بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما وبعد فيقول الحافظ ابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه الاربعون الصغرى الباب الثالث والعشرون في بر الوالدين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فهذه الترجمة عقدها المصنف الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى ببر الوالدين وبر الوالدين كحق عظيم وواجب جسيم بل ان الله سبحانه وتعالى قرن حق الوالدين بحقه في اية كثيرة من كتاب الله عز وجل قال الله تعالى وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا وقال تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وقال تعالى قل تعالوا اتلوا ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وقال تعالى ان اشكر لي ولوالديك الي المصير والايات في هذا المعنى كثيرة وحق الوالدين برا بهما واحسانا اليهما وتلطفا معهما ورفقا بهما واكراما لهما يأتي في صدارة الاخلاق ومقدمها لان الوالدين احق الناس بحسن المعاملة وطيب الادب وكريم الخلق ولذا فان الامام البخاري رحمه الله لما الف كتابه المفرد الذي افرده ببيان اداب الشريعة واخلاقها العظيمة صدره بابواب عديدة في بر الوالدين وفي هذا تنبيه منه رحمه الله الى ان بر الوالدين يأتي في مقدمة الاداب وفي صدارتها وان الوالدين احق الناس بحسن المعاملة وكريم الادب وكانه رحمه الله يقول يا من تقرأ اداب الشريعة العظيمة واخلاق الاسلام الكريمة اعلم ان احق الناس بهذه الاداب واولاهم بهذه الاخلاق هم الوالدان لانهما احق الناس بحسن الصحبة واولى الناس بالتعامل الكريم والادب الفاضل والمسلم مطلوب منه ان يعامل جميع عباد الله بالخلق لكن الوالدان احق واولى بكل خلق كريم وادب فاضل وفي هذه الترجمة اورد المصنف بعض الاحاديث الواردة في بر الوالدين والحث على القيام بحقهما والاحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة جدا لكن المصنف اه انتقى منها بعض الاحاديث تنبيها بها على ما سواها من الاحاديث الواردة في هذا الباب حثا على رعاية حق الوالدين والقيام بالاحسان اليهما كما امر الله سبحانه وتعالى بذلك وكما امر بذلك رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا ابو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا ما لك بن مغول قال سمعت الوليد بن العيزار عن ابي عمرو الشيباني قال قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم اي العمل افضل؟ قال الصلاة وعلى ميقاتها قلت ثم اي؟ قال ثم بر الوالدين. قال قلت ثم اي؟ قال الجهاد في سبيل الله قال فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني. رواه البخاري في الصحيح عن الحسن ابن الصباح عن محمد نسابق هذا الحديث العظيم حديث عبدالله بن مسعود فيه بيان عظم شأن بر الوالدين وانه من افضل الاعمال واجلها بل ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في بيان فضله وعظيم مكانته عقب الصلاة المكتوبة محافظة عليها واداء لها في وقتها وفي هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل سأله ابن مسعود اي العمل افضل وفي بعض روايات الحديث اي العمل احب الى الله عز وجل وهذا فيه حرص الصحابة الكرام رضي الله عنهم على معرفة تفاضل الاعمال والمقدم منها وكذلك حرصهم على معرفة ما تنال به محبة الله واي العمل احب الى الله سبحانه وتعالى وهذا كله نابع من شدة رغبة الصحابة في الخير وحرصهم على معرفة الاحب والافضل ليفعلوه ولينالوا بذلك محبة الله سبحانه قد كان من دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه واسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني الى حبك ويدل هذا الحديث على ان شعب الايمان وخصال الدين متفاوتة في الافضلية وليست على رتبة واحدة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام الايمان بضع وسبعون او بضع وستون شعبة فافضلها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان فالايمان ذو شعب منها ما هو اعلى ومنها ما هو ادنى والشعب الاعلى احب الى الله عز وجل من الشعب الادنى وكلها حبيبة الى الله وفي هذا الحديث قرن النبي صلى الله عليه وسلم في صدر الاعمال الاحب الى الله بين الصلاة التي هي حق الله على عباده وبر الوالدين الذي هو اعظم حقوق العباد نظير ما تقدم من الايات التي قرن الله سبحانه وتعالى فيها حق الوالدين بحقه وقد قدم النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث حق الوالدين على الجهاد وهذا فيه تنبيه الى اشتراط رظاهما واذنهما في الجهاد كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الاخر لك ابوان؟ قال نعم. قال ففيهما فجاهد فحق الوالدين حق عظيم وبرهما امر متأكد والبر كلمة جامعة تتناول جميع صنوف الاحسان كريم المعاملات وطيب الاخلاق وان يحسن اليهما بالمعاملة وبالقول باستعمال الادب والخلق وبالطاعة وبالبعد عن العقوق ورضا الوالدين من رضا الرب وسخط الوالدين من سخط الرب سبحانه وتعالى ولهذا ثبت في الترمذي عن عبد الله ابن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد وهذا الحديث نظير الذي قبله جمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم بين حق الله سبحانه وتعالى وحق الوالدين وان رضا الله تبارك وتعالى في رضا الوالدين وسخط الله سبحانه وتعالى في سخط الوالدين بمعنى ان من ارضى والدي فقد ارظى الله ومن اسخط والديه فقد اسخط الله سبحانه وتعالى وعليه فالوالد يطلب رضاه. ويبتعد عن سخطه لان رضاه من رضا الله وسخطه من سخط الله سبحانه وتعالى ان يسخط الله سبحانه وتعالى ان يسخط المرء والديه نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا ابو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ قال حدثنا ابراهيم ابن عبد الله السعدي قال حدثنا ابو بدر شجاع ابن الوليد قال حدثنا عبد الله بن شبرمة عن ابي زرعة ابن عمرو ابن جرير عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله من احق مني بحسن الصحبة؟ قال امك قال ثم من؟ قال ثم امك قال ثم من؟ قال ثم امك. قال ثم من؟ قال ثم ابوك قال المصنف اخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث ابن شبرمة ثم اورد المصنف رحمه الله تعالى هذا الحديث عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله من احق مني بحسن الصحبة قال امك قال ثم من؟ قال ثم امك قال ثم من؟ قال ثم امك. قال ثم من قال ثم ابوك وهذا الحديث نظيره ايظا ما رواه ابو داوود عن بهزي بن حكيم عن ابيه عن جده قال قلت يا رسول الله من ابر؟ قال امك قلت من ابر؟ قال امك. قلت من ابر؟ قال امك. قلت من ابر؟ قال اباك ثم الاقرب فالاقرب فهذا فيه الترغيب في بر الوالدة والحث عليه وبيان للحق الخاص الذي جعله الله سبحانه وتعالى للام مزيدا على حق الاب حيث جعل للام ثلاثة امثال ما للاب من البر وهذا يدل على ان للام مزيد خصوصية في البر واحقية به لان المعاناة والمكابدة التي حصلت للام في وجود الولد لم تحصل للاب ولا لغيره وفي هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الاحق والاولى للبر قال من احق الناس بحسن صحابتي اي من اولاهم واحق ببري واحساني ومراعاة الاولوية بالاعمال باب شريف من العلم اذا لم يوفق اليه العبد فربما ينشغل في امور اقل ويدع امورا عظاما مهمة اجل مما هو منشغل به وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام بر الام ثلاث مرات والصحابي يعيد السؤال للنبي صلى الله عليه وسلم ثم من ثم من يعيد ذلك على النبي عليه الصلاة والسلام طالبا معرفة المزيد ممن لهم الاولوية في البر وفي كل ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم امك ثم قال في المرة الرابعة اباك وفي هذا التأكيد على عظم مقام الام واحقيتها بالبر ولهذا فالايات التي فيها الوصية بالوالدين يذكر فيها كلها معاناة الام. ولا تذكر معاناة الاب لان المعاناة التي حصلت للام في وجود الولد لم يكن مثلها ولا قريب منها للاب كقوله سبحانه ووصينا الانسان بوالديه احسانا حملته امه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا كذلك قوله سبحانه ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن وفصاله في عامين ولو تأمل المرء في الايتين السابقتين لرأى فيهما تنبيها لهذا المعنى لان الام حصل لها ثلاثة امور عظيمة لم تحصل للاب الاول الحمل وثقله والثاني الوظع وشدته والثالث الرضاعة ومعاناتها فهذه الامور الكبيرة العظيمة الثلاثة قد حصلت للام دون الاب ولهذا كان لها ثلاث امثال ما للاب من البر كما هو واضح في الحديث ثم في الايتين تنبيه مهم يعين على تحقيق البر الا وهو تذكر الجميل السابق والمعروف المتواصل الذي كان من الوالدين ومن الوالدة على الوجه الاخص فتذكر ذلك يعين على البر والغفلة عن ذلك واهماله يفضي الى العقوق فتذكر هذه المصاعب والشدائد التي حصلت الام واستحضارها يعين المرء على تحقيق برها بينما اذا غفل المرء عن هذه المعاني وانشغل عنها ضعف فيه جانب البر وقرب من العقوق شيئا فشيئا ولذا يوجد في الناس من قد يحسن مع رفقائه وزملائه واقرانه ومن يتعامل معهم فيخاطبهم بالادب والتلطف لكنه لا يحسن شيئا من ذلك مع والدته مع انها هي الاحق بل يوجد من يعق والديه وهما احق بحسن المعاملة ويكون مع عقوقه لوالديه معاملا للاخرين بالمعاملة الطيبة والادب الفاضل الحاصل ان هذا الحديث فيه التأكيد العظيم على بر الوالدين والاحسان اليهما وانهما الاحق بحسن المعاملة وكريم الادب جميل الخلق وطيبه نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى وفي حديث عطاء بن السائب عن ابي عبدالرحمن السلمي عن ابي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الوالد اوسط ابواب الجنة فاحفظ ذلك الباب اودعه قال المصنف اخبرناه ابو عبد الله الحافظ قال حدثنا ابو العباس الى صم قال حدثنا احمد بن شيبان قال حدثنا سفيان ابن عيينة عن عطاء فذكره ثم ختم رحمه الله تعالى هذا الباب بهذا الحديث عن ابي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الوالد اوسط ابواب الجنة فاحفظ ذلك الباب او دعه وفي بعض الروايات فان شئت فاضع ذلك الباب او احفظه وقوله الوالد اوسط ابواب الجنة اي خير ابوابها واعلاها والمعنى المراد بالحديث ان من احسن ما يتوسل به الى دخول الجنة ويتوسل به الى الوصول الى درجاتها العالية طاعة الوالد ومراعاته حقه والقيام بذلك تقربا الى الله سبحانه وتعالى وطلبا لرضاه جل في علاه فان الله عز وجل امر بحق الوالدين و اكد على ذلك في ايات كثيرة في كتابه سبحانه وتعالى وجاءت في ذلك الاحاديث المتكاثرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الفوز بالجنة والنجاة من النار من عظيم اسبابه وموجباته طاعة الله سبحانه وتعالى ببر الوالدين والقيام بحقهما والاحسان اليهما وخفض الجناح لهما تقربا الى الله سبحانه وتعالى وطلبا لرضاه عز وجل ونسأل الله الكريم ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين وان يهدينا اليه صراطا مستقيما. انه تبارك وتعالى سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين