بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا وبعد فيقول الحافظ ابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه الاربعون الصغرى الباب الثاني والعشرون في الاخذ من الحلال واجتناب المحارم والتورع عن الشبهات بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد هذه الترجمة فيها بيان الحث على الاخذ من الحلال واجتناب المحارم لتجنب المحرمات والتورع عن الشبهات اي ان الاشياء تنقسم الى هذه الاقسام الثلاثة القسم الاول ما كان حله بينا واضحا غير خفي سواء في المأكولات والمشروبات والملبوسات او في عموم الامور فهناك اشياء بين حلها لا يخفى على عموم المسلمين مثل الخبز العسل والسمن والفواكه لبن مأكول اللحم وغير ذلك من المأكولات المشروبات كذلك ايضا فيما يتعلق الحديث والمشي والنظر والتصرفات التي يتصرفها العبد هناك اشياء واضحة ليس فيها اي اشتباه ولا ادنى اشكال كهذا القسم جاءت النصوص بالحث على الاخذ منه الثاني الحرام البين اي الواضح ايضا حرمته لدى عموم الناس تاكل خنزير والميتة بشرب الخمر وكذلك في عموم الاشياء مثل حرمة الزنا وحرمة الكذب وحرمة النميمة حرمة الغيبة وامثال ذلك من المحرمات البين حرمتها والقسم الثالث ما كان مشتبها مشتبها امره هل هو من الحلال البين او من حرام البين اي ليس بواضح حلو ولا ايضا حرمته فهذه هي الاقسام الثلاثة الاول يأخذ منه قال في الاخذ من الحلال والثاني يجتنبه اجتناب المحارم والثالث يتورى عنه قالوا التورع عن الشبهات يمروا عن الشبهات يتوقف لا يأكل منها ولا يشرب ولا يفعل يكون ورعا والورع بالترك ومن المتقرر لدى كل مسلم ان التحليل والتحريم بيد الله ومرده الى الله فلا حلال الا ما احل سبحانه ولا حرام الا ما حرم فهو عز وجل يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء المقصود بالحلال البين اي في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام والحرام البين اي في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهذان قسمان حلال بين وحرام بين وثالث وهو المشتبه وكما ذكر المصنف رحمه الله الحلال يؤخذ منه والحرام يجتنب والمشتبه يتورعن والورع يكون بالترك الى ان يتبين امره نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو محمد جناح ابن نذير ابن جناح المحارب القاضي بالكوفة قال حدثنا ابو جعفر محمد ابن علي ابن دحيم قال حدثنا احمد ابن حازم يعني ابن ابي غرزة قال حدثنا يعلى ابن عبيد والفضل ابن دكين قال حدثنا زكريا ابن ابي عن الشعب قال سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول واو النعمان باصبعيه الى اذنيه ان الحلال بين والحرام بين. وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات فقد استبرأ لدينه ولعرضه. ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى اوشك ان يقع فيه الا ان لكل ملك حمى. وان حمى الله محارمه احسن الله اليكم قال المصنف اخبرنا ابو عبد الله الحافظ قال حدثنا ابو بكر احمد بن اسحاق الفقيه املاء قال اخبرنا موسى ابن الحسن ابن عباد وعمرو بن تميم قال حدثنا ابو نعيم وهو الفضل ابن دكين. فذكره باسناده ومعناه وزاد الاوان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله. واذا فسدت فسد الجسد كله. الا وهي القلب. رواه البخاري عن ابي نعيم واخرجه مسلم من اوجه عن زكريا هذا حديث عظيم وهو احد الاحاديث التي عليها مدار الدين قد قيل عنه انه ثلث العلم. وقيل ربع العلم وقد روي عن الامام احمد رحمه الله غيره ان اصول الاسلام تدور على ثلاثة احاديث حديث انما الاعمال بالنيات حديث من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد وهذا الحديث حديث الحلال بين والحرام بين وراوي هذا الحديث هو النعمان ابن بشير رضي الله عنهما وهو من صغار الصحابة وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وقت ذلك رضي الله عنه ابن ثمان سنوات وهو يدل كما ذكر اهل العلم على صحة تحمل الصغير المميز وان ما تحمله في حال صغره واداه في حال كبره فهو مقبول والنعمان في روايته لهذا الحديث رضي الله عنه وارضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اوما النعمان باصبعيه الى اذنيه تأكيد على ظبطه سماعه يشير الى اذنيه انه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة لم يروى له عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة فاذا كان النبي عليه الصلاة والسلام توفي والنعمان ابن ثمان سنوات ربما يكون سمع هذا الحديث وهو ابن سبع او ابن ست لكنه رضي الله عنه ظبطه ثم في بعد رواه الناس وتناقلته الامة حديثا عظيما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل عد من ثلاثة احاديث يدور عليها دين الاسلام و الراوي لهذا الحديث سمعه وهو صغير وهذا فيه لفتة تربوية مهمة للصغار لا سيما اذا اكرمه الله عز وجل في صغره بحضور مجالس العلم هو ابن سبع او ست او ثمان ويحرص على ان ينتبه ويحفظ ما تيسر له حفظه فاذا كان مميزا وظابطا فانه يحفظ ويضبط ثم اذا كبر ينقل علما متينا سمعه في صغره ويقبل منه ما تحمله المميز وظبطه في صغره اذا اداه في الكبر يقبل منه والحاصل الحديث فيه لفتة تربوية مفيدة الصغار ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس اي ان الحلال بين امره واضح كذلك الحرام بين امره واضح وما انزله الله في كتابه وبينه عليه الصلاة والسلام لامته ما جاء التصريح تحريمه بكتاب الله عز وجل او في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهناك اشياء واضحة لا خفاء فيها على عموم الامة انها حلال لانه استفاض امرها وانتشر بين الناس فهو حلال بين وكذلك الحرام هناك امور حرام بينها استفاض استفاظت حرمتها وانتشرت ولا تخفى على عموم المسلمين انها حرام في الحلال كالطيبات من مطاعم والمشارب والملابس ونحوها والحرام كالخبائث من محرمات الزنا والسرقة والخيانة والربا والغش وغير ذلك وهناك اشياء مشتبهة لم ينتشر تحريم لها او تحليل في عموم الناس ربما يكون لي مثلا خفاء الدليل او وجود تنازع بين اهل العلم فيشتبه على كثير من الناس مثل ما قال عليه الصلاة والسلام لا يعلمها كثير من الناس ومعنى ذلك ان اهل العلم الراسخين لا تشتبه عليهم بل عندهم من العلم بالشريعة وقواعدها واصولها ما يهتدون به الى ان هذا الامر من الحل او من الحرام فهؤلاء ليس مشتبها عندهم بل واظح اما غيرهم ممن لم يهتدي الى الحكم فهو مشتبه عليه فهذا الذي اشتبه عليه جاء التوجيه النبوي بان يتقي ما اشتبه عليه هل هو حرام او حلال اتقاؤه باجتنابه وتركه وانه اذا فعل ذلك فقد استبرأ لدينه وعرضه فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه لدينه اي فيما بينه وبين الله وعرضه اي فيما بينه وبين الناس ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام وذلك لان من استهان بالمشتبه ولم يبالي فان ذلك يكون مفضيا به الى الحرام ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ووضح ذلك عليه الصلاة والسلام بالمثال قال كالراعي يرعى حول الحمى. يوشك ان يرتاع فيه مقصود الحمى اي حمى السلاطين والملوك فيمنعون ان ترعى فيها الاغنام فاذا حام حول الحمى اي جاء باغنامه الى منطقة قريبة من الحمى توشك ان ترتع وترعى اغنامه في الحمى مما يعرض نفسه المبرة قال عليه الصلاة والسلام الا وان لكل ملك حمى وان حمى الله محارمهم ان الله هي الامور التي حرم على عباده ومنعهم من تناولها او شربها او اكلها او لبسها فهي محظورات ممنوعة الاقتران وان حمى الله محارمه اي ما حرم سبحانه وتعالى على عباده ونهاهم سبحانه وتعالى عن ثم ختم عليه الصلاة والسلام هذا الحديث ببيان اهمية اصلاح القلوب وتزكيتها وان القلب هو الاساس قال الا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب اي ان الجسد كله تابع لهذه المضغة ولا يمكن للجوارح ان تتخلف عن مراد القلب الذي يريده القلب هو الذي يفعل القدم مع القلب منقاد مطيع لا يتخلف عن شيء يريده القلب وهذا يؤكد على اهمية اصلاح القلوب. وخطورة فسادها القلب اذا صلح وطاب طاب البدن واذا فسد وخاب خاب البدن ففي الحديث حث على اصلاح القلوب وتنقيتها وازالة ما فيها من اسقام وامراظ وان القلب اذا صلح تبعته الجوارح نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى وروي عن سعد ابن ابي وقاص وغيره مرفوعة فضل العلم احب الي من فضل العبادة. وخير دينكم الورع اه هذا الحديث حديث سعد رضي الله عنه حديث حسن وهو مروي ايضا من حديث ابن عمر وابن عباس حذيفة وغيرهم قال فظل العلم احب الي من فظل العبادة وخير دينكم الورع العلم والعبادة اذا كان كل منهما فريضة مثل الصلاة والصوم الصلاة المكتوبة والصوم مكتوب وكذلك العلم بظروريات الدين هذا كله لا بد منه لكن الحديث في بيان النفل من العلم والنفل من العبادة اذا كان فظلين اي ليسا فرظين تظليل اي من النوافل المتطوع بها فيقول عليه الصلاة والسلام فضل العلم احب الي من فضل العبادة بنافذة العلم احب اليهم من نافلة العبادة وذلك لان العلم يعم نفعه صاحبه غيره والعبادة يختص نفعها بصاحبها وما كان نفعه متعديا او لا والعلم ايضا تبقى فائدته بعد موت المرء والعبادة تنقطع كما قال عليه الصلاة والسلام اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث وقوله عليه الصلاة والسلام وخير دينكم الوعاء وذلك لان الانسان الورع يكون بمراقبة مستمرة وحذر دائم ويتجنب نياء يخلط باطن بحق ويتوقع مثل ما تقدم من اتقى الشبهات دع ما يريبك الى ما لا يريبك فالورع في امنه باذن الله سبحانه وتعالى من الوقوع في الحرام لن يتورع ويتوقى ويتحرى ويراقب. الله عز وجل ويتفقه فيما يأكل فيما يشرب فيما يطعم بما يلبس فيما يتحدث به في جميع اموره قال وخير دينكم قالو ورايا نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا ابا هريرة كن ورعا تكن اعبد الناس ثم ختم رحمه الله تعالى بهذا الحديث ان ابي هريرة رضي الله عنه هو حديث حسن ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا ابا هريرة كن ورعا تكن اعبد الناس فحثه صلى الله عليه وسلم على الورع واخبره انه بالورع يكون اعبد الناس قد تقدم في الحديث الذي قبله خير دينكم الورع الورع خير الدين ومن كان مداوما على الورع محافظا عليه في جميع احواله حتى يصبح الورع سجية له اعبد الناس لانه في دوام مراقبة لله عز وجل واظبت لي اموره فالورع ملاك الدين كما قال الحسن البصري رحمه الله تعالى وقد اورد رحمه الله هذين الحديثين في الحث على الورع لان تحقيق العمل حديث النعمان فمن اتقى الشبهات لا يكون الا من المرء الورع المداوم مراقبة الله سبحانه وتعالى فورعه هو الذي يا يسوقه باذن الله سبحانه وتعالى الى ربط اموره وتحقيق السلامة والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له نسأله جل في علاه ان يوفقنا اجمعين لكل خير بمنه وكرمه وانبه الى ان الدرس يتوقف الى بداية شهر محرم باذن الله سبحانه وتعالى سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد واله وصحبه اجمعين