بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين. اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل. وبعد فيقول الحافظ وابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه الاربعون الصغرى الباب الرابع والعشرون في صلة الرحم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد قال المصنف الحافظ البيهقي رحمه الله الباب الرابع والعشرون في صلة الرحم هذه الترجمة عقدها رحمه الله تعالى في بيان صلة الرحم ومكانة هذا الخلق العظيم في الاسلام والاسلام دين عظيم مبارك حث على الوفاء وعلى المحبة وعلى البر وعلى الصلة والاحسان كما قال الله سبحانه وتعالى واحسنوا ان الله يحب المحسنين ومن الاحسان الذي حث عليه الاسلام ورغبت فيه الشريعة صلة الارحام وهذا الخلق العظيم المبارك معدود في مكارم الاخلاق ونبيلها وطيبها وحسنها والله عز وجل عظم من شأن الرحم في كتابه سبحانه وتعالى واعلى من شأنها حيث قرن الوصية بها بتقواه سبحانه وتعالى قال الله سبحانه يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا. اي واتقوا الارحام ان تقطعوها ولكن بروها وصلوها واحسنوا اليها قد قال الله سبحانه وتعالى فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الاية وهذا نهي عن الافساد في الارض عموما وعن قطع الارحام خصوصا بل قد امر الله تعالى بالاصلاح في الارض وصلة الارحام وهو الاحسان الى الاقارب في المقال والافعال وبذل الاموال وقد وردت الاحاديث الصحاح والحسام بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق عديدة ووجوه كثيرة انتهى كلامه رحمه الله تعالى والرحم هم كل من تجمعك بهم قرابة من جهة الاب او من جهة الام وكل من تجمعك بهم قرابة من هاتين الجهتين فهم من ذوي الارحام وهم يتفاوتون في قربهم للمرء بحسب قربهم من امه وابيه وتكون صلتهم بالسلام والتواصل والزيارة والاحسان اليهم والدعاء لهم بظهر الغيب ونحو ذلك من وجوه البر الصلة والاحسان وهو باب واسع والرحم كما ثبت في الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله وهذا فيه ان الجزاء من جنس العمل في الاحسان والاساءة في الاحسان يقول الله تعالى هل جزاء الاحسان الا الاحسان وفي الاساءة يقول يقول الله جل وعلا ثم كان عاقبة الذين اساءوا السوء فالواصل يصله الله والقاطع يقطعه الله جزاء وفاقا فمن وفقه الله واكرمه بان وصل رحمه وفاز بخير الدنيا والاخرة ومن قطع رحمه فقد خسر خسرانا مبينا وحرم نفسه من الخير ومما يدل على عظيم مكانة صلة الرحم ورافع شأنها ان النبي عليه الصلاة والسلام بدأ بالحث على صلة الرحم وبيان عظيم شأنها من اول رسالته وبداية بعثته قبل ان تفرض الصلاة والزكاة وبقية اركان الاسلام وقرنها بالتوحيد كما جاء في صحيح مسلم من حديث عمرو ابن عبسة السلمي رضي الله عنه قال كنت انا في الجاهلية اظن ان الناس على ظلالة وانهم ليسوا على شيء هم يعبدون الاوثان فسمعت برجل بمكة يخبر اخبارا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه. فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا جرؤاء عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له من انت؟ قال انا نبي فقلت وما نبي؟ قال ارسلني الله قلت وباي شيء ارسلك قال ارسلني بصلة الارحام وكسر الاوثان وان يوحد الله لا يشرك به شيئا الى اخر الحديث فقرن عليه الصلاة والسلام صلة الرحم بالتوحيد وبدأ بها دعوته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه و في صلة الرحم ثبتت احاديث كثيرة كما قال ابن كثير رحمه الله صحاح وحسان والمصنف رحمه الله اورد تحت هذه الترجمة طرفا من هذه الاحاديث نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا محمد بن عبدالله الحافظ قال حدثنا ابو الحسن علي بن محمد بن سختويه قال حدثنا ابو عبدالله محمد بن ابراهيم البوشنجي واحمد بن ابراهيم بن ملحان قال حدثنا يحيى بن كي قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال اخبرني انس بن مالك رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من احب ان يبسط له في رزقه وينسأ له في اثره فليصل رحمه قال المصنف رواه البخاري عن يحيى بن بكير واخرجه مسلم من وجه اخر عن الليث هذا الحديث العظيم حديث انس رضي الله عنه وهو محرج في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم من احب ان يبسط له في رزقه وينسأ له في اثره فليصل رحمه فيه ان لصلة الرحم ثمارا كثيرة واثارا عديدة مباركة منها ثمار معجلة للواصل في هذه الحياة الدنيا ومنها ثمار مؤجلة له في الدار الاخرة ومن ثمار صلة الرحم المعجلة في هذه الحياة الدنيا ما ذكر في الحديث بسق الرزق وطول العمر وطول العمر قال من احب ان يبسط له في رزقه وينسى له في اثره يبسط له في رزقه اي يوسع له فيه ويبارك له في المال فيكون ماله كثيرا مباركا واسعا بخير ورغد ونعيم عيش وينسأ له في اثره النسيئة هي التأخير ومعنى ينسى له في اثره ان يؤخر والاثر المراد به الاجل والمعنى ان يزاد في عمره المراد بالزيادة في العمر حقيقة اي يزاد له في عمره حقيقة ليس المراد فقط البركة في العمر بل يزاد في عمره حقيقة قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله قد قال بعض الناس ان المراد به البركة في العمر بان يعمل في الزمن القصير ما لا يعمله غيره الا في الكثير قالوا لان الرزق والاجل مقدران مكتوبان فيقال لهؤلاء تلك البركة وهي الزيادة في العمل والنفع هي ايضا مقدرة مكتوبة وتتناول لجميع الاشياء والجواب المحقق ان الله يكتب للعبد اجلا في صحف الملائكة فاذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب وان عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب ونظير هذا ما في الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ان ادم لما طلب من الله ان يريه صورة الانبياء من ذريته فاراه اياهم فرأى فيهم رجلا له بصيص فقال من هذا يا رب؟ فقال ابنك داود قال فكم عمره؟ قال اربعون سنة. قال وكم عمري؟ قال الف سنة قال فقد وهبت له من عمري ستين سنة فكتب عليه كتاب وشهدت عليه الملائكة فلما حضرته الوفاة قال قد بقي من عمري ستون سنة قالوا وهبتها لابنك لابنك داود فانكر ذلك فاخرجوا الكتاب قال النبي صلى الله عليه وسلم فنسي ادم فنسيت ذريته وجحد ادم فجحدت ذريته وروي انه كمل لادم عمره ولداوود عمره فهذا داوود كان عمره المكتوب اربعين سنة ثم جعله ستين وهذا معنى ما روي عن عمر انه قال اللهم ان كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا فانك تمحو ما تشاء وتثبت والله سبحانه عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده اياه بعد ذلك. والملائكة لا علم لهم الا ما علمهم الله. والله يعلم الاشياء قبل كونها وبعد كونها وقال رحمه الله والاجل اجلا اجل مطلق يعلمه الله اجل مقيد وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم من سره ان يبسط له في رزقه وينسأ له في اثره فليصل رحمه فان الله امر الملك ان يكتب له اجلا وقال ان وصل ان وقال ان وصل رحمه زدت كذا وكذا والملك لا يعلم ايزداد ام لا؟ لكن الله يعلم ما يستقر عليه الامر فاذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخر انتهى كلام شيخ الاسلام رحمه الله ونظير هذا الحديث ما رواه الامام احمد عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها انه من اعطي حظه من الرفق وقد اعطي حظه من خير الدنيا والاخرة وصلة الارحام وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الاعمار وكذلك ما رواه الترمذي عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعلموا من انسابكم ما تصلون به ارحامكم. فانا صلة الرحم محبة في الاهل مثرات في المال منسأة في الاثر وكذلك ما رواه البخاري في الادب المفرد من حديث وكذلك ما رواه البخاري في الادب المفرد عن ابن عمر موقوفا قال من اتقى ربه ووصل رحمه نسئ في اجله وثرى ماله واحبه اهله وهذا فيه ان الواصل محبوب في عشيرته وقرابته ومحله الثناء والتقدير اضافة الى ما تقدم من طول العمر وثراء المال نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى وروي عن عاصم ابن ضمرة عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه وفيه من الزيادة ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه وهذه الرواية او هذه الزيادة قوله يدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه هذا ايضا من فوائد صلة الرحم ان هذه الصلة لها من الفوائد والاثار انها تدفع عن المرء ميتة السوء وميتة السوء قيل اي الصعوبة التي تكون بسبب الموت كهدم وذات الجنب والحرق ونحو ذلك وقد تكون سوء الحال في الدين كالموت على البدعة او على الشك او او على الاصرار على كبيرة فحث على صلة الرحم لدفع هذه الميتة ومفهوم الحديث ان صلة الرحم من اسباب حسن الخاتمة وان يموت المرء على حالة حسنة وعلى ذكر طيب نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو محمد عبد الله بن يوسف الاصفهاني قال حدثنا ابو سعيد هو ابن الاعرابي قال حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال حدثنا سفيان ابن عيينة عن الزهري قال واخبرنا ابو الحسن ابن بشران البغدادي قال حدثنا اسماعيل ابن محمد الصفار قال حدثنا احمد بن منصور الرمادي قال حدث انا عبدالرزاق قال اخبرنا معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن ابيه رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية ابن عيينة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة قاطع رواه مسلم عن ابن ابي عمر وغيره عن سفيان ومحمد بن رافع وعبد ابن حميد عن عبد الرزاق واخرجه البخاري من وجه اخر عن الزهري وهذا الحديث حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل الجنة قاطع والمراد بالقاطع اي قاطع الرحم وهذا فيه بيان عظيم اثم قطيعة الرحم وقاطع الرحم وتحذير شديد من القطيعة وانها شؤم كلها ومضرة كلها وعواقبها على القاطع وخيمة في الدنيا والاخرة فهي موجبة للخسران ومعقبة للحرمان في الدارين والنفي في قوله لا يدخل الجنة قاطع للتعبيد ان كان مستحلا وللدخول ابتداء ان كان متهاونا بهذا الامر مفرطا في هذا الواجب مضيعا لهذه الطاعة التي امره الله تبارك وتعالى بها وانما يكون دخوله لها متأخرا بعد غيره من اهل المنافسة في الخيرات والمحافظة على الطاعات والبعد عن المعاصي والاثام وربما مر بمرحلة تعذيب قبل الدخول. لان اصحاب المعاصي التي يدون الشرك والكفر بالله امرهم يوم القيامة وشأنهم انهم تحت مشيئة الله فانشأها الله عذبهم وان شاء غفر لهم وان عذبهم فانهم لا يخلدون في النار. لان الخلود في النار للكفار والمشركين ولهذا فان دخول الكفار للنار دخول تخليد وتأبيد واما دخول العصاة للنار فهو دخول تطهير وتمحيص ففرق بين الدخولين نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا الاستاذ ابو بكر محمد بن الحسن من فورك قال اخبرنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا ابو داوود قال حدثنا شعبة قال اخبرني محمد ابن عبد الجبار قال سمعت محمد ابن كعب يحدث عن ابي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان للرحم للسانا يوم القيامة تحت العرش. يقول يا ربي قطعت يا ربي ظلمت يا ربي اسيء الي يجيبها ربها الا ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك هذا اسناد صحيح وقد رواه معاوية ابن ابي مجرد عن سعيد ابن يسار عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم اتم منه بمعناه. ومن ذلك الوجه اخرجه البخاري ومسلم في في الصحيحين ثم ختم المصنف رحمه الله هذه الترجمة بهذا الحديث عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان للرحم لسانا يوم القيامة تحت العرش لسان يوم القيامة اي لسان ناطق وجاء في بعض الاحاديث لها لسان طلق ذلق يوم القيامة والمعنى ان الرحم تقوم يوم القيامة قياما حقيقيا بين يدي الله لها لسان فصيح بليغ تطالب بحقها الذي وعدها الله سبحانه وتعالى به عندما قامت بين يديه وقالت هذا مقام العائذ من القطيعة فقال لها سبحانه اما ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك؟ قالت بلى. قال فذاك لك فهي تطالب بهذا الحق الذي وعدها به سبحانه وتعالى فتقوم بين يدي الله ولها لسان طلق دلق اي بلية وفصيح فتسأل حقها وحقها جاء مفصل في تتمة هذا الحديث حديث ابي هريرة يقول اي هذا اللسان يا رب قطعت يا رب ظلمت يا رب اسيء الي فيجيبها رب العالمين الا ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك وفي هذا ايضا كما تقدم ان الجزاء من جنس العمل في الاحسان والاساءة للذين احسنوا الحسنى وزيادة والمسيء له عاقبة اساءته وهي كما قال الله ثم كان عاقبة الذين اساءوا السوء ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله وان لا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه تبارك وتعالى سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين