بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا وبعد فيقول الحافظ ابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه الاربعون الصغرى الباب السابع والعشرون في الاحسان الى الجيران بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فهذه الترجمة عقدها المصنف الحافظ البيهقي رحمه الله في الاحسان الى الجيران والاحسان الى الجيران يعد ادبا رفيعا وخلقا كريما من الاخلاق التي دعت اليها الشريعة والجار وذلك الذي صارت داره قريبة من دارك ومسكنه مجاورا لمسكنك ولك به لقاءات متعددة يراك وتراه وتجتمعان في بيت الله وتلتقيان كثيرا قد جعل الله سبحانه وتعالى لهذا الجار حقا حث عليه عز وجل وقد جاء عن نبينا عليه الصلاة والسلام احاديث كثيرة في بيان حق الجار مع عظيم شأنه بل ان الله عز وجل قرن حق الجار بحقه سبحانه لقوله عز وجل واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وبذا القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وقد جاء في الحديث ان خير الجيران واعلاهم شأنا عند الله عز وجل خيرهم لجاره احسانا اليه وعناية بحقوقه وقد ثبت في المسند للامام احمد عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص ان النبي صلى الله عليه وسلم قال خير الاصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره وهذا فيه الحث على العناية بحقوق الجيران احتسابا وطلبا لثواب الله لان العبد كلما كان محسنا لجيرانه قائما بحقوقهم موصلا النفع لهم بعيدا عن ايذائهم كان بذلك خير الجيران عند الله وكفاه شرفا ونبلا وفضلا ان يكون بهذه المنزلة وهذا ايضا فيه تسلية للجار المحسن الى جيرانه حتى وان اساءوا اليه لانه باحسانه اليهم وقيامه بحقوقهم انما يطلب بذلك ثواب الله سبحانه وتعالى ويجمع ما ينبغي للجار من حقوق امران عظيمان الاول ان يعنى باكرام الجار والاحسان اليه بما تعنيه هاتين الكلمتين من دلالة وهما مطلبان جليلان ينبغي ان يعنى بهما المسلم تجاه جاره ولم يحدد نوع معين من الاكرام والاحسان ليشمل كل اكرام واحسان مستطاع ليكون ذلك باب تنافس بين الجيران كل بما تيسر له وكلما زاد الاحسان والاكرام عظم الثواب والاجر الثاني ان يحرص على الا يصل الى جاره منه اي اذى لا اذى قولي ولا اذى فعلي لان هذا يعد تضييعا لحق الجار واساءة اليه وتعريضا للنفس لعقوبة الله تبارك وتعالى واذا اراد العبد لنفسه ضابطا في هذا الباب فلينظر الى ما يحب ان يعامله به جيرانه فليعاملهم به قال صلى الله عليه وسلم فمن احب ان يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأتي الى الناس الذي يحب ان يؤتى اليه وجاء في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه وفي لفظ عند مسلم والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره او قال لاخيه ما يحب لنفسه والحاصل ان هذه الترجمة معقودة في الاحسان الى الجار وقد اورد فيها المصنف رحمه الله حديثا واحدا وهو حديث عظيم جدا في بيان اه حق الجار وعظيم شأنه نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو عبد الله الحافظ قال حدثنا احمد بن سليمان الفقيه قال حدثنا الحسن ابن مكرم قال حدثنا يزيد ابن هارون قال حدثنا يحيى ابن سعيد قال اخبرني ابو بكر محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه قال المصنف اخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك عن يحيى ابن سعيد هذا حديث عظيم عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه قوله عليه الصلاة والسلام ما زال هذا يفيد تكرار هذه الوصية من جبريل عليه السلام لنبينا عليه الصلاة والسلام وصية بالجار برا واحسانا واكراما وقياما بحقوقه ومواساة له وعطفا عليه وقوله حتى ظننت انه سيورثه اي من كثرة الوصية به ظننت انه سينزل علي وحي من الله بان يكون للجار نصيب من الميراث تأكيدا وبيانا لعظيم مقام الجار وما له من حقوق عظيمة وهذا الحق الذي جعله الله للجار سببه تجاور البيوت وتقارب المساكن ودوام التلاقي والمشاهدة بحيث تتكرر يوميا بخلاف غيره فجارك تراه كل يوم بل قد تراه في اليوم مرات وكرات وايضا قد تحتاج اليه او يحتاج اليك ولا يخفى ان ما يكون بين متجاوري الدور اكبر واعمق مما يكون بين المتباعدة دورهم ويجب على المسلم في هذا الباب باب حقوق الجار ان يحذر اشد الحذر من ايذاء جاره فان في هذا وعيدا شديدا ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام في احاديث منها ما رواه مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه وفي صحيح البخاري عن ابي شريح رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل ومن يا رسول الله؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه وبوائقه اي شره واذاه فنفى عليه الصلاة والسلام الايمان عمن لم يأمن جاره بوائقه وتوعده بعدم دخول الجنة اعظاما لحق الجار وان اظراره بجاره من كبائر الذنوب واذا كان هذا بمجرد الخوف من بوائقه فكيف من فعل البوائق مع عدم امني جاره منه ومن الاحاديث العظيمة الواردة في هذا الباب ما رواه البخاري في الادب المفرد بسند ثابت عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ان فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير فيها. هي من اهل النار. قالوا وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق باثوار ولا تؤذي احدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي من اهل الجنة فهذه المرأة تقوم الليل وتصوم النهار ولها اعمال صالحة كثيرة وتكثر من الصدقات الا انها تؤذي جيرانها بلسانها سبا لهم مثلا واغتيابا ونحو ذلك من انواع الاذى فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا خير فيها هي من اهل النار هذا وعيد شديد لمن كان بهذا الوصف يؤذي جيرانه. فالحاصل ان مقام الجار مقام عظيم والواجب على الجار ان يحسن الى جاره وان يكرم جاره وان يكف اذاه القول والفعلي والله تعالى اعلم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى الباب الثامن والعشرون في اكرام الضيف هذه الترجمة عقدها رحمه الله تعالى في اكرام الضيف واكرام الضيف خلق عظيم من اخلاق الاسلام وهو من هدي النبيين. والضيف حقه ان يكرم قال الله سبحانه وتعالى هل اتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين اذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ الى اهله فجاء بعجل سمين فقربه اليهم قال الا تأكلون والاحاديث الثابتة عن نبينا عليه الصلاة والسلام في الحث على الضيافة واكرام الضيف والاحسان اليه كثيرة وهي من متأكدات الاسلام واخلاقه العظيمة وادابه الكريمة التي ندب اليها وقد اورد المصنف رحمه الله تعالى في هذه الترجمة حديثا واحدا وهو حديث ابي شريح رضي الله عنه نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو علي الحسين بن محمد الروزباري قال اخبرنا محمد بن ابي بكر قال حدثنا ابو داوود قال حدثنا القعنبي عن مالك عن سعيد المقبوري عن ابي شريح الكعبي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة الضيافة ثلاثة ايام وما بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له ان يثوي عنده حتى يحرجه قال المصنف رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله ابن يوسف عن مالك واخرجه البخاري ومسلم من حديث الليث عن المقبولين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الايمان بالله قال من كان يؤمن بالله واليوم الاخر الايمان بالله الذي هو المقصود سبحانه وتعالى المعبود الملتجى اليه وذكر الايمان باليوم الاخر الذي هو دار الجزاء والحساب وملاقاة ثواب الاعمال فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وفي هذا التذكير بان القلب اذا عمر بهذين الاصلين صلحت الجوارح واستقامت على طاعة الله سبحانه وتعالى وقوله عليه الصلاة والسلام فليكرم ضيفه هذا فيه حث على الاكرام للضيف والاحسان اليه وانه من اخلاق الاسلام وادابه العظيمة الرفيعة وقوله عليه الصلاة والسلام جائزته يوم وليلة الظيافة ثلاثة ايام الظيافة هي حق الظيف فان له حقا جاءت الشريعة به وهو ان يكرم وقوله جائزته يوم وليلة هذا فيه انه اول ليلة يقدم فيها الضيف يتحف بشيء خاص يحتفى به احتفاء خاصا على وجه ليس مطابقا للعادة التي اعتادها الانسان في طعامه وفي اليومين الباقيين يقدم له طعامه المعتاد من غير ان يتكلف له والضياء فثلاثة ايام وما بعد ذلك يكون صدقة وليس من قبيل الضيافة لان الظيافة ثلاثة ايام المرة الاولى يكون فيها شيء من الاتحاد ثم اليومين الباقيين يكون هناك التقديم ما تيسر على معتاد الانسان في طعامه وبعد ذلك اه يكون صدقة وقوله عليه الصلاة والسلام ولا يحل له ان يثوي عنده حتى يحرجه اي لا ينبغي للضيف ان يثقل على من كان ضيفا عنده بعد ثلاثة ايام لان ذكر الصدقة يدل على انه لا ينبغي للانسان الذي اغناه الله عن الصدقة ان يتعرض لها ثم ايضا يكون محرجا من ضيفه ملحقا المشقة به وهذا لا يليق ان يفعلها المسلم مع اخي الحاصل ان قول نبينا عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه في بيان هذا الخلق الكريم العظيم الذي هو من محاسن هذه الشريعة ومن اخلاقها الفاضلة وادابها الرفيعة الكاملة واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان ينفعنا بما علمنا وان يزيدنا علما وتوفيقا وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين