بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين اللهم لا سهل الا ما جعلته سهلا انك تجعل الحزن اذا شئت سهلا وبعد فيقول الحافظ ابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه الاربعون الصغرى الباب الثاني والثلاثون في المؤمن يحب اخيه المؤمن ما يحب لنفسه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد هذا الباب الثاني والثلاثون من ابواب الاربعين للحافظ البيهقي رحمه الله عقده في ما يجب ان يكون عليه المؤمن تجاه اخوانه المؤمنين قال رحمه الله في المؤمن يحب لاخيه المؤمن ما يحب لنفسه وهذا من موجبات الايمان العظيمة ومقتضيات الاخوة الدينية والرابطة الايمانية التي هي اوثق الروابط واعظمها فدين الله عز وجل الف بين قلوب المؤمنين وكلما عظم هذا الدين وهذا الايمان في القلوب عظمت هذه الالفة والمحبة بين اهل الايمان فالمؤمن يحب لاخيه المؤمن ما يحب لنفسه وهذا واجب من واجبات الدين العظيمة قد اورد رحمه الله احدى هذه الترجمة حديث انس ابن مالك رضي الله عنه ومخرج في الصحيحين نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو عبد الله الحافظ قال حدثنا عبد الرحمن بن الحسن الاسدي القاضي بهمذان قال حدثنا ابراهيم ابن حسين قال حدثنا ادم ابن ابي اياس قال حدثنا شعبة قال عبدالرحمن وحدثنا محمد بن ايوب قال اخبرنا مسدد قال حدثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن انس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه قال المصنف رواه البخاري عن مسدد عن يحيى ورواه مسلم عن ابي موسى ومندار عن غندر كلاهما عن شعبة هذا الحديث معدود في جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم وهو من الاحاديث الدالة على كمال هذا الدين وعظمته وانه دين الف بين اهله وجمع بين قلوبهم على احسن حال واعظم رابطة فهو الدين الذي يؤلف بين القلوب ويجمع بين النفوس على الصفاء والنقاء وسلامة القلوب والتحاب في الله والتآخي فيه وهذا امر لا يوجد اطلاقا الا في هذا الدين العظيم قال الله تعالى لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم فالدين هو الذي الف الله سبحانه وتعالى به بين القلوب المتناثرة والنفوس المتعادية واخوة الايمان هي الاخوة الصادقة الباقية وهي الرابطة الدائمة المستمرة في الدنيا والاخرة واما التآخي في امور الدنيا فهو زائل اما في الدنيا او في الاخرة قطعا كما قال الله سبحانه وتعالى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين قال جل وعلا وتقطعت بهم الاسباب الحاصل ان من جمال هذا الدين وعظمته ان جعل بين اهله هذه الرابطة الوثيقة التي هي اوثق الروابط ودعا جميع اهل الاسلام الى ان يحب بعضهم بعضا وان يحب المسلم لاخيه ما يحب لنفسه وعد هذا بالدين من واجبات الايمان بحيث لو تركه المسلم اثم ونقص ايمانه الواجب ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث العظيم لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه اي من الخير وقوله لا يؤمن فيه نفي الايمان ونفي الايمان لا يأتي في احاديث النبي عليه الصلاة والسلام الا عند ترك واجب من واجبات الدين او فعل محرم فلا ينفى الايمان بترك مستحب وانما ينفى بترك واجب او فعل محرم وتأمل هنا المطلوب هو الحب الذي في القلب المطلوب من المسلم ان يحب لاخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير تحب لنفسك العلم اذا احبه لهم احب لنفسك الصلاة والعبادة اذا احبها لهم فاذا رأيت طالب علم تميز عليك بالعلم والطلب افرح له بذلك واحب له ذلك اذا رأيت احد اخوانك المسلمين تميز عليك بامر دنيوي تجارة او تميز عليك بعبادة او غير ذلك فاحب له ذلك اذا من الله علي بمال احب له ذلك فكما انك تحب لنفسك ذلك فاحبه لاخوانك ولهذا اذا مرض القلب بالحسد او الحقد او الغل او نحو ذلك من خصال المنافية للايمان الواجب فهذا اثر من اثار ظعف هذه الخصلة ضعف هذه الخصلة الدينية وهي المذكورة في الحديث ان تحبه لاخيك ما تحبه لنفسك الحسود والحاقد ومن في قلبه غل وامثال هؤلاء لم يصلوا الى تحقيق هذا الايمان الواجب وهو ان يحب لاخيه ما يحب لنفسه المسلم من ايمانه الواجب الذي افترضه الله عليه واوجبه عليه ان يحب لاخوانه المسلمين ما يحب لنفسه اي شيء تحبه لنفسك من الخير ان اكرم الله به احدا من اخوانك احبه لهم وافرح بحصوله لهم والمطلوب في الحديث امر قلبي ليس المطلوب امر عملي في الظاهر اي لم يطلب منك ان تقسم ما لك بينك وبين اخوانك او نحو ذلك من الامور الظاهرة بل المطلوب منك هو واجب من واجبات الايمان وهو ان تصلح قلبك بحيث لا يكون في قلبك لاخوانك الا الحب ان وقع في القلب حسد او حقد او ضغينة او غير ذلك من امراض القلوب وعللها فهذا من نقص الايمان الواجب فدعا عليه الصلاة والسلام الى هذا الواجب وهو سلامة القلوب تجاه المسلمين وعمارتها بالمحبة لهم تحب اخوانك المسلمين وتحب لهم ما تحب لنفسك من الخير ولهذا اذا رأى الانسان والعياذ بالله في نفسه تضايق او انزعاج من حصول نعمة لبعض اخوانه فهذه امارة على نقص ايمانه الواجب لان النبي عليه الصلاة والسلام قال لا يؤمن احدكم اي الايمان الواجب حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام لاخيه فهذا فيه الانة للقلوب وتذكير بان هناك جامع ورابط بين اهل الايمان وهو الاخوة الايمانية قوة الدين التي هي اعظم من اخوة النسب قال الله تعالى انما المؤمنون اخوة قال عليه الصلاة والسلام وكونوا عباد الله اخوانا وهذه المرتبة التي لا يتم الايمان الواجب الا بها تحتاج الى مجاهدة للنفس وخاصة اذا كثرت الفتن والوشايات وموجبات التباغض والتدابر بين الاخوان تحتاج الى مجاهدة ليمضي الانسان بقلب سليم تجاه اخوانه المسلمين وينال بذلك سلامة صدره تجاه اخوانه وليحذر ممن يبطلون ويفسدون هذه الاخوة من الوساة والمغتابين والنمامين واضراب هؤلاء وكم من ضعف ووهن حصل لهذه الاخوة بسبب هؤلاء قد كان السلف رضي الله عنهم يعدون الافظل فيهم الاسلم صدرا وسلامة الصدر وان لم ترى فان اثارها ترى من حسن المعاملة وطيب العشرة والرفق بالاخوان والاحسان اليهم والبعد عما يسوئهم ايضا تظهر على اه صاحبها الشفقة والرحمة والحنان على اخوانه الواجب ان يكون الصدر نظيفا تجاه المؤمنين لا غل ولا حقد ولا حسد ولا ظغينة والمسلم يسأل الله عز وجل ان يجعل صدره كذلك. وفي الدعاء المأثور عن نبينا عليه الصلاة والسلام واسلل سخيمة صدري اي الا يكون في الصدر سخاء. والسخائم هي الاحقاد والحسد والغل ونحوها مما يتنافى مع ما ورد في هذا الحديث ان تحب لاخيك ما تحب لنفسك من الخير ومفهوم هذا الحديث ان من الايمان ايضا ان يبغض لاخيه ما يبغض لنفسه من الشر ولم يذكره في الحديث لان حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى الباب الثالث والثلاثون في ان المؤمنين كجسد واحد هذه الترجمة عقدها رحمه الله في بيان ايضا الرابطة الايمانية الاخوة الدينية وان اخوة الايمان اوجدت بين المؤمنين رابطة بان جعلتهم كالجسد الواحد وكالبنيان يشد بعضه بعضا بسبب قوة اللحمة الايمانية والرابطة الدينية التي اوجدها الله سبحانه وتعالى بينهم بسبب استمساك بهذا الدين وهذه الرابطة تضعف بضعف الدين وتزيد زيادته وقوته. نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو الحسين ابن بشران قال اخبرنا ابو جعفر الرزاز قال حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي قال حدثنا اسحاق الازرق قال حدثنا زكريا عن الشعبي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى عضوا منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر قال المصنف رواه البخاري عن ابي نعيم عن زكريا ابن ابي زائدة واخرجه مسلم من وجه اخر عن زكريا قال صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ومثله ما ثبت في صحيح مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون كرجل واحد ان اشتكى عينه اشتكى كله وان اشتكى رأسه اشتكى كله وثبت في الصحيحين من حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وثبت في المسند للامام احمد من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان المؤمن من اهل الايمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لاهل الايمان كما يألم الجسد لما في الرأس وهذه الاحاديث كلها ببيان ما تحدثه هذه الاخوة الايمانية من رابطة وثيقة ولحمة قوية بين اهل الايمان قوله مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد اي بما يوجده الايمان بينهم من مودة وتراحم وتلاحم وتعاطف وتكاتف وانهم بذلك كالجسد الواحد ومن المعلوم ان الجسد الواحد اذا اصيب بعضه بشكاية اشتكى كله اذا اصيب بعضه بالم تألم كله كما قال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر الحمى اي الالم ما يسحب ذلك من دفاع درجة الحرارة في الجسم اشتداد الالم به والسهر عدم النوم قد يكون الالم في الجسد في بعضه في اصبع او في طرف الاصبع فيشتد الالم بالجسد كله ويذهب النوم عن المرء لا يستطيع ان ان ينام يتألم البدن كله لالم اصبع او طرف الاصبع يتألم البدن لذلك وهذا معنى قوله تداعى له سائر الجسد اي عندما يحصل الم في بعض الجسد او في جزء من اجزاء الجسد فان اعضاء الجسد كلها تدعو بعضها بعضا للمشاركة في الالم فيتداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر قال مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم. توادهم اي ما بينهم من مودة ومحبة الفة وتراحمهم اي ما يقوم في قلوبهم من رحمة رحمة بعضهم لبعض وتعاطفهم اي ما يكون بينهم من شفقة ولطف ونحو ذلك المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ارأيت لو ان اصبعك الذي في جسدك المك الما شديدا كيف ان جسدك كله يتألم له ثم تجد نفسك ايضا في دعائك تقول اللهم اني اسألك ان تشفي اصبعي يمن عليه بالعافية وهكذا حال المؤمن مع الم اخوانه والمصائب التي تحل يحلم باخوانه المسلمين من مرض او شدة او تسلط عدو وحصول فقر او جائحة او او الى غير ذلك اذا اصيب احد من اخوانك بشدة فمثل ما انك تدعو العضو الواحد من جسدك اذا تألم ايضا تدعو لاخوانك المسلمين في الامهم او في تسلط الاعداء عليهم او بحصول الضائقة او الشدة او المرض او غير ذلك فتكون متوجها الى الله عز وجل توجها صادقا ان يجبر كسيرهم ان يغيث ملهوفهم ان يفرج كرباتهم ان يزيل همومهم ان يكف بأس اعدائهم وهذا كله تمليه هذه الاخوة الدينية والرابطة الايمانية على اهل الايمان هذا واسأل الله عز وجل ان يوفقنا لكل خير وان يصلح ذات بيننا وان يؤلف بين قلوبنا وان يهدينا اليه صراطا مستقيما انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين