بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا وبعد فيقول الحافظ ابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه الاربعون الصغرى الباب الرابع والثلاثون في مراعاة حق اخيه المسلم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فهذا الباب في مراعاة حق اخيه المسلم مراعاة المسلم لحق اخيه المسلم وهذا باب عظيم وهو من محاسن الشريعة ودلائل عظمة هذا الدين وكماله وحسنه ووفائه الحقوق بما يترتب على ذلك تمتين الاخوة الايمانية والرابطة الدينية قال الله تعالى انما المؤمنون اخوة وقال عليه الصلاة والسلام وكونوا عباد الله اخوانا فمما يمتن هذه الاخوة ويقويها رعاية المسلم لحق اخيه المسلم وثمة حقوق كثيرة جاءت الشريعة بالحث عليها والتأكيد على رعايتها و العناية بها وجاء في ذلك نصوص كثيرة وقد اورد المصنف رحمه الله تعالى بهذه الترجمة بعض هذه النصوص التي فيها رعاية حقوق المسلمين والوفاء بها قربة لله سبحانه وتعالى. وطلبا لرظاه نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا يحيى بن ابراهيم بن محمد بن يحيى المزكي قال اخبرنا ابو عبد الله محمد بن يعقوب قال حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال اخبرنا جعفر بن عون قال اخبرنا ابو اسحاق الشيباني عن اشعث ابن ابي الشعثاء عن معاوية ابن سويد ابن مقرن عن البراء ابن عازب رضي الله عنهما قال امرنا بسبع ونهانا عن سبع. يعني النبي صلى الله عليه وسلم امرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وافشاء السلام واجابة الداعي وتشميت العاطس ونصر المظلوم وابرار المقسم ونهانا عن الشرب في الفضة فانه من يشرب فيها في الدنيا لا يشرب فيها في الاخرة وعن التختم بالذهب وعن ركوب المياثر وعن لباس القسي والحرير والديباج والاستبرق قال المصنف واخرجه في الصحيح من حديث الشيباني وغيره هذا الحديث حديث البراء بن عازب رضي الله عنه في سبع فيه سبعة اوامر وسبعة نواه جمعها النبي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه قال البراء امرنا بسبع ونهانا عن سبع وذكر العدد مفيد في ظبط المعدود ويأتي كثيرا في احاديث الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه قوله امرنا بعيادة المريض اي زيارة المريض مؤنسة له واطمئنانا عليه ومعاونة له اذا كان محتاجا الى معاونة لان ذلك كله من حقوق الاخوة ومما يقوي الرابطة الاخوية والرابطة الدينية وقوله واتباع الجنائز اي تصير مع الجنازة والخروج معها من بيتها الى المسجد والصلاة عليها ثم ايضا اتباعها الى ان تدفن وقوله وافشاء السلام اي العناية به القاء للسلام على من يلقاه المسلم ممن يعرف ومن لا يعرف وهم موجبات المحبة والالفة وزوال ايضا الشرور و اجابة الداعي اي اذا دعاك اخاك فانه يستحب لك ان تجيبه ما لم يكن هناك مانع من اجابة دعوته وتشميت العاطس والدعاء له بالرحمة عندما يكون منه العطاس ثم يحمد الله فانه يشمت ان يدعى له بالرحمة يقال رحمك الله كما ثبتت بذلك بالسنة عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام ونصر المظلوم اي بما يقدر عليه المرء من نصرة المظلوم اما بالكلمة او بالنصيحة للظالم او بالعمل على كفها عن الظلم على قدر الاستطاعة وابرار المقسم اي تنفيذ ما اقسم عليه اذا كان ليس فيه معصية من ابررت قسمه اي من نفذت مراده ليكون برا في قسمه ولا يحنث فيه فهذه كلها من الاوامر المتعلقة بحقوق العباد بعضهم مع بعض مما يمكن هذه الاخوة ويقويها وينميها بينهم قال ونهانا عن الشرب بالفظة وهذا عام في الرجال والنساء ان الشرب في انية الذهب والفضة محرمان قال فانه من يشرب فيها في الدنيا لا يشرب فيها في الاخرة وعن التختم بالذهب وهذا النهي خاص بالرجال دون النساء وقوله وعن ركوب المياثر قيل هي فراش كانت النساء ليضعنه لازواجهن على السروج ويكون من الحرير او قيل هي سروج من الحرير قال وعن لباس القسي والقصي ثياب خز تنسب الى القص قرية في مصر وعن الحرير وهو معروف والديماج والاستبرق قال ابن حجر وهما صنفان نفيسان من الحرير فهذه محرمات جاءت الشريعة النهي عنها نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو علي الحسين ابن محمد ابن محمد ابن علي الروزباري قال حدثنا ابو بكر محمد ابن احمد ابن محموية العسكري بالبصرة سنة احدى واربعين وثلاثمائة. قال حدثنا جعفر بن محمد القلاني قال حدثنا ادم قال حدثنا شعبة قال حدثنا سعيد ابن ابي بردة ابن ابي موسى عن ابيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل مسلم صدقة قالوا فان لم يجد قال فيعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق قالوا فان لم يستطع او لم يفعل قال فيعين ذا الحاجة الملهوف قالوا فان لم يفعل قال فليمسك عن الشر فانه له صدقة رواه البخاري عن ادم ورواه مسلم من وجه اخر عن شعبة ثم اورد المصنف رحمه الله تعالى هذا الحديث حديث ابي موسى الشعري رضي الله عنه وفيه حث للمسلم على الصدقات التي هي احسان للناس والقيام بقضاء حوائجهم وسد ظرورتهم والوقوف معهم في شدائدهم وان هذا من جملة القرب التي يتقرب بها المسلم في ايامه لله سبحانه وتعالى فان قوله على كل مسلم اي كل يوم تطلع فيه الشمس كما جاء في الحديث الاخر فهي صدقة متكررة ومتجددة بتجدد الايام وهذا يدل على ان لله سبحانه وتعالى على عباده صدقات في كل يوم من ايامهم وهي صدقات متنوعة فمن منها القاصر ومنها المتعدي التسبيح والتكبير والتهليل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر كل هذه من الصدقات التي ندبت الشريعة اليها وحثت عليها قال عليه الصلاة والسلام على كل مسلم صدقة اي صدقة متجددة تجدد الايام قالوا فان لم يجد اي ان لم يجد ما يتصدق به فماذا يصنع قال عليه الصلاة والسلام فيعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق اي ان لم يقدر عليه ان يعمل عملا يتكسب به كسبا ينفع به نفسه يسد به حاجته ويتصدق بالفضل على من هو محتاج قالوا فان لم يستطع او لم يفعل قال في عين ذي الحاجة الملهوف وذا الحاجة الملهوف هو المحتاج المضطر الذي اشتدت به الحاجة قالوا فان لم يفعل قال فليمسك عن الشر فانه له صدقة بل يمسك عن الشر ان يمسك نفسه بكفها عن الشر والاذى لا بقول ولا بفعل فان هذا الامساك هو كف النفس عن الشر هو من باب ايضا الصدقة وهذا الحديث يفيد ان باب الصدقة باب واسع ومجالاته كثيرة فينبغي على العبد ان يبادر ويسارع في الخيرات وعليه كلما فتح له باب من ابواب الخير ان يسارع اليه امتثالا لقول الله سبحانه فاستبقوا الخيرات وابواب الخير التي تنفتح للانسان ربما تنفتح له هذا اليوم ولا تنفتح له في يوم اخر. تتيسر في هذا اليوم ولا تتيسر في يوم اخر فينبغي للعبد ان يكون مسابقا الخيرات مسارعا الى القيام بها نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو عبد الله الحافظ قال حدثنا ابو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا حسن ابن علي ابن عفان قال حدثنا عبد الله ابن امير عين الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس عن اخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والاخرة. ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والاخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه قال المصنف وذكر باقي الحديث كما ذكرناه في اول هذا الكتاب رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن عبدالله بن عمير عن ابيه ثم اورد المصنف رحمه الله تعالى هذا الحديث العظيم حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال عنه النووي رحمه الله وهو حديث عظيم جامع لانواع من العلوم والقواعد والاداب وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم او مال او معاونة او اشارة من مصلحة او نصيحة وغير ذلك وفضل الستر على المسلمين وفضل انظار المعسر وفضل المشي في طلب العلم فالحديث اشتمل على اه فوائد عظيمة اه عديدة تدل على عظم شأن هذا الحديث وعظم ما اشتمل عليه من اداب كريمة قال عليه الصلاة والسلام من نفس عن اخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة وهذا مبني على قاعدة الشريعة بان الجزاء من جنس العمل فمن نفس عن مسلم كربة اي ايا كانت صغيرة او كبيرة من كرب الدنيا نفس الله عن اي فرج عنه وازال عنه سبحانه وتعالى وكربة من كرب يوم القيامة قد قال الله تعالى هل جزاء الاحسان الا الاحسان قال ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والاخرة ستر على مسلم اي ستر عيبه او منقصته او مذمته ستر الله عليه في الدنيا والاخرة اي لم يفضحه سبحانه باظهار عيوبه ووذنوبه قال ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والاخرة من يسر على مسلم قضاء حوائجه او دلالته على الابواب اللطيفة لقضائها او معاونته فيها او في شيء منها فجزاؤه من جنس عمله ان ييسر الله سبحانه وتعالى عليه في الدنيا والاخرة فالتيسير على المسلمين باب من ابواب تيسر الامور على العبد في دنياه واخراه قال والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه في عون العبد ما كان في عون اخيه ما كان في حاجة اخيه سعيا في قضائها فمن كان كذلك فالله سبحانه وتعالى في عونه توفيقا ومعونة تسديدة قال المصنف رحمه الله تعالى وذكر باقي الحديث كما ذكرناه في اول هذا الكتاب اي قوله صلى الله عليه وسلم ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه وقد مضى شرحه الكلام على معناه في اول الكتاب احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى واخبرنا ابو عبد الله الحافظ قال حدثنا ابو العباس محمد ابن يعقوب. قال حدثنا الحسن ابن مكرم قال حدثنا يزيد ابن هارون قال اخبرنا ابو مالك الاشجعي عن ربعي ابن حراش عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل معروف صدقة قال مصنف اخرجه مسلم في الصحيح من وجهين اخرين عن ابي مالك الاشجعي ثم ختم المصنف رحمه الله تعالى بهذا الحديث الجامع حديث حذيفة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كل معروف صدقة قال اخرجه مسلم في الصحيح من وجهين اخرين عن ابي مالك الاشجعي وكذلك اخرجه البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح من حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما واخرجه الترمذي من حديث جابر وزاد فيه كل معروف صدقة وان من المعروف ان تلقى اخاك بوجه طلق وان تفرغ من دلوك في اناء اخيك وهذا الحديث يعد قاعدة جامعة في باب الاحسان وصنائع المعروف والمعاونة والمساعدة للناس والمحتاجين وان باب الصدقة باب واسع لا يختص به اهل اليسار واهل الجدة والمال بل انه يشمل حتى المرأة الفقير فالمرء الفقير قادر على ان يتصدق على الاغنياء واصحاب الاموال لان الصدقة ليست بالمال فقط ليست بالمال فقط بل من الصدقة القاء السلام من الصدقة النصيحة من الصدقة طلاقة الوجه وحسن المعاشرة فهذه كلها ابواب واسعة للصدقة فهي لا تختص باهل اليسار والمال بل كل واحد قادر على ان يتصدق باكثر الاحوال بغير مشقة لان القاعدة الجامعة في هذا الباب هي قول نبينا عليه الصلاة والسلام كل معروف صدقة ولهذا ينبغي على المرء ان يحرص في كل ايامه ان تكثر صدقات ولا يقل ليس عندي مال لاتصدق فان اعمال البر وابواب الصدقة لا تختص بالمال بل هي واسعة وكثيرة والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له نسأله جل في علاه ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين