بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما وبعد فيقول الحافظ ابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه الاربعون الصغرى الباب الثالث عشر في اخلاص العمل لله عز وجل وترك الرياء بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فهذا الباب عقده المصنف الحافظ البيهقي رحمه الله باخلاص العمل لله وترك الرياء والاخلاص شأنه بالدين عظيم ومكانته في العمل علية وهو للعمل بمنزلة كالاساس للبنيان وبمنزلة الروح للجسد فكما انه لا يستقر البناء ولا يمكن الانتفاع به الا اذا اقيم على اساس متين فكذلك العمل لا ينتفع به صاحبه الا اذا اقامه على الاخلاص وكما ان حياة البدن بالروح فحياة العمل بالاخلاص يقول الله عز وجل افمن اسسوا بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير امن اسس بنيانه على شفا جرف هار تنهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ولهذا اعمال الكفار لما كانت عديمة الاخلاص والتوحيد تذهب سدى قدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ودين الله عز وجل يقوم على ركنين عظيمين لا قيام للدين الا عليهما اخلاص العمل لله عز وجل وتجريد المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام ولهذا قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى ليبلوكم ايكم احسن عملا قال اخلصه واصوبه قيل يا ابا علي وما اخلصه واصوبه قال ان العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة والعمل الخالص هو العمل المصفى لان الخالص هو الصافي مثل ما قال الله عز وجل وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين. فاللبن الخالص هو اللبن الصافي الذي ليس فيه شوائب والعمل الخالص هو العمل الصافي الذي ليس فيه شوائب تخدش في الاخلاص وعليه فان حقيقة الاخلاص هي تصفية العمل وتجريده من كل شائبة تكدر صفاءه بان يؤتى بالعمل لا يراد به الا الله سبحانه وتعالى ولا يقصد به الا الله جل وعلا قال الله سبحانه وتعالى فاعبد الله مخلصا له الدين وقال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين قال تعالى ان الذين تابوا واصلحوا واعتصموا بالله واخلصوا دينهم لله قال تعالى قل الله اعبد مخلصا له ديني قال تعالى قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ومحل الاخلاص القلب فالقلب هو موطن الاخلاص ومنبعه ومتى كان القلب عامرا بالاخلاص صلحت الجوارح تبعا له ومتى كان القلب فاسدا بالرياء السمعة غير ذلك من خوارم النية تبعته الجوارح في الفساد يدل لذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام الا ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب والاخلاص مطلوب من العبد في كل طاعاته وجميع عباداته من صلاة وصيام وزكاة وحج وامر بالمعروف ونهي عن المنكر وجهاد في سبيل الله في جميع العبادات القولية والفعلية يجب ان يأتي بها العامل مبتغيا بها وجه الله سبحانه وتعالى لا يفعلها المراءات ولا لمحمدة الناس ولا لثنائهم ولا لغير ذلك من الاغراض فالعبد اذا قام بالعمل الصالح مريدا به وجه الله يسمى عمله اخلاصا فاذا فقد هذا الباعث و عمله لاغراض اخرى سمي بحسب تلك الاغراض اما رياء او سمعة او غير ذلك والله سبحانه وتعالى لا يقبل عمل العامل الا اذا اراد به وجه الله سبحانه وتعالى وهذا المقام اعني مقام الاخلاص مقام عظيم جدا يحتاج من العبد الى دوام معالجة لنفسه بان النفس والنية الصالحة التي فيها تتفلت من العبد ويأتيها ما يأتيها من امور تحلفها عن الاخلاص وتصرفها عنه ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله ما عالجت شيئا اشد علي من نيتي مراده ان النية تتفلت والقلب يتقلب فيحتاج المقام الى دوام المجاهدة وايضا دوام اللجوء الى الله سبحانه وتعالى ان يعيذ عبده من اه الشرك وان يوفقه الاخلاص نعم احسن الله اليكم. قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو الحسن علي ابن احمد ابن عبدان قال اخبرنا احمد بن عبيد الصفار قال حدثنا الحارث بن محمد بن ابي اسامة التميمي قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا يحيى ابن عن محمد ابن ابراهيم انه اخبره انه سمع علقمة ابن وقاص يقول انه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما الاعمال بالنية وانما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله والى رسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه رواه مسلم عن ابن نمير عن يزيد ابن هارون واخرجه البخاري ومسلم من حديث مالك وغيره عن يحيى بن سعيد الانصاري هذا الحديث حديث انما الاعمال بالنية قال عنه الامام الشافعي رحمه الله قال هذا ثلث العلم ويدخل في سبعين بابا من الفقه ثلث العلم لان احاديث النبي عليه الصلاة والسلام التي ترجع اليها عموم الاحاديث المأثورة عنه وهي تعتبر اصول للعلم ثلاثة احاديث هذا الحديث انما الاعمال بالنيات وحديث عائشة من عمل عملا ليس عليه امرنا فرج و حديث ان الحلال بين فمدار الاحاديث كلها على هذه الاحاديث الثلاثة ومرجع الاحاديث كلها الى هذه الاحاديث الثلاثة ولهذا صدر جماعة من اهل العلم كتبهم بهذا الحديث منهم البخاري رحمه الله صدر به كتابه الصحيح والتصدير تصدير اهل العلم كتبهم بهذا الحديث فيه التنبيه لطالب العلم على اهمية النية وان طلب العلم من العمل الصالح ومن القرب والقرب لا يقبلها الله سبحانه وتعالى الا بالنية وقوله في الحديث انما الاعمال بالنية او بالنيات كما في رواية اي ان الاعمال معتبرة بنياتها والنية تارة تطلق ويراد بها نية العمل وتارة تطلق ويراد بها نية المعمول له العمل المتقرب له بالعمل فتارة تطلق ويراد بها نية العمل والمراد بنية العمل اما التمييز بين عمل وعمل او التمييز بين عادة وعبادة مثل الغسل قد يكون المراد به نظافة البدن وقد يكون به رفع الحدث والذي يميز هذا عن هذا هو النية فالنية التي هي نية العمل هي التي يميز بها بين عبادة وعبادة الذي يميز صلاة النفل عن الفرض هو النية الذي يميز صيام الفرظ عن النفل هو النية وهكذا في عموم الاعمال وتارة تطلق النية ويراد بها المعمول له العمل من تقرب له بالعمل هو الاخلاص النوع الاول من اطلاق النية محله في كتب الاحكام والنوع الثاني محل بحثه في كتب التوحيد والعقائد والمراد به ان تكون نية العبد لله خالصة لا يقسم بالعمل الا وجه الله سبحانه وتعالى والنية محلها القلب قال عليه الصلاة والسلام انما الاعمال بالنيات اي معتبرة بنياتها من حيث القبول والرد فاذا كانت خالصة لله قبلت واذا كانت ليست خالصة له سبحانه وتعالى ردت على العامل والناس يتفاوتون في مقاصدهم التي تنطوي عليها قلوبهم تفاوتا عظيما والنية كما تقدم تحتاج الى معالجة مستمرة فانها تتفلت ويصيبها ما يصيبها فيحتاج الامر الى دوام المعالجة للنية لتكون خالصة لله عز وجل لا يبتغى بها الا وجهه سبحانه وقوله وانما لكل امرئ ما نوى اي ان ثواب الانسان على العمل واجره عليه بحسب النية فلكل امرئ ما نوى ان كان الذي نواه خيرا نال خيرا واذا نوى غير ذلك نال ما نوى فقوله وانما لكل امرئ ما نوى هذا يفيد ان ثمرة العمل وثواب العمل راجع امنية والناس ينقسمون في العمل من حيث النية الى ثلاثة اقسام. قسم يثاب على عمله لخلوص نيته وقسم لا يثاب على عمله اذا اتى بعمل من الاعمال المباحة ولم يأتي به بقصد التقرب ولم يأتي ايظا به بقصد فاسد فهذا لا له ولا عليه والقسم الثالث من يعمل عملا ينوي به شرا وينوي به فسادا فهذا يعاقب عليه وكما يقال بالمثال يتضح المقال ولهذا قال عليه الصلاة والسلام فمن كانت هجرته الى الله والى رسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امرأة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه الهجرة من ديار الكفر الى ديار الاسلام عمل صالح جاءت الشريعة بالندب اليه والحث عليه لكن يتفاوت الناس في نياتهم عندما يهاجرون فمنهم من يهاجر فرارا بدينه هجرة يطلب بها صلاح دينه واستقامته على طاعة الله وبعدا عن الفتن ومنهم من يهاجر طمعا في الدنيا ورغبة في تحصيلها او امرأة ينكحها ولهذا قال فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله. تطابق الشرط والجزاء وان تطابق اللفظان فاللفظ الاول له معنى والثاني له معنى والمراد من كانت هجرته الى الله ورسوله اي نية وقصدا فهجرته الى الله ورسوله اي ثوابا واجرا ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امرأة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه وهذا من معاني ما تقدم لكل امرئ ما نوى الذي هاجر لدنيا يصيبها او لامرأة ينكحها الاول تاجر والثاني خاطب ثم كانت هجرته الى التجارة او كانت هجرته للخطوبة او بحسب ما هاجر اليه لان الاعمال بنياتها الحاصل ان هذا حديث عظيم و مكانته علية وهو من الاسس العظيمة والدعائم المتينة التي يقوم عليها دين الله سبحانه وتعالى نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا محمد بن عبدالله الحافظ قال حدثنا ابو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا محمد بن علي ابن ميمون الرقي وابو اسامة عبدالله ابن اسامة الكلبي. قال حدثنا عمر ابن غياث. قال حدثني ابي عن اسماعيل ابن سمية عن مسلم البطين. عن ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع سمع الله به ومن راي راية الله به رواه مسلم عن عمر ابن حفص. واخرجاه من حديث جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فيه التحذير من الرياء والسمعة وبيان انهما يبطلان العمل ويفسدانه فجاء هذا الحديث في التحذير من الرياء والتحذير من السمعة وان كلا من المرائي والمسمع بالعمل يهتك الله عز وجل ستره ويفضحه بين العباد فمن عمل عملا وسمعه الناس اثنى على نفسه به ليكرموه ويعظموه ويعتقدوا فضله وخيريته وحسن تعبده كانت العقوبة سمع الله به كذلك من قال قولا من ذكر او دعاء او تلاوة للقرآن ورفع صوته حتى يسمعه الناس من اجل ان يقولوا عنه انه كثير الذكر وكثير الدعاء وكثير القراءة للقرآن فهذا سمى العباد بالعمل فالعقوبة سمع الله به اي فضحه وكشفه وبين عيبه للناس ولم يقيد بالحديث هذه العقوبة في الدنيا او في الاخرة فيحتمل ان تكون في الدنيا ان يكشف عيبه عند الناس ويحتمل ان يكون ذلك في الاخرة وهو اشد والعذاب الاخرة اخزى وكذلك الشأن في المراة براء رأى الله به اي عمل عملا ليراه الناس ويثنون عليه به ويمدحونه ويقولون هو عابد او ذاكر او نحو ذلك ان الله عز وجل يرائي به ويهتك ستره ويفضحه بين العباد الحاصل هذا الحديث حديث عظيم في باب التحذير من الرياء والسمعة احسن الله اليكم. قال المصنف رحمه الله تعالى وروي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه وصغره وحقره هذا الحديث رواه الامام احمد في المسند عن عمرو ابن مرة قال حدثنا رجل في بيت ابي عبيدة وجاء في بعض الروايات في مسند الامام احمد التصريح باسمه انه سمع عبد الله بن عمرو يحدث عبدالله ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه وصغره وحقره قال فذرفت عين عبد الله ابن عمر هذا الحديث معناه مثل معنى الحديث الذي قبله وقوله سمع الله به سامع خلقه يروى كما ذكر اهل العلم على ثلاثة اوجه احدها بضم العين سمع الله به سامع خلقه على اعتبار ان سامع صفة لله سامع خلقه اي من يسمع اصوات خلقه مطلع عليهم والثاني بفتحها سمع الله به سامع خلقه فيرجع الى الخلق لمن يسمعون والثالث اسامعا فتح العين وزيادة الالف واسامع جمع سمع السمع الذي هو حس الاذن يجمع السامع واسمع واسامع جمع الجمع والمراد ان الله عز وجل يسمى اسماع الخلق بهذا الرجل يوم القيامة ان يظهر لهم سريرته ويملأ اسماعهم بما ينطوي عليه من خبث السريرة وفسادها احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى وفيما روى العلاء ابن عبد الرحمن عن ابيه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل انا اغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لي عملا اشرك فيه غيري فانا منه بريء وللذي اشرك قال المصنف رحمه الله اخبرناه ابو عبد الله الحافظ قال اخبرنا ابو الحسن ابن بنت ابراهيم ابن هانئ. قال حدثنا ابراهيم ابن ابي طالب قال تحدثنا يعقوب الدورقي قال حدثنا ابن علية قال حدثنا روح ابن القاسم عن العلاء فذكره. ورواه مسلم عن زهير ابن حرب عن اسماعيل ابن علية هذا حديث قدسي عظيم يقول الله عز وجل انا اغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لي عملا اشرك فيه غيري فانا منه بريء وهو للذي اشرك و يروى بلفظ تركته وشركه والمعنى ان الله غني عن المشاركة وعن الشركاء فمن عمل شيء من الاعمال من صلاة او صيام او غيرها لله واشرك معه غيره فيه لم يقبل الله سبحانه وتعالى عمله بل تركه ورده عليه فافاد الحديث ان عمل المرائي باطل لا ثواب فيه بل هو اثم يعاقبه الله سبحانه وتعالى على مرائته الحديث اصل عظيم في باب الاخلاص وان الاعمال لا تكون مقبولة الا به. فمن عمل عملا ليس قائما على الاخلاص رد الله عليه عمله ولم يقبله منه نسأل الله عز وجل ان يجعل اعمالنا كلها له خالصة ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم موافقا والا يجعل لاحد فيها شيئا وان يوفقنا لكل خير انه سميع قريب مجيب. سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد واله وصحبه اجمعين