بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما وبعد فيقول الحافظ ابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه الاربعون الصغرى الباب الرابع عشر في محبة الله تعالى. ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم. والحب في الله وشح المرء بدين الله الذي اكرمه به بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد واله وصحبه اجمعين اما بعد هذه الترجمة عقدها المصنف رحمه الله تعالى في محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم والحب في الله وشح المرء بدين الله الذي اكرمه به اما محبة الله جل وعلا فهي اجل مقامات الدين واعظم منازل العابدين وهي الحياة الحقيقية التي من حرمها كان من جملة الاموات وهي اساس السعادة وسبيل الفلاح في الدنيا والاخرة وهي اعظم محركات القلوب الجالبة للاعمال المحققة للكمال البالغة بالعبد الى خير المقامات وعالي المنازل وقد كان من دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام اسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني الى حبك ولهذه المحبة ثمار عظيمة واثار كريمة وفوائد جمة يجنيها المؤمن في دنياه واخراه ولهذا ينبغي على المؤمن ان يحرص على هذه المحبة وان يحرص على كل ما يكون سببا لتنميتها وتقويتها ومن اعظم ذلك تدبر كلام الله سبحانه وتعالى والعناية بالتفقه في اسمائه الحسنى وصفاته العليا وكذلك تذكر للنعم والالاء والمنن والعطايا المتوالية الى غير ذلك من الاسباب العظيمة الجالبة محبة الله سبحانه وتعالى واما محبة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام فان الله افترضها على العباد واوجبها عليهم ومحبته من محبة الله كما ان طاعته من طاعة الله قد جاءت عنه عليه الصلاة والسلام الاحاديث الكثيرة بالحث على العناية بهذه المحبة وسيأتي بعضها عند المصنف رحمه الله تعالى وينبغي ان يتنبه المسلم في هذا المقام الا يكون حظه من محبة النبي عليه الصلاة والسلام مجرد الدعوة بل عليه ان يجاهد نفسه على تحقيق صدق هذه المحبة كما قال الله سبحانه قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم بان يكون تابعا للنبي عليه الصلاة والسلام مؤتسيا به مقتديا بهديه متمسكا بما جاء به عليه الصلاة والسلام ولهذا قال ابن كثير رحمه الله عند هذه الاية قال هذه الاية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فانه كاذب في دعواه في نفس الامر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع اقواله واحواله واما الحب في الله فهذا من اوثق عرى الايمان وارفعها كما ثبت في الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام انه قال اوثقوا عرى الايمان الحب في الله والبغض في الله وثبت عنه عليه الصلاة والسلام انه قال من احب لله وابغض لله واعطى لله ومنع لله فقد استكمل الايمان واما شح المرء بدين الله الذي اكرمه به فذلك لان الدين هو اثمن ما يملك العبد واعظم ما يملك ولهذا ينبغي ان يكون شحيحا بدينه وكل شيء له عوض الا الدين وكل شيء له خلف الا الدين ولهذا سيأتي في الحديث حتى يكون ان يقذف في النار احب اليه من ان يرجع في الكفر وهذا من شحه بدينه الذي اكرمه الله سبحانه وتعالى به ومن عليه سبحانه وتعالى به نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو علي الحسين ابن محمد ابن محمد ابن علي الروزباري قال اخبرنا ابو بكر محمد بن احمد بن محو موية العسكري قال حدثنا جعفر بن محمد القنانسي قال حدثنا ادم وابي اياس قال حدثنا شعبة قال حدثنا عن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجد احدكم حلاوة الايمان حتى يحب فالمرأة لا يحبه الا لله وحتى يكون ان يقذف في النار احب اليه من ان يرجع في الكفر بعد اذ انقذه الله منه وحتى يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما هذا الحديث العظيم جمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة خصال عظيمة اذا كانت في الشخص وجد بها حلاوة الايمان وطعمه وذلك ان الايمان له طعم وحلاوة وهذه الحلاوة والطعم لا يجدها الا من اكرمه الله سبحانه وتعالى بالاتصاف بهذه الخصال الثلاثة ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام مرتبة حسب اهميتها فذكر اولا ان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما اي ان يقدم محبة الله ومحبة الرسول عليه الصلاة والسلام على محبة كل محبوب على محبة الاهل والولد والتجارة والعشيرة وغير ذلك من المحاب قال الله تعالى قل ان كان اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا ذكر في هذه الاية ثمانية محاب جبن الناس جميعا على حبها ولا شيء في ذلك ولا حرج. وانما الحرج ان تكون هذه المحاب او شيء منها مقدمة على محبة الله محبة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه الخصلة الثانية في الحديث ان يحب المرء لا يحبه الا لله وهذه اوثق عرى الايمان كما تقدم في الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام بحيث تكون محبة العبد تبعا لمحبة الله قبوضه تبع لبغض الله يحب ما يحبه الله ويبغض ما يبغضه الله سبحانه وتعالى والخصلة الثالثة كراهية ان يعود في الكفر بعد ان انقذه الله منه كما يكره ان يقذف في النار اي ان قلبه يصبح فيه كراهية شديدة للكفر مثل كراهيته ان يلقى بالنار ومن المعلوم ان الكافر ان مات على كفره ليس له يوم القيامة الا النار الحاصل ان هذا الحديث جمع فيه النبي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه اتصالا ثلاثة آآ من اجتمعن فيه وجد بهن حلاوة الايمان وهذه الخصال الثلاثة هي اصل وفرع ونفي للمضاد الاصل محبة الله وتتبعها محبة رسوله عليه الصلاة والسلام والفرع محبة ما يحبه الله سبحانه وتعالى ونفي المضاد ان يكره ان يعود في الكفر بعد اذ انقذه الله منه كما يكره ان يقذف في النار احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى وبهذا الاسناد عن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من ولده ووالده والناس اجمعين رواهما البخاري في الصحيح عن ادم ورواهما مسلم عن ابن ابي موسى وبن دار عن غندر عن شعبة وهذا الحديث حديث انس رضي الله عنه لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من ولده ووالده والناس اجمعين حديث عظيم في وجوب محبة النبي عليه الصلاة والسلام وتقديمها على محبة الوالد والولد والناس اجمعين بل يجب ايضا ان تقدم على محبة النفس كما ثبت في صحيح البخاري عن عمر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله لانت احب الي من كل شيء الا من نفسي فقال النبي عليه الصلاة والسلام لا والذي نفسي بيده حتى اكون احب اليك من نفسك فقال له عمر لانت الان والله احب الي من نفسي فقال عليه الصلاة والسلام الان يا عمر ومحبة النبي عليه الصلاة والسلام واجبة وهي مقدمة على محبة النفس والوالد والولد والناس اجمعين وهي محبة تستوجب اتباعه يصير على منهاجه وترسم خطاه كما قال الله سبحانه قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وكلما عظمت هذه المحبة وصدق العبد فيها مع الله سبحانه وتعالى اثمرت اتباعا لهذا النبي الكريم وسيرا على من هذه القويم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو طاهر الفقيه قال حدثنا حاج بن احمد قال حدثنا ابو عبدالرحمن المروزي قال حدثنا ابن مبارك عن عبيد الله ابن عمر عن خبيب ابن عبد الرحمن عن حفص ابن عاصم ابن عمر عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم القيامة يوم لا ظل الا ظله. امام عادل وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل. ورجل ذكر الله تعالى في خلاء ففاضت اين ورجل كان قلبه معلقا في المسجد ورجلان تحابا في الله عز وجل ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال الى نفسها فقال اني اخاف الله تعالى ورجل تصدق بصدقة فاخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو عبد الله الحافظ قال اخبرنا ابو محمد الحسن بن محمد بن حكيم لمرو قال اخبرنا ابو الموجه قال اخبرنا عبدان قال اخبرنا عبد الله ابن مبارك قال اخبرنا عبيد الله ابن عمر فذكر باسناده مثله سواء قال المصنف رواه البخاري عن محمد ابن سلام عن عبد الله واخرجاه من حديث يحيى القطان عن عبيد الله وفي حديثه ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ثم ختم المصنف رحمه الله تعالى بهذا الحديث العظيم حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله وهو حديث عظيم جامع عده اهل العلم رحمهم الله في اجمع الاحاديث الواردة عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام في باب فضائل الاعمال حتى قال الامام ابن عبد البر رحمه الله في كتابه التمهيد قال هذا احسن حديث يروى في فضائل الاعمال. واعمها واصحها ان شاء الله وحسبك به فضلا لان العلم محيط بان كل من كان في ظل الله يوم القيامة لم ينله هول الموقف الى ان قال رحمه الله تعالى جعلنا منهم برحمته امين وهذه الخصال التي ذكر نبينا عليه الصلاة والسلام ليست حاصرة الخصال الموجبة للظلال بهذا العدد لانه قد صح عن نبينا عليه الصلاة والسلام في احاديث اخرى ذكر خصال اخرى موجبة للظلال ولهذا جمع بعض اهل العلم منهم السخاوي والسيوطي ما تفرق في الاحاديث من خصال موجبة للظلال فالحديث ليس حاصرا للخصال بهذا العدد الخصلة الاولى الامام العادل وبدأ به النبي عليه الصلاة والسلام لان الامام العادل اقرب الناس منزلة يوم القيامة من الله عز وجل كما جاء في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم واهليهم وما ولوا وهذا يتناول هذا الحديث يتناول الولايات الخاصة والولايات العامة فاذا عدل الانسان في ما وليه من اولاد وذرية وقام على رعايتهم بالعدل والاحسان واتقى الله فيهم فانه يكون من المقسطين الذين هم عند الله على منابر من نور قد قال عليه الصلاة والسلام اتقوا الله واعدلوا بين اولادكم الخصلة الثانية الشاب نشأ في عبادة الله اي لم يكن له في شبابه صبوة والشباب كما يقال شعبة من الجنون فيه من الطيش والعجلة والتسرع فاذا وفق الشاب للنشوء على الطاعة والاستقامة والعبادة والمجانبة لمسالك الانحراف فانه يكون من هؤلاء السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله ومرحلة الشباب لها اهميتها ولهذا يوم القيامة كما ان المرء يسأل عن عمره فيما افناه يسأل عن شبابه ايضا فيما ابلاه قد قال عليه الصلاة والسلام اغتنم خمسا قبل خمس وذكر منها شبابك قبل هرمك ولهذا ينبغي على الشاب ان يرعى لهذه المرحلة مكانتها وان يدرك قدرها وان يحرص على هذه النشأة الصالحة حتى يكون من السبعة باذن الله الثالثة رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه اي ليسوا بحضرة الناس ولا في المجامع وانما بينه وبين الله في خلوته اما في تهجده وقيامه لليل او نحو ذلك تفكرا في عظمة الله متأملا في اسمائه وصفاته متدبرا لكتابه فيتحرك قلبه شوقا الى الله ومحبة للقائه فتدمع عيناه وجاء في بعض الروايات رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه من خشية الله وهذا ثمرة حصن التفكر والتأمل في اسماء الله والتأمل في كتابه العظيم سبحانه وتعالى الرابع من هذه الخصال رجل قلبه معلق في المساجد اي قلبه مرتبط بالمساجد بحيث اذا خرج من المسجد فان قلبه يبقى متعلقا بالمسجد شغوفا بالعودة اليه ولهذا جاء في بعض الروايات للحديث ورجل قلبه معلق بالمسجد اذا خرج منه حتى يعود اليه لشدة تعلق قلبه بالمساجد وهذا يبين لنا المكانة العظيمة بيوت الله سبحانه وتعالى والمنزلة العلية لبيوت الله سبحانه وتعالى قال الله عز وجل في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والاصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة الخصلة الخامسة من هذه الخصال الموجبة للظلال رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه اي على الحب في الله وهذا هو موطن الشاهد من الحديث والحب في الله كما تقدم هو اوثق عرى الايمان والتحاب في الله خصلة متينة من خصال الدين وذلك لان التحاب في الله يثمر الثمار العظيمة من التعاون والتكافل والتآزر والشد من العضد باعمال الخير واعمال البر فنفعه عظيم وثماره جليلة لا سيما اذا صفت النفوس وصدقت في هذه المحبة والسادسة من هذه الخصال رجل ادعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني اخاف الله وقد اتفق اهل العلم ان اعظم رادع واكبر الزاجر عن اقتراف الذنوب هو ان تعلم ان الله يراك وانه مطلع عليك وان عقابه شديد وانه لا تخفى عليه خافية فاذا وجد في العبد هذه المراقبة وهذا الخوف من الله سبحانه وتعالى اثمر فيه تجنبا اه المعاصي حتى وان استحكمت اسباب فعلها فهذا رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فالمرأة التي دعته ليست من سائر النساء وانما هي امرأة ذات منصب وذات منصب تعني ان لها مكانة ولها جاه ولها مال واجتمع مع ذلك انها جميلة فلا شك ان الامر اشد اغراء وانظم الى ذلك انها راودته ودعته الى نفسها فقال اني اخاف الله اي منعه من ذلك خوف الله ومراقبة الله سبحانه وتعالى وهذا يذكر بالقصة العظيمة لنبي الله يوسف عليه السلام قد ذكرها الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم قال وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت ليت لك. الاية والايات بعدها قال عليه السلام معاذ الله انه ربي احسن مثواي قالت في تمام القصة قال رب السجن احب الي مما يدعونني اليه والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين السابع من هذه الخصال الموجبة للضلال رجل تصدق بصدقة فاخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وهذا مثال ذكر لبيان شدة مبالغته في اخفاء الصدقة اي من شدة مبالغته في اخفاء صدقته وحرصه على قلوصها وصفائها والبعد عن الرياء والسمعة والثناء ومحمدة الناس وهذا من دلائل الاخلاص قال تصدق بصدقة نكرها لتشمل القليل والكثير فلا يظن الانسان ان هذا الثواب متعلق بالاموال الكبيرة او بل قد قال النبي عليه الصلاة والسلام سبق درهم مئة الف درهم فدرهم او شيء قليل ينفقه الانسان ويخفيه ويسد به حاجة الفقير حري ان يكون به من هؤلاء الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله الحاصل ان هذا الحديث حديث عظيم مبارك بذكر هذه الخصال العظيمة الموجبة للظلال ونسأل الله ان ينفعنا اجمعين وان يزيدنا علما وان يوفقنا لما يحبه ويرضاه من سديد الاقوال وصالح الاعمال وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين