم اذا عرف شأن التوبة ومقامها العظيم ان يبادر اليها والا يسوف وان يعلم ان ربه سبحانه وتعالى دعاه الى التوبة ورغبه فيها مهما كان الذنب ومهما عظم الجرم الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات هو القائل سبحانه قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم الذنوب جميعا اي لا يتعاظمه ذنب ان يتوب عليه مهما عظم عرظ سبحانه وتعالى في كتابه التوبة على من قتلوا انبيائه وعلى من قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم وعلى من قالوا ان الله ثالث ثلاثة وعلى من خدوا الاخاديد وقتلوا فيها المؤمنين كل هؤلاء عرض عليهم التوبة افلا يتوبون الى الله ويستغفرونه ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا قال احد السلف هو الحسن البصري رحمه الله انظروا هذا الجود. انظروا هذا الكرم قتلوا اولياءه وفعلوا ما فعلوا ويدعوهم الى التوبة الحاصل ان الواجب على المؤمن ان يبادر الى التوبة والا يؤجل ولا يزال باب التوبة مفتوحا ما لم يغرغر كما قال عليه الصلاة والسلام ان الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر وقال صلى الله عليه وسلم ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب فاذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه فالواجب على العبد ان يبادر الى التوبة ولهذا قال اهل العلم التوبة فريضة تجب على الفور لا يجوز تأخيرها وتأخيرها ذنب يجب ان يتوب العبد منه ولهذا الواجب على العاقل الناصح لنفسه ان يكون مبادرا الى التوبة مسارعا اليها قد ساق المصنف رحمه الله جملة من الاحاديث العظيمة في هذا الباب حثا على التوبة وترغيبا فيها وبيانا عظيم مكانتها ورفيع شأنها نعم احسن الله اليكم قال اخبرنا الاستاذ ابو بكر محمد بن الحسن بن فورك قال اخبرنا عبدالله بن جعفر قال حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا ابو داوود قال حدثنا شعبة قال اخبرني عمرو وهو ابن مرة انه سمع ابا بردة يحدث انه سمع رجلا من جهينة يقال له الاغر يحدث ابن عمر انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يا ايها الناس توبوا الى ربكم فاني اتوب اليه في اليوم مئة مرة رواه عن محمد ابن المثنى عن ابي داود الطيالسي هذا الحديث حديث الاغر ابن يسار المزني رضي الله عنه حديث عظيم في الحث على التوبة ترغيب فيها والامر بها يقول عليه الصلاة والسلام يا ايها الناس توبوا الى ربكم فاني اتوب اليه في اليوم مئة مرة ففيه دليل على وجوب التوبة. لان النبي عليه الصلاة والسلام امر بها قال توبوا الى الله وهذا الامر للوجوب من استجاب هذا الامر تحقق له بهذه الاستجابة فائدتان عظيمتان الاولى انه امتثل امر الله وامر رسوله صلى الله عليه وسلم وفي هذا الامتثال كل فلاح وسعادة وخير في الدنيا والاخرة والفائدة الثانية الاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام فانه صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث فاني اتوب اليه اليوم مئة مرة واعظم التوبة واوجبها التوبة من الكفر الى الايمان قال الله تعالى قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ثم يليها التوبة من كبائر الذنوب ثم يليها التوبة من صغائر الذنوب وهذه المراتب الثلاثة جمعت في قوله ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان والواجب على المرء ان يتوب الى الله سبحانه وتعالى من كل ذنب وخطيئة مبادرا غير مؤجل ولا مسوف قد قال النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين قال العلماء التوبة واجبة من كل ذنب فان كانت المعصية بين العبد وبين الله لا تتعلق بحق ادمي فلها ثلاثة شروط احدها ان يقلع عن المعصية والثاني ان يندم على فعلها والثالث ان يعزم الا يعود اليها ابدا. فان فقد احد الثلاثة لم تصح توبته وان كانت في المعصية تتعلق بحق ادمي فشروطها اربعة هذه الثلاثة وان يبرأ من حق صاحبها فان كانت مالا او نحوه رده اليه وان كانت حد قذف ونحوه مكنه منه او طلب عفوه وان كانت غيبة استحله منها ويجب ان يتوب من جميع الذنوب فان تاب من بعضها صحت توبته عند اهل الحق من ذلك الذنب. وبقي عليه الباقي وقد تظاهر الدلائل الكتاب والسنة واجماع الامة على وجوب التوبة. انتهى كلامه رحمه الله تعالى وهذا الامر بالتوبة في الحديث توبوا الى ربكم هو موافق القرآن لقول الله سبحانه وتعالى وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون وقول الله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا توبوا الى الله توبة نصوحا احسن الله اليكم قال حدثنا السيد ابو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي قال اخبرنا ابو القاسم عبد الله ابن ابراهيم ابن بالوية المزكي حاء واخبرنا ابو طاهر والفقيه وابو يعلى حمزة بن عبدالعزيز الصيدلاني قال حدثنا ابو بكر محمد بن الحسين قبطان قال حدثنا احمد بن يوسف السلمي قال احدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن همام ابن منبه قال هذا ما حدثنا به ابو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايفرح احدكم براحلته اذا ضلت منه ثم وجدها قالوا نعم يا رسول الله قال والذي نفس محمد بيده لله اشد فرحا بتوبة عبده اذا تاب من احدكم براحلته اذا وجدها رواه مسلم عن محمد ابن رافع عن عبد الرزاق. واخرجه البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن مسعود وانس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم واخرجه مسلم من حديث النعمان ابن بشير والبراء ابن عازب رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشيخ قوله لله افرح معناه لله ارضى بالتوبة واقبل لها. والفرح قد يكون بمعنى الرضا. قال الله تعالى كل حزب بما لديهم فرحون اي راضون به اورد المصنف رحمه الله تعالى هذا الحديث حديث ابي هريرة رضي الله عنه في الحث على التوبة وبيان فرح الله سبحانه وتعالى العظيم بها واشار الى انه مروي من حديث ابن مسعود وانس والنعمان ابن بشير والبراء بن عازب رضي الله عنهم اجمعين ولعلي تتميما للفائدة واشير الى الفاظ احاديثهم لفظ حديث ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لله اشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في ارض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى ادركه العطش ثم قال ارجع الى مكاني الذي كنت فيه فانام حتى اموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه فالله اشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده ولفظ حديث النعمان ابن بشير ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لله اشد فرحا بتوبة عبده من رجل حمل زاده ومزاده على بعيره ثم سار حتى كان بفلات من الارض فادركته القائلة فنزل فقال تحت شجرة فغلبته عينه وانسل بعيره فاستيقظ فسعى شرفا فلم يرى شيئا ثم سعى شرفا ثانيا فلم يرى شيئا ثم سعى شرفا ثالثا فلم يرى شيئا فاقبل حتى اتى مكانه الذي قال فيه فبينما هو قائد اذ جاءه بعيره يمشي حتى وظع خطامه في يده لله اشد فرحا بتوبة العبد من هذا حين وجد بعيره على حاله ولفظ حديث البراء ابن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقولون بفرح رجل انفلتت منه راحلته تجر زمامها بارض قفر ليس بها طعام ولا شراب وعليها له طعام وشراب فطلبها حتى شق عليه ثم مرت بجدل شجرة فتعلق زمامها فوجدها متعلقة به قلنا شديدا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما والله لله اشد فرحا بتوبة عبده من الرجل براحلته ولفظ حديث انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا الله اشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب اليه من احدكم كان على راحلته بارض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فايس منها فاتى شجرة فاضجع في ظلها قد ايس من راحلته فبينما هو كذلك فبين هو كذلك اذ هو بها قائمة عنده فاخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم انت عبدي وانا ربك اخطأ من شدة الفرح وفي هذا الحديث وصف النبي صلى الله عليه وسلم رب العالمين جل وعلا بالفرح وانه يفرح بتوبة التائبين وطاعة المطيعين واقبال المقبلين يفرح بهم مع غناه عنهم وهذا من كمال فضله وتمام انعامه سبحانه وتعالى فرحا ليس عن حاجة ولا افتقار بل عن غنى وكمال فلا تزيد توبة التائبين وانابة المنيبين في ملكه شيئا كما قال سبحانه في الحديث القدسي يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا وهذا بخلاف المخلوق فان فرحه يكون بشيء يحتاج اليه وقد افاد هذا الحديث ان الفرح من صفات الله الثابتة له سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله وكماله عز وجل على حد قوله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير واذا علم العبد ان ربه يفرح وامن بهذه الصفة كما ثبتت عن نبينا عليه الصلاة والسلام فينبغي له ان يحقق اثارها وموجباتها في نفسه فاذا كان الله يفرح بتوبة التائب فلماذا لا يتوب العبد مع كثرة الذنوب وكثرة التقصير والاخطاء وعليه فان من تمام ايمان العبد بهذه الصفة ان ان يبادر الى التوبة وان يقبل على الله سبحانه وتعالى وان يسارع الى هذا الامر الذي يفرح به رب العالمين سبحانه وتعالى فلا يكون ايمان العبد بهذه الصفة عريا عن اثارها بل ينبغي ان يكون ايمانا مثمرا كايمان السلف ولهذا فان الايمان بصفات الله درجات ومراتب فهناك ايمان راسخ ومؤثر وهو الايمان بالصفة مع تقهي معناها ودلالتها وتحقيق اثارها وهناك ايمان يتحقق به اصل الايمان وشتان بين هذا وذاك وهذا المثال الذي ذكر نبينا عليه الصلاة والسلام مثال عظيم في بيان عظيم فرح الله وهو مثال ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لبيان عظيم فرح الله سبحانه وتعالى والمثال الذي ضرب النبي صلى الله عليه وسلم هو من كمال نصحه عليه الصلاة والسلام وعندما نتصور حال هذا الرجل الذي ايس من راحلته وجلس تحت ظل الشجرة ينتظر الموت فاذا بخطام ناقته ثم يمسك الخطام ويقول من شدة الفرح والذهول انت عبدي وانا ربك قال عليه الصلاة والسلام اخطأ من شدة الفرح. هذا الفرح الذي في هذا الرجل هو اشد فرحي تصور فيه الانسان لانه نجاة من موت وحقق لكن اكرمه الله سبحانه وتعالى ونجاه برد ناقته اليه فلما ذكر هذا المثال قال عليه الصلاة والسلام لله اشد فرحا بتوبة عبده اذا تاب اي انه يفرح سبحانه وتعالى فرحا عظيما وهو غني عن العباد وعن توباتهم وانابتهم الى الله سبحانه وتعالى لكن هذا من كمال فضله وعظيم منه سبحانه وتعالى الحاصل ان هذا الحديث من الاحاديث العظيمة عظيمة الشأن في آآ الحث على التوبة وبيان مكانتها العظيمة ومنزلتها العلية وانها حبيبة الى الله وان الله عز وجل يحب التوابين ويفرح توبتهم وانابتهم وعودهم اليه سبحانه وتعالى وقول المصنف عقب هذا الحديث قوله لله افرح معناه لله ارظى بالتوبة واقبل لها والفرح قد يكون بمعنى الرضا قال الله تعالى كل حزب بما لديهم فرحون اي راضون به هذا الذي ذكر هو من التأويل على طريقة المتكلمين على طريقة المتكلمين وعنده آآ في جوانب من التطبيق لباب الصفات تأثر بمسلك المتكلمين كما فصل ذلك شيخنا الشيخ احمد عطية الغامدي رحمه الله في كتابه البيهقي وموقفه من الالهيات احسن الله اليكم. قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو عبد الله الحافظ قال اخبرنا ابو النظر الفقيه قال حدثنا محمد ابن قال اخبرنا ابو الوليد الطيالسي قال حدثنا همام ابن يحيى قال سمعت اسحاق بن عبدالله بن ابي طلحة يقول سمعت عبدالرحمن ابن ابي عمرة يقول سمعت ابا هريرة رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان عبدا اصاب ذنبا فقال يا ربي اني اذنبت ذنبا فاغفره لي. فقال ربه علم عبدي ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثم مكث ما شاء الله ثم اصاب ذنبا اخر. وربما قال ثم اذنب ذنبا اخر. فقال يا ربي اني اذنبت ذنبا اخر فره لي فقال ربه علم عبدي ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثم مكث ما شاء الله ثم اصاب ذنبا اخر. وربما قال ثم اذنب ذنبا اخر. فقال يا ربي اني اذنبت ذنبا اخر اغفره لي فقال ربه علم عبدي ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ به. غفرت لعبدي فليعمل ما شاء. رواه البخاري عن احمد بن اسحاق عن عمرو بن العاص وعن همام رواه مسلم عن ابن حميد. عن ابي الوليد ثم ختم رحمه الله تعالى هذا الباب بهذا الحديث حديث ابي هريرة رضي الله عنه في اه ذكر النبي عليه الصلاة والسلام لعبد اصاب ذنبا فقال يا رب اني اذنبت ذنبا فاغفره لي فقال ربه علم عبدي ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثم مكث ما شاء الله ثم اصاب ذنبا اخر وعاود في طلب المغفرة فغفر الله له ثم ثالثة وغفر الله له فافاد هذا الحديث ان العبد حتى وان تكرر منه الذنب الواحد مرات عديدة وهو في كل مرة يندم على ما وقع منه ويرجع الى الله ويتوب فان الله سبحانه وتعالى يغفر له حتى وان تكرم فعلى العبد ان يدرك هذا الامر والا يستولي عليه اليأس والقنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى بسبب تكرر الذنب عنده وعليه ان يفقه هذا الحديث العظيم وعليه ان يفهم انه كل ما اصاب ذنبا استغفر غفر الله له حتى لو تكرر الذنب والصدقة مع الله وليس معنى ذلك ان الانسان يصر على الذنوب وتصبح مألوفة له ويكون عازما على الاقامة على فعلها وانما يستغفر باللسان فقط هذا لا يسمى استغفار وان ما يسمى استغفار كاذب لكن اذا كان عن ندم لو وقع في الذنب ندم وتركه اسفا ثم غلبته نفسه فوقع فيه اخرى فعليه ان يعود الى الندم والتوبة الى الله سبحانه وتعالى حتى لو تكرر منه الذنب حتى لو في اليوم الواحد تكرر منه فان الله سبحانه وتعالى غفور رحيم يغفر الذنوب ولا يبالي سبحانه وتعالى هذا فيه فضل التوبة الانابة الى الله حتى وان تكرر من العبد الذنب يقول ابن القيم رحمه الله وهذا تنبيه مهم ينبغي ان يفهم من الحديث وان يتنبه له يقول فليس في هذا اطلاق واذن منه سبحانه له في المحرمات والجرائم وانما يدل على انه يغفر له ما دام كذلك اذا اذنب تاب واختصاص هذا العبد اي المذكور في الحديث بهذا لانه قد علم انه لا يصر على الذنب وانه كلما اذنب تاب حكم يعم كل من كانت حاله حالة لكن ذاك العبد مقطوع له انتهى كلامه رحمه الله تعالى ذاك العبد الذي ذكر في الحديث علم الله سبحانه وتعالى من حاله انه لا يصر على على الذنب ولهذا جاء في تمام هذا الحديث فليعمل ما شاء فمن كانت حاله كحاله لم يصر على الذنب لكن يغلب عليه ثم يبادر التوبة فحكمك حكمي فحكمه كحكمه فالحاصل ان الواجب على العبد ان يعتني بالتوبة ولا يقنط وييأس من رحمة الله حتى لو غلبته نفسه على الذنب المرة والثنتين والثلاث لا يستسلم بل عليه ان يعلم ان ربه سبحانه وتعالى يغفر الذنوب ولا يتعاظمه ذنب عظم الذنب او كثر فهو سبحانه وتعالى غفور رحيم وبما تقدم نعلم مكانة التوبة ومنزلتها العالية وانها جامعة لشرائع الاسلام وحقائق الايمان والدين كله داخل في مسماه وبهذا استحق التائب ان يكون حبيب الله. فان الله يحب التوابين ولنتنبه الى امر مهم يتعلق بالتوبة الا وهو ان الله سبحانه وتعالى عندما امر عباده بالتوبة امرهم ان تكون نصوحا يا ايها الذين امنوا توبوا الى الله توبة نصوحا عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار فكيف تكون التوبة بهذه الصفة نصوحا اسوق هنا كلاما عظيما للامام ابن القيم رحمه الله بين بان النصح في التوبة يتضمن ثلاثة اشياء الاول تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها بحيث لا تدع ذنبا الا تناولته والثاني اجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى عنده تردد ولا تلوم ولا انتظار بل يجمع عليها كل ارادته وعزيمته مبادرا بها الثالث تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في اخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورياسته ولحفظ حاله او لحفظ قوته وماله او استدعاء حمد الناس او الهرب من ذمهم او لان لا يتسلط عليه السفهاء او لقضاء نهمة من الدنيا او لافلاسه وعجزه ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها يا لله عز وجل الاول يتعلق بما يتوب منه والثالث يتعلق بمن يتوب اليه والاوسط يتعلق بذات التائب ونفسه وبهذه الامور الثلاثة يكون العبد قد اتى باكمل ما يكون من التوبة والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له نسأله سبحانه ان يوفقنا اجمعين للتوبة النصوح وان يتقبل توبتنا وان يغسل حوبتنا وان يثبت حجتنا وان يهدي قلوبنا وان يسدد السنتنا وان يسلل سخيمة صدورنا وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين