بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم لا سهل الا ما جعلته سهلا انك تجعل الحزن اذا شئت سهلا اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا. اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين وبعد. فيقول الحافظ ابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه اربعون الصغرى الباب الرابع في هجران اخوان السوء وهجران اخوان السوء من كمال التوبة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اللهم فقهنا في الدين وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما واصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا الى انفسنا طرفة عين اما بعد فهذه الترجمة التي عقدها المصنف رحمه الله في هجران اخوان السوء وان هجران اخوان السوء من كمال التوبة وهذا الباب متمم للبابين الذين قبله وفيه ان التائب انما تتم توبته وتكمل ويتحقق له الثبات على التوبة باذن الله سبحانه وتعالى بهجران قرناء السوء وخلطاء الفساد الذين على ايديهم نشأ فيه الفساد وتكاثر فاذا اراد ان يتوب فان مما لا تتم توبته به الا به ولا يتحقق ثباتها الا به ان يفارق غلطاء الفساد ورفقاء الشر ولهذا في قصة الرجل المعروفة وهي في الصحيحين الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم سأل هل له من توبة فلقي عابدا راهبا فقال له ليس لك توبة فقتله وكمل به المئة ثم انه سأل عن اعلم اهل الارض فدل على رجل عالم فسأله هل له من توبة واخبره انه قتل مئة نفس فقال ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق وهذا موظوع الشاهد الى ارض كذا وكذا فان بها اناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع الى ارضك فانها ارض سوء نبهه هذا العالم ان باب التوبة مفتوح مهما عظم الذنب وكبر الجرم من تاب صادقا مع الله في توبته قبل الله توبته ونبهه ايضا الى ان بقاؤه على التوبة وثباته عليها يتطلب مفارقة المكان والرفقة الذين كانوا عونا له على الفساد فحتى تتم توبته ويثبت عليها لا بد ان يفارق خلطة الفساد لانه ان بقي مخالطا لهم اعادوه الى فعائله الاولى وصنائعه السابقة ولهذا قال العلماء رحمهم الله اخذا من هذا الحديث قالوا في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي اصاب بها الذنوب ومفارقة الاخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم وان يستبدل بهم صحبة اهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين ومن يقتدى بهم وينتفع وتتأكد بذلك توبته فاذا هذا باب ينبغي على من شرح الله صدره للتوبة ان يتنبه له حتى لا ينتكس لانه ان تاب وبقي مع رفقة الشر اصبح عرضة للانتكاس وهذا حصل لعدد لكن مما تتأكد به التوبة ان يفارق الصحبة الاولى الذين تضرر بصحبتهم ويبادر الى هذه المفارقة حتى لا تحصل له الندامة يوم القيامة يا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد اضلني عن الذكر بعد اذ جاءني فيندم لكن لا يفيده الندم ولهذا من الخير له اذا انشرح صدره التوبة الى الى الله سبحانه وتعالى ان يفارق خلطاء الفساد ورفقاء الشر وان يخالط الصالحين وهذه المسألة مسألة مهمة جدا في حياة المسلم وكثير لما لم يرعوا لها اهتماما اضروا بسلوكهم وحياتهم ودينهم واخلاقهم وقد ثبت في المسند وغيره من حديث ابي هريرة عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل وهذا في ان الصاحب مؤثر في صاحبه وجليسه ولابد فاذا كان ذا خير اثر فيه خيرا واذا كان ذا شر اثر فيه شرعا ولهذا وجب على المسلم ان يتفقه في هذا الباب وان يتخير من الاصحاب من يكون في صحبتهم خير له ولهذا قال عليه الصلاة والسلام فلينظر احدكم من يخالل اي انه لا يليق بالمسلم ان يصاحب كل احد بل عليه ان يتخير من الاخوان والاصحاب من يكونون عونا له على فعل الخير والبعد عن الشر والانكفاف عنه نعم قال اخبرنا محمد ابن عبد الله الحافظ ومحمد ابن موسى ابن الفضل قال حدثنا ابو العباس محمد ابن يعقوب قال حدثنا احمد ابن عبد الحميد الحارثي قال حدثنا ابو اسامة عن بريد عن ابي بردة عن ابي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انما مثل جليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير حامل المسك اما ان يحذيك واما ان تبتاع منه واما ان تجد منه ريحا طيبة ونافقوا الكير اما ان يحرق ثيابك واما ان تجد منه ريحا خبيثة. رواه البخاري ومسلم عن ابي كريب عن ابي اسامة هذا الحديث حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه حديث عظيم في بابه باب الفقه في الجليس وتخير الاصحاب وهجران قرناء السوء واصحاب الشر فان هذا الحديث تضمن مثلا بديعا للغاية يوضح ان الصاحب صالحا كان او فاسدا مؤثر في صاحبه ولا بد وان المسلم اذا اكرمه الله سبحانه وتعالى ويسر له صحبة الاخيار فانه لا يسمع منهم الا خيرا ولا يدلونه الا لخير ولا ينهونه الا عن شر من صحب برا بوالديه اعانه على بر الوالدين وما صحب وصولا لرحمه اعانه على صلة الرحم ومن صحب من يحب معاونة الناس مساعدة المحتاجين اعانه على ذلك ومن صحب طلاب العلم رغبوه في العلم وطلبه ومن صحب الزهاد واهل العبادة عانوا على الزهد والعبادة والرفيق الصالح لا يكون منه الا دعوات صالحة في غيبة المرء وشهادته وكف الغيبة والبعد عن اللمز والهمز والاساءة بل والذب عن صاحبه الى غير ذلك من الفضائل والخيرات التي يكتسبها المسلم بمصاحبة الاخيار اما الاشرار فان صحبتهم داء عظال ومرظ مهلك فانهم اما ان يجر المرء الى افعال محرمة او انه لا يسمع منهم الا الشر ثم مآله في ملازمتهم بصحبتهم اي الى الندم مثل ما قال الله سبحانه وتعالى ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد اضلني عن الذكر بعد اذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا وصحبة الشر مهما قويت فانها مالها الى الانقطاع والانفصال قال الله تعالى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين وهذا فيه ان ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل قال النووي رحمه الله تعالى بشرح هذا الحديث حديث ابي موسى قال فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك والجليس السوء بنافخ الكير وفيه فضيلة مجالسة الصالحين واهل الخير والمروءة ومكارم الاخلاق والورع والعلم والادب والنهي عن مجالسة اهل الشر واهل البدع ومن يغتاب الناس او يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الانواع المذمومة انتهى كلامه ولقد اه كان هذا الامر اعني العناية بتخير الجليس والتفقه في الجلساء والتمييز بين جليس الخير وجليس السوء كان محل عناية السلف الصحابة ومن اتبعهم باحسان يتحدثون عن هذا الامر ويتذاكرونه بينهم ويتواصون اهمية الفقه في الجليس وتخير الجلساء روى ابو داوود عن انس رضي الله عنه قال كنا نتحدث ان مثل جليس الصالح كمثل صاحب المسك ان لم يصبك منه شيء اصابك من ريحه ومثل جليس السوء كمثل صاحب الكير ان لم يصبك من سواده اصابك من دخانه وعن ابي قلابة قال ابو الدرداء من فقه الرجل مدخله وممشاه والفه اي من امارات الفقه وعلامات ترك الرجل ان يعتني بما يدخل عليه ومن يماشي ومن يؤالف وما يطعم وما يشرب يأكل بفقه ويشرب بفقه ويصاحب بفقه ويجالس بفقه لا يجالس كل احد ثم قال ابو قلابة بعد ان روى هذا الاثر عن ابي الدرداء قال الا ترى الى قول الشاعر عن المرء لا تسأل وابصر قرينه فان القرين بالمقارن يقتدي وقال الاصمعي ان هذا البيت لم ارى بيتا اشبه بالسنة منه وقد جاء عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه انه قال اعتبروا الناس باخدانهم فان المرء لا يخادن الا من يعجبه اعتبروا الناس اي اذا اردتم معرفة الناس واحوالهم انظروا من يصاحبون ومن يرافقون فان المرء لا يرافق الا من يعجبه ومن هو على شاكلته وعن الاعمش قال كانوا لا يسألون عن الرجل بعد ثلاث ممشاه ومدخله والفه من الناس وقال سفيان ليس شيء ابلغ في فساد رجل وصلاحه من صاحب اي ان الصاحب مؤثر في صاحبه ولابد ولهذا كانوا يقولون الصاحب ساحب وقال قتادة انا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس الا مثله وشكله فصاحبوا الصالحين من عباد الله لعلكم ان تكونوا معهم او مثلهم وقال الفضيل ابن عياض ليس للمؤمن ان يقعد مع كل من شاء اي بل يتخير الاخيار الصالحين الذين في مجالستهم خير له ومصلحة والاثار في هذا المعنى كثيرة ومن المهم بهذا الباب ان يعتني المسلم بالدعاء ان يرزقه الله عز وجل جلساء الخير والصلاح وان يجنبه جلساء الشر والفساد فان في هذا فائدة عظيمة جدا واروي في هذا المعنى قصتين فيهما فائدة عظيمة الاولى رواها البخاري في صحيحه عن ابراهيم عن علقمة قال قدمت الشام فصليت ركعتين ثم قمت اللهم يسر لي جليسا صالحا فاتيت قوما فجلست اليهم فاذا شيخ قد جاء حتى جلس الى جنبي قلت من هذا؟ قالوا ابو الدرداء فقلت اني دعوت الله ان ييسر لي جليسا صالحا في سرك لي وجاء في رواية اخرى في البخاري فرأيت شيخا مقبلا فلما دنا قلت ارجو ان يكون استجاب اي الله دعائي بان يرزقني جليسا صالحا تنظر هذه الدعوة عقب هاتين الركعتين جاءت الاجابة فورا اكرمه الله عز وجل بان جاء ابو الدرداء الصحابي الجليل فجلس الى جنبه فكان مجلس خير وفائدة وعلم وقرب من الخير والصلاح والثانية رواها الترمذي في جامعه عن حريث بن قبيصة. قال قدمت المدينة فقلت اللهم يسر لي جليسا صالحا قال فجلست الى ابي هريرة فقلت اني سألت الله ان يرزقني جليسا صالحا فحدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله ان ينفعني به فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان اول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فان صلحت فقد افلح وانجح وان فسدت فقد خاب وخسر فان انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما انتقص من الفريظة. ثم يكون سائر عمله على ذلك فهاتان القصتان فيما فائدة عظيمة من حيث اهمية الدعاء واللجوء الى الله سبحانه وتعالى بصدق ان يمن على المرء بالرفقة بالصالحين ومما يذكر به الاباء والامهات اهمية الدعاء لولدهم بذلك ان يرزقهم رفقة الخير وان يعيذهم ويجنبهم رفقة الشر كذلك مما ينبه عليه في هذا الباب باب الخلطة والرفقة وهو امر اه استجد في زماننا هذا وان شئت قل رفيق وصاحب وجد في هذا الزمان ولم يكن موجودا في الازمنة السابقة وداخل في حكم الصاحب والصحبة بل امره اشد الا وهو الجلوس الى القنوات الفضائية والمواقع التي في الشبكة العنكبوتية من خلال الاجهزة والجوالات ونحوها فيها مواقع شر وفساد واتلاف العقول قد تمكن من خلالها اعداء دين الله من الدخول الى المساكن والبيوت يحملون فتنهم وسمومهم وينشرون رذائلهم وحقراتهم وفجورهم كانوا سابقا يعجزون عن الوصول الى افكار الشباب وعقول الناشئة لكن في هذا الزمان استطاعوا الوصول الى افكار الشباب والشابات من خلال هذه الاجهزة ولهذا من يجلس امام هذه الشاشات الساعات الطوال او مع الجوال الساعات الطوال ولا يبالي يدخل المواقع الموبوءة المهلكة يصغي اليها بسمعه وينظر الى ما يقدمون بعينه ويقبل على ما يعرضونه بقلبه فهذا ما مر الايام تتسلل الى قلبه الافكار الخبيثة وتتعمق في نفسه المبادئ الهدامة ويغزى عقله وفكره ويزيد فيه الشر والفساد ولهذا الواجب على المسلم ان يصون نفسه وان يحذر من هذه الاجهزة وان يتعامل معها بحذر وحيطة فان هذا الجهاز اصبح جليسا لكثير من الناس في زماننا هذا واثر فيهم اثر فيهم تأثيرا بالغا مهلكا ولا عاصم من شر هذه الاجهزة الا الله سبحانه وتعالى نسأله عز وجل ان يحفظنا في انفسنا واهلينا وذرياتنا وان يعيذنا والمسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه تبارك وتعالى سميع قريب مجيب سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد واله وصحبه اجمعين