بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما وبعد فيقول الحافظ ابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه الاربعون الصغرى الباب التاسع عشر في الاكتفاء بما فيه اقل الكفاية والقناعة بما اتاه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فهذا باب عقده المصنف الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى في الاكتفاء بما فيه اقل الكفاية والقناعة بما اتاه الله تعالى فهاتان خصلتان عقد هذه الترجمة للحث عليهما الاولى الاكتفاء بالقليل والثانية القناعة بما رزق الله سبحانه وتعالى عبده ومن عليه به وهذا من موجبات الفلاح والسعادة في الدنيا والاخرة كما سيأتي في الحديث الذي ساقه المصنف رحمه الله قد افلح من اسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما اتاه فجمع عليه الصلاة والسلام بين هاتين الخصلتين والذي يعين على تحقيقهما ان يتذكر المرء ان هذه الدنيا معبر الى الاخرة وليست بدار قرار وان الحياة الحقيقية هي حياة الاخرة الباقية الابدية ولهذا جاء في الحديث في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنهما قال كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل وهذا يتضمن الحث على لزوم القناعة قال ابن حبان رحمه الله في كتابه روضة العقلاء وقد صدر بابه الذي عقده في كتاب روضة العقلاء في الحث على لزوم القناعة بهذا الحديث حديث ابن عمر ثم قال عقبه فقد امر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر في هذا الخبر ان يكون في الدنيا كانه غريب. او عابر سبيل فكأنه امره بالقناعة باليسير من الدنيا. اذ الغريب وعابروا السبيل لا يقصدان في الغيبة الاكثار من الثروة بل القناعة اليهما اقرب من الاكثار من الدنيا انتهى كلامه رحمه الله تعالى فهذا الحديث اعني حديث ابن عمر كن في الدنيا كأنك غريب او عابر السبيل من اعظم ما يعين المرء على تحقيق القناعة والتخفف من الدنيا لانها ليست وطنا او قرارا المرء واذا حقق ذلك اي التخفف القناعة حظي باعظم نعمة واجل موهبة لانه سيكون ذلك راحة له طمأنينة وسكونا قلبه وراحة لفؤاده ولهذا قال ابن حبان من اكثر مواهب الله لعباده واعظمها خطرا القناعة وليس شيء اروع للبدن من الرضا بالقضاء والثقة بالقاسم ولو لم يكن في القناعة خصلة تحمد الا الراحة وعدم الدخول في مواضع السوء لطلب الفضل لكان الواجب على العاقل الا يفارق القناعة على حالة من الاحوال فبين رحمه الله ما في القناعة من الراحة الطمأنينة وعدم التشتت ولهذا جاء في وصية اكثم ابن صيفي لابنه قال يا بني من لم يأس على ما فاته وزع بدنه ومن قنع بما هو فيه قرت عينه فرق بين من يكون مشتتا مفرقا وبين من هو قرير العين مطمئن القلب وارتاح البال ولهذا جاء عن محمد بن كعب القرظي في تفسير قوله تعالى فلنحيينه حياة طيبة قال القناعة القناعة حياة طيبة وهي مال باق للعبد كما قال محمد ابن المنكدر قال القناعة مال لا ينفد والقناعة هذه الخصلة العظيمة المباركة موطنها القلب فالقلب هو الذي يكون قنوعا او ليس بقنوع فاذا كان قنوعا ترتب على ذلك صلاح البدن قال ابن حبان القناعة تكون بالقلب فمن غني قلبه غنيت يداه ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه ومن قنع لم يتسخط وعاش امنا مطمئنا ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته ولهذا اذا فقد المرء القناعة حتى وان كثر ما له يبقى شقيا يرى نفسه من الفقراء او من اقل الناس كما قال الناظم اذا المرء لم يقنع بعيش فانه وان كان ذا مال من الفقر موقر اي مملأ ممتلئ من الفقر حتى وان كثر المال في يده اما القنوع حتى وان كان قليل المال فانه يصبح غنيا مثل ما تقدم في كلام ابن حبان فمن غني قلبه غنيت يداه ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه اي وان كثر ماله سيصبح متسخطا يشعر بقلة ذات اليد وحاجته الى المزيد ويصبح القلب مضطربا والنفس مشتتة القناعة تعد كنزا ومالا لا ينفد وهي من نعم الله سبحانه وتعالى على عبده المؤمن الحاصل ان البيهقي رحمه الله عقد هذه الترجمة حثا على هاتين الخصلتين الكريمتين الاكتفاء من الدنيا بما فيه اقل الكفاية والقناعة بما اتاه الله عز وجل اي ما قسم الله سبحانه وتعالى له من الرزق احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو احمد عبد الله ابن محمد ابن الحسن المهرجاني وابو زكريا ابن ابي اسحاق. قال حدثنا ابو عبد الا محمد ابن يعقوب قال حدثنا خشنام بن الصديق قال حدثنا عبدالله بن يزيد المقري قال حدثنا سعيد بن ابي ايوب قال حدثنا شرحمير بن شريك عن ابي عبدالرحمن الحبني عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قد افلح من اسلم ما ورزق كفافا وقنعه الله بما اتاه رواه مسلم في الصحيح عن ابي بكر ابن ابي شيبة عن عبدالله ابن يزيد المقرئين ابو عبدالرحمن الحبل بظم الحاء والماء اورد المصنف رحمه الله تعالى هذا الحديث العظيم حديث عبدالله بن عمرو ابن العاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قد افلح من اسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما اتاه ومخرج في صحيح الامام مسلم وهذا ثناء عاطر من النبي عليه الصلاة والسلام تعلية لشأن من كان كذلك واخبار بفلاحه وكفى بذلك شرفا قال قد افلح اي فاز ونجا وتحقق فلاحه ثم ذكر صفات هؤلاء المفلحين قال من اسلم اي من الله عليه بالاسلام وهداه لهذا الدين العظيم وجعله من اهله وهي اعظم المنن واجل العطايا ورزق كفافا اي من الله علي بالكفاف والكفاف ما كف عن الاحتياج وكفى في حاجة المرء قال وقنعه الله بما اتاه اي رزقه الرضا بهذا الكفاف فلم يكن عنده شرع لطلب الازدياد وهذا لا شك من النعم ان يرزق المرء ما يكفيه وان يمنع ما يطغيه ويصرفه عما خلق له والقناعة امرها ليس بالهين فهي تحتاج الى مران للنفس ومعونة من الرب سبحانه وتعالى والا فهي طامعة في المزيد من امور الدنيا والتوسع فيها وكلما حصلت لها الساعة طمعت في اكثر واذا اعطي ابن ادم وادي من ذهب تمنى ان يكون له اخر وهكذا كما قال الشاعر والنفس راغبة اذا رغبتها واذا ترد الى قليل تقنع فهي تحتاج الى مران حتى ترزق القناعة باذن الله سبحانه وتعالى ومنه جل في علاه ومثل هذا الحديث مما رواه الترمذي عن فضالة ابن عبيد انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول طوبى لمن هدي الى الاسلام هذا نظير ما تقدم قولها قد افلح من اسلم قال طوبى لمن هدي الى الاسلام وكان عيشه كفافا وقنعا كان عيشه كفافا اي بقدر كفايتهم لا ينقص عن حاجته وايضا لا يزيد على الكفاية الزائد على الكفاية يشغل والناقص عن الكفاية يحوج والكفاف والوسط بين الامرين وقنع اي رضي بالقسم والعطاء ولما تطمع نفسه في الزيادة عليه قنع اي بما اتاه الله سبحانه وتعالى ومن عليه به فاهل هذه الاوصاف مفلحون كما اخبر النبي عليه الصلاة والسلام وطوبى لهم كما في الحديث الاخر حديث فضالة ابن عبيد احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو الحسين علي بن محمد بن عبدالله بن بشران ببغداد قال حدثنا اسماعيل بن حمد الصفار قال حدثنا سليمان ابن الاشعث قال حدثنا عبد الله بن عبد الجبار الخبايلي قال حدثنا عبد الله بن حميد المزني عن ابيه عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ما يكفيني من الدنيا؟ قال صلى الله عليه وسلم ما سد جوعتك وستر عورتك فان كان بيت فذلك وان كان حمار فبخ بخ قلق من خبز وجرعة من ماء وانت مسؤول عما فوق الازار قال المصنف وروي هذا المتن من وجه اخر عن ثوبان مرفوعا ومن وجه اخر عن ابي الدرداء مرفوعا. ومن وجه اخر عن ابي امامة مرفوعا واذا انضمت هذه الاسانيد بعضها الى بعض اخذت قوة ثم ساق المصنف رحمه الله تعالى هذا الحديث حديث معاوية ابن حيدة وهو حديث ضعيف الاسناد في حميد المزني مجهول كما قال الذهبي رحمه الله تعالى وقد اشار المصنف الى ان هذا المتن روي من وجه اخر من حديث ثوبان ومن وجه اخر من حديث ابي الدرداء ومن وجه اخر ايضا من حديث ابي امامة لكن اسانيد هذه الاحاديث ظعيفة ويقول المصنف عن البيهقي رحمه الله اذا انضمت هذه الاسانيد بعضها الى بعض اخذت قوة فكانه يقوي اه رحمه الله الحديث بمجموع هذه الطرق الحديث كما تقدم ضعيف لكن ان ثبت فانه يكون كالمفسر والشارح للحديث الذي قبله حديث الذي قبله قال رزق كفافا وجاء في هذا الحديث ما يفسر الكفالة قال معاوية بن حيدة اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ما يكفيني من الدنيا ساله عن الكفاف فقال ما سد جوعتك وستر عورتك فان كان بيت فذلك فبين عليه الصلاة والسلام ان الكفاء بان يكون عند الانسان قوت يومه عنده طعام يشبع جوعته وعنده لباس يستر عورته وعنده مسكن يأوي اليه فاذا اجتمعت هذه الطعام واللباس والمسكن فهذا هو الكفاف قال وان كان حمار فبخ بخ يعني تتنقل عليه هي حاجاتك فلق من خبز وجرعة من ماء فلق من خبز وجرعة من ماء اي هذه يحصل بها الكفاف وهو ان ان يكون عنده طعام يشبعه وما يرويه قال وانت مسؤول عما فوق الازار وانت مسؤول عما فوق الازار ولفظه من حديث ابي امامة كما رواه البيهقي في الشعب قالوا وما فوق الازار وجلف الخبز وظل آآ جدار فضل يحاسب به العبد يوم القيامة ما فوق الازار اي ما زاد عن اللباس الذي يحتاجه الانسان ليستر به عورته وما زاد عن الطعام اليسير الذي يشبع جوعته وظل الجدار البيت الذي يواريه ما كان زائدا عن هذه من الامور التي هي كماليات والزوائد عن الحاجة قال فضل الفضل هو الزائد عن الحاجة يحاسب به العبد يوم القيامة اي انه لا يلام على الكفاف وانما يلام على الفضل والزائد عن الحاجة نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى وروى مروان بن معاوية عن عبد الرحمن بن ابي شوميلة عن سلمة بن عبيد الله بن محصن عن ابيه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اصبح منكم امنا في سربه معافا في جسده وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا قال المصنف رحمه الله حدثنا ابو عبدالرحمن السلمي املاء قال حدثنا ابو بكر احمد بن اسحاق الفقيه قال حدثنا العباس بن ابي الفضل الاسباطي قال حدثنا سريج بن يونس قال حدثنا مروان بن معاوية فذكره غير انه قال عن عبدالرحمن عن ابيه وابوه فيه زيادة فيما اعلم قال وروى هذا المتن عن ابن عمر مرفوعا غير انه قال فعلى الدنيا العفاء ثم ختم المصنف رحمه الله تعالى هذا الباب بهذا الحديث حديث عبيد الله ابن محصن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اصبح منكم امنا في سربه معافا في جسده وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا وزيد في بعض الروايات كأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها قوله من اصبح منكم اي يا عباد الله امنا اي ليس بخائف من عدو من رزقه الله سبحانه وتعالى الامن وقوله في سربه بكسر السين عالمشهور اي في نفسه. وقيل السر بالجماعة اي في اهله وعياله يعيش في بيته في امن ومطمئن ليس خايف من عدو هذا الامر الاول الثاني قال معافا في جسده اي صحيحا في بدنه سليما من الامراض والاسقام والامر الثالث قال عنده قوت يومه اي عنده ما يكفيه من القوت الذي حصله من الوجه الحلال فهذه الثلاث اذا اجتمعت للعبد يقول النبي صلى الله عليه وسلم فكأنما حيزت له الدنيا في رواية بحذافيرها اي جمعت له الدنيا بتمامها كانما اعطي الدنيا باسرها لماذا لان هذه الثلاث يحصل بها الكفاية والزائد عن ذلك كله فضل اذا كان البدن فيه عافية والقوت الذي يشبع العبد موجود عنده والمسك الذي يأوي اليهم بامن وطمأنينة موجود ما زاد على ذلك من متع الدنيا كله فظل ففي هذه الثلاثة كانما الدنيا كلها بمتعها بين يديه جمعت له لان الزاد عن هذه الامور الثلاثة من امور الدنيا كلها فضل وزيادة وهذا الحديث العظيم تأمله يعين العبد على استشعار فظل الله سبحانه وتعالى عليه. وعظيم منته ويزيد العبد شكرا وحمدا وثناء على الله سبحانه وتعالى لان كثير من الناس عنده ما يزيد على هذه المذكورات بكثير نفسه متضجرة ويشعر انه ليس عنده شيء. وقليل الحمد والشكر والثناء على الله سبحانه وتعالى كثير التسخط فعلى العبد ان يتأمل في هذا الحديث العظيم ويستشعر النعمة اذا اصبح استشعر هذا الفضل الامن والمعافاة وتيسر القوت والطعام فهذه من عظام بل هذه اصول النعم الدنيوية فلله سبحانه وتعالى الحمد اولا واخرا وله الشكر وظاهرا وباطنا قوله رحمه الله وروي هذا المتن عن ابن عمر مرفوعا غير انه قال فعلى الدنيا العفاء لفظ هذا الحديث كما رواه المصنف بتمامه في كتابه شعب الايمان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن ادم عندك ما يكفيك وانت تطلب ما يعطيك ابن ادم لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع ابن ادم اذا اصبحت معافى في جسدك امنا في سربك عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء ومعنى على الدنيا العفاء اي الدروس وذهاب الاثر وهذا فيه التزهيد في الدنيا والترغيب في التقليل منها وان يقنع الانسان بما اتاه الله سبحانه وتعالى ويكتفي باليسير والكفاف وهذا الحديث حديث ابن عمر رضي الله عنهما لا يثبت لان فيه ابو بكر الداهري قال الذهبي رحمه الله متهم بالوضع هذا ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح والرزق الطيب انه سميع قريب مجيب وانبه ان غدا الاربعاء لا يوجد درس سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك. اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد واله وصحبه اجمعين