بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا وبعد فيقول الحافظ ابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه الاربعون الصغرى الباب العشرون بالتوكل على الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فهذا الباب العشرون من ابواب هذه الرسالة الاربعون الصغرى للبيهقي رحمه الله هو معقود في بيان التوكل على الله عز وجل والتوكل مقام عظيم من مقامات الدين الجليلة وفريضة عظيمة يجب اخلاصها لله وحده وهو من اجمع انواع العبادة واهمها لما ينشأ عنه من الاعمال الصالحة والطاعات الكثيرة فانه اذا اعتمد القلب على الله عز وجل في جميع الامور الدينية والدنيوية دون سواه صح اخلاصه وقويت معاملته مع الله وزاد يقينه وثقته بربه سبحانه وقد امر الله سبحانه بالتوكل عليه في مواطن كثيرة من القرآن الكريم وجعل التوكل عليه شرطا في الايمان فقال تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين وقال تعالى وقال موسى يا قومي ان كنتم امنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين فجعل دليل صحة الايمان والاسلام التوكل على الله وكلما قوي ايمان العبد كان توكله اقوى واذا ضعف الايمان ضعف التوكل فاذا كان التوكل ضعيفا كان دليلا على ضعف الايمان ولابد فالتوكل اصل لجميع مقامات الدين ومنزلته منها كمنزلة الجسد من الرأس فكما لا يقوم الرأس الا على البدن فكذلك لا يقوم الايمان ومقاماته واعماله الا على ساق التوكل وحقيقة التوكل هو عمل القلب وعبوديته اعتمادا على الله وثقة به والتجاء اليه وتفويضا اليه ورضا بما يقضيه له لعلمه بكفايته سبحانه وحسن اختياره لعبده اذا فوض اليه اموره مع قيامه بالاسباب المأمور بها واجتهاده في تحصيلها هذه هي حقيقة التوكل اعتماد على الله وحده لا شريك له مع فعل الاسباب المأمور بها والقيام بها دون تعد الى فعل سبب غير مأمور او سلوك طريق غير مشروع والناس منقسمون في هذا الامر الجليل الى طرفين ووسط فاحد الطرفين عطل الاسباب محافظة على التوكل والطرف الثاني عطل التوكل محافظة على الاسباب والوسط علم ان حقيقة التوكل لا تتم الا بالقيام بالسبب وتوكل على الله في نفس السبب وقد جمع بين هذين الاصلين في نصوص كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله ففي قوله احرص على ما ينفعك امر بكل سبب ديني ودنيوي بل امر بالجد والاجتهاد فيه والحرص عليه نية وهمة وفعلا وتدبيرا وفي قوله واستعن بالله ايمان بالقضاء والقدر وامر بالتوكل على الله الذي الاعتماد التام على حوله وقوته في جلب المصالح ودفع المضار مع الثقة التامة به في نجاح ذلك فالمتبع للرسول صلى الله عليه وسلم يلزمه ان يتوكل على الله في امر دينه ودنياه وان يقوم بكل سبب نافع بحسب قدرته وعلمه ومعرفته وعن انس رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله اعقلها واتوكل او اطلقها واتوكل. قال اعقلها وتوكل فارشده عليه الصلاة والسلام الى الجمع بين الامرين فعل السبب والاعتماد على الله وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو انكم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا. رواه الترمذي فذكر الامرين معا فان غدو الطير وهو ذهابها في الصباح الباكر هو سعي في طلب الرزق وتحصيله وروى ابن ابي الدنيا عن معاوية ابن قرة قال لقي عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ناسا من اهل اليمن فقال من انتم قالوا نحن المتوكلون قال بل انتم المتواكلون انما المتوكل الذي يلقي حبه في الارض ويتوكل على الله عز وجل وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب نزول قوله تعالى وتزودوا فان خير الزاد التقوى قال كان اهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون فاذا قدموا مكة سألوا الناس فانزل الله تعالى وتزودوا فان خير الزاد التقوى وبهذا يعلم ان التوكل لابد فيه من الجمع بين الامرين. فعل السبب والاعتماد على المسبب وهو الله اما من عطل السبب وزعم انه متوكل فهو في الحقيقة متواكل مغرور مخدوع وفعله هذا ما هو الا عجز وتفريط وتضييع فلو قال قائل مثلا ان قدر لي ادركت العلم اجتهدت او لم اجتهد او قال ان قدر لي اولاد حصلوا تزوجت او لم اتزوج وهكذا من رجع حصول ثمر او زرع بغير حرث وسقي وعمل متكلا على القدر وهكذا ايظا من يترك اهله وولده بلا نفقة ولا غذاء ولا سعي في ذلك متكلا على القدر فكل هذا تضييع وتفريط واهمال وتواكل اما من يقوم بالسبب ناظرا اليه معتمدا عليه غافلا عن المسبب معرضا عنه فهذا توكله عجز وخذلان ونهايته ضياع وحرمان ولذا قال بعض العلماء الالتفات الى الاسباب شرك في التوحيد ومحو الاسباب ان تكون اسبابا نقص في العقل والاعراض عن الاسباب بالكلية قدح في الشرع وانما التوكل والرجاء معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع ان التوكل على الله مصاحب للمؤمن الصادق في اموره كلها الدينية والدنيوية فهو مصاحب له في صلاته وصيامه وحجه وبره وغير ذلك من امور دينه ومصاحب له في جلبه للرزق وطلبه للمباح وغير ذلك من امور دنياه فالتوكل على الله نوعان توكل عليه في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية او دفع مكروهاته ومصائبه وتوكل عليه في حصول ما يحبه هو سبحانه ويرضاه من الايمان واليقين والصلاة والصيام والحج والجهاد والدعوة وغير ذلك ولهذا شرع المسلم اذا خرج من بيته في كل مرة يخرج فيها من بيته اي مصلحة دينية او دنيوية ان يخرج من بيته بالتوكل متوكلا على الله سبحانه وتعالى ويجدد هذا التوكل في كل مرة يخرج فيها من بيته ففي سنن ابي داوود وغيره عن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت فهذا فيه ان المسلم يشرع له في كل مرة يخرج من بيته ان يخرج مجددا توكله على الله سبحانه وتعالى وهذه الكلمات الثلاث بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله كلها كلمات استعانة وتوكل وثمرة ذلك كما في الحديث هديت وكفيت ووقيت احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا بالله الحافظ قال حدثنا ابو عبد الله محمد ابن عبد الله ابن احمد الصفار الاصبهاني املاء قال حدثنا ابو يحيى احمد بن عصام بن عبدالمجيد الاصبهاني قال حدثنا رح ابن عبادة قال حدثنا شعبة قال سمعت حصين بن عبد الرحمن عن سعيد بن عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يدخل الجنة من امتي سبعون الفا بغير حساب قال فقلت من هم؟ قال هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يعتافون. على ربهم يتوكلون قال المصنف رواه البخاري عن اسحاق عن روح رواه مسلم عن عن ابي بكر عبد الله ابن محمد ابن ابي شيبة عن محمد ابن فضيل عن فذكره غير انه لم يذكر قول ولا يعتافون وزاد وقال عكاشة بن محصن انا منهم يا رسول الله فقال انت منهم ثم قام رجل اخر فقال انا منهم فقال قد سبقك بها عكاشة قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا محمد بن عبدالله الحافظ قال اخبرنا ابو جعفر ابن دحيم قال حدثنا احمد ابن حازم الغفاري قال حدثنا عبد الله ابن محمد ابن ابي شيبة فذكره اورد المصنف رحمه الله تعالى هذا الحديث حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يدخل الجنة من امتي سبعون الفا بغير حساب قال فقلت من هم؟ قال هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يعتافون وعلى ربهم يتوكلون قال المصنف رحمه الله رواه البخاري عن اسحاق عن روح والصواب ان رواية الحديث من طريق روح ليست عند البخاري رحمه الله تعالى وانما هي عند الامام احمد في المسند قال حدثنا روح قال حدثنا شعبة وساق الاسناد كما هو عند المصنف هنا وكذلك اللفظ فلفظ ولا يعتافون ليست في البخاري وانما هي في مسند الامام احمد رحمه الله تعالى وهذا حديث عظيم بذكر صفات محققي التوحيد وهم سبعون الف من امة النبي عليه الصلاة والسلام ذكر في هذا الحديث انهم يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب ثم ذكر عليه الصلاة والسلام صفاتهم قال لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يعتافون وعلى ربهم يتوكلون ولفظ الحديث عند البخاري ومسلم هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون فذكر لا يكتوون بدل ولا يعتافون وهذه الصفات المذكورة هي في الجملة تحقيق للتوحيد. وتتميم وتكميل له وحاصلها تعلق القلب بالله ثقة به واعتمادا عليه وتوكلا عليه وحسن التجاء اليه تفويظا للامر اليه وعدم التفات الى المخلوقين وانما القلب معتمد على الله عز وجل مفوضا الامر اليه واثق به سبحانه وتعالى فترجع هذه الصفات الى تحقيق التوحيد ولهذا اورد شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هذا الحديث في كتابه التوحيد تحت باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب قوله لا يسترقون. الاسترقاء طلب الرقية فلا يطلبون من احد ان يرقيهم لان هذا الطلب به شيء من الالتفات بالقلب الى المخلوق وهذا من ضعف التوكل وتمام التوكل الا يلتفت القلب الى احد من المخلوقين وانما يفوظ الى الله ويعتمد على الله اما ان يرقى المرء نفسه او يرقي غيره محسنا اليه فهذا لا ينافي اوصاف السبعين لان المذكور هنا لا يسترقون الذي هو الطلب من الغير اي لا يطلبون من غيرهم ان يرقيهم. ففي الطلب شيء من الالتفات الى الغير وقوله ولا يتطيرون التطير هو التشاؤم سواء بتطير او بغير الطير باصواتها او باسمائها او حركاتها و التشاؤم يضر الانسان ويعيقه في مصالحه ويعطله عنا اعماله هو شؤم على المرء فمن صفات محققي التوحيد انهم لا يتطيرون اي لا يتشائمون وهذا من تمام توكلهم وقوله ولا يعتافون من العيافة بكسر العين وهي زجر الطير والتفاؤل باسمائها واصواتها وممرها وهذه اه من العادات التي كانت تفعلها العرب في الجاهلية وقوله وعلى ربهم يتوكلون هذه هي الصفة الجامعة لما سبق اي عليه وحده. قال الله تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين فهم متوكلون على الله وحده فهذه صفات هؤلاء المؤمنين الكمل محققي التوحيد الذين يدخلون الجنة بغير حساب قال المصنف رحمه الله وزاد اي مسلم والصحيح ان الزيادة في الصحيحين في البخاري ومسلم قال وقال عكاشة ابن محصن انا منهم يا رسول الله فقال انت منهم ثم قام رجل اخر فقال انا منهم فقال قد سبقك بها عكاشة عكاشة رضي الله عنه بادر لما سمع هذه الاوصاف و قال للنبي صلى الله عليه وسلم انا منهم. في رواية قال ادعو الله ان يجعلني منهم قال له النبي عليه الصلاة والسلام انت منهم وهذا من اعلام النبوة اخبر عليه الصلاة والسلام انه من هؤلاء السبعين الذين يدخلون الجنة بدون حساب وعليه فان عكاشة رضي الله عنه ممن شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة قد مات رضي الله عنه شهيدا بمقاتلة المرتدين مع خالد ابن الوليد واصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام رجل اخر فقال ادعوا الله ان يجعلني منهم. فقال سبقك بها عكاشة. لم يقل انت منهم ولم يقل ايضا انت لست منهم قال سبقك بها عكاشة وهذا حسم لهذا الامر لانه سيتوالى الطلب وقد يطلب من لا يكون مثلا كذلك او نحو ذلك فحسم الامر عليه الصلاة والسلام فقال سبقك بها عكاشة احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى قال الشيخ الامام احمد رحمه الله تعالى التوكل طمأنينة القلب وسكونه الى موعود الله تعالى وذلك لا يمنع الكسب من الحلال فيكتسب بظاهر العمل معتمدا بقلبه على الله تعالى لا على كسبه لعلمه بان لا حول ولا قوة الا بالله وكذا قال ابو الحسن علي ابن احمد البوشنجي فيما اخبرنا ابو عبد الله الحافظ عنه التوكل التبرئة من حولك وقوتك وحول مثلك وقوة مثلك قوله قال الشيخ الامام احمد رحمه الله تعالى المراد به المصنف حافظ البيهقي رحمه الله تعالى ابو بكر احمد ابن الحسين ابن علي البيهقي المراد بقوله قال الشيخ الامام احمد رحمه الله اي البيهقي و قطعا المعبر بهذه العبارة قال الشيخ الامام احمد ليس المصنف وانما آآ راو النسخة من تلاميذه او الناسخ لها قوله التوكل طمأنينة القلب وسكونه الى موعود الله وذلك لا يمنع الكسب من الحلال فيكتسب بظاهر العمل معتمدا بقلبه على الله تعالى لا على كسبه لعلمه بان لا حول ولا قوة الا بالله هذه خلاصة اه في بيان حقيقة التوكل وانه جمع بين الامرين اعتماد القلب على الله سبحانه وتعالى وبذل السبب وسبق في مقدمة الحديث عن هذا الباب تفصيل بعض الشيء هذا المعنى وقوله لعلمه بان لا حول ولا قوة الا بالله وهذه الكلمة اعني لا حول ولا قوة الا بالله كلمة عظيمة ورد في فضلها وعظيم مكانتها وما يترتب عليها من اجور نصوص عديدة عن نبينا عليه الصلاة والسلام منها ما جاء في الصحيحين ان النبي عليه الصلاة والسلام قال يا عبد الله ابن قيس قل لا حول ولا قوة الا بالله فانها كنز من كنوز الجنة وفي رواية للحاكم الا ادلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة تقول لا حول ولا قوة الا بالله فيقول الله عز وجل اسلم عبدي واستسلم وفي المسند حديث ابي ايوب الانصاري ان النبي صلى الله عليه وسلم ليلة اسري به مر على ابراهيم عليه السلام فقال يا محمد مر امتك ان يكثروا من غراس الجنة. قال وما غراس الجنة قال لا حول ولا قوة الا بالله وفي المسند عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اكثروا من قول لا حول ولا قوة الا بالله فانها كنز من كنوز الجنة فهذه الكلمة كلمة عظيمة وهي كلمة استسلام وتفويض توكل على الله سبحانه وتعالى قال احد اهل العلم نضمن في ذكر فضائل هذه الكلمة تبرأ من الحول والقوة تنل اي كنز من الجنة وسلم امورك لله كي تبيت وتصبح في جنة ولا ترجو ان مس خطب سوى الهك ذي الفضل والمنة. وواظب على الخير واحرص على اداء الفرائظ والسنة وكن سالم الصدر للمسلمين من غل وحقد ومن ضن واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله وان يهدينا اليه صراطا مستقيما انه تبارك وتعالى سميع قريب مجيب وانبه الى ان غدا لا يوجد درس واسأل الله عز وجل ان يتقبل منا اجمعين صالح العمل بمنه وكرمه سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد واله وصحبه اجمعين