بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين. اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل. وبعد فيقول الحافظ ابو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه الاربعون الصغرى الباب الاربعون في المؤمن يجتهد في استعمال ما ذكرنا في هذا الكتاب ثم فيما ذكرنا في الاربعين التي خرجناها في شعار اهل الحديث ويستعين بالله في جميع ذلك فاذا حان حينه الذي لم ينجو منه نبي مرسل ولا ينجو منه ملك مقرب احسن الظن بالله عز وجل ورجا رحمته وجعل عليها اعتماده كما امر به المصطفى عليه الصلاة والسلام وذلك فيما اخبرنا ابو محمد جناح ابن النذير ابن جناح القاضي بالكوفة قال حدثنا ابو جعفر ابن دحيم قال حدثنا احمد ابن حازم ابن ابي غرزة قال حدثنا يعلى ابن عبيد قال حدثنا الاعمش عن ابي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث لا يموتن احدكم الا وهو حسن الظن بالله عز وجل قال المصنف اخرجه مسلم عن ابي كريب عن ابي معاوية عن الاعمش بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فهذا الباب الاربعون خاتمة ابواب هذا الكتاب النافع المفيد وقد جعله المصنف رحمه الله تعالى في الحث على العمل بما ذكر في الكتاب والا يكون حظ من قرأ الكتاب وتعلم ما فيه مجرد المعرفة والاطلاع على ما اشتمل عليه من معان عظيمة بل ينبغي ان يجتهد كما يقول المصنف رحمه الله في استعمال ما ذكر في الكتاب وهذا هو ثمرة العلم ومقتضاه فان ثمرة العلم العمل بل قال علي رضي الله عنه يهتف بالعلم العمل فان اجابه والا ارتحل الذي ينبغي على العبد ان يكون مستعملا هذه الاعمال العظيمة المنتقاة في هذا السفر وآآ الكتاب حوى خيرا عظيما وفؤاد عظيمة واحاديث منتقاة نافعة جدا وتبويبات نافعة فالذي ينبغي على العبد الذي وفقه الله عز وجل لقراءته ان يجاهد نفسه على العمل ثابتا على ذلك مستقيما عليه الى ان يحين حينه وتدنو منيته التي كما يقول المصنف لم ينجوا منها نبي مرسل ولا ينجوا منها ملك مقرب فاذا دنا الموت احسن الظن بالله عز وجل ورجاء رحمته عز وجل وجعل عليها اعتماده اي لا يجعل اعتماده على اعماله فليجعل اعتماده على رجاء الرحمة وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى كما امر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الذي ساقه المصنف رحمه الله ان النبي عليه الصلاة والسلام قال قبل موته بثلاث لا يموتن احدكم الا وهو حسن الظن بالله عز وجل اخرجه مسلم في كتابه الصحيح وقد رواه احمد وزاد فيه فان قوما قد ارداهم سوء ظنهم بالله ثم تلا قول الله عز وجل وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارداكم فاصبحتم من الخاسرين ولهذا ينبغي ان يعلم ان حسن الظن بالله عز وجل يعد مقاما عظيما من مقامات الدين الرفيعة فان الله عز وجل عند ظن عبده به وهو جل وعلا لا يضيع امل امن ولا يضيع عمل عامل قد جاءت النصوص الكثيرة في الحث على حسن الظن بالله وبيان ما يترتب على ذلك من ثواب واثار عظيمة روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى انا عند ظن عبدي بي وروى الامام احمد عن واثلة ابن الاصقع ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ويوضح هذا الحديث ما جاء في المسند من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل انا عند ظن عبدي بي ان ظن بي خيرا فله وان ظن شرا فله اي ان للعبد ما ظن بربه جل في علاه فان ظن بالله ان يقيل عثرته ويغفر زلته ويقبل توبته ويرفع درجته ويعظم مثوبته فله هذا الظن بربه جل في علاه ومن ظن خلاف ذلك فله ايضا ما ظن بربه فان للعبد في هذا المقام ما ظنه بربه فان ظن الخير فله الخير وان ظن خلاف ذلك فله ما ظن ولهذا الذي ينبغي على العبد ان يكون مجاهدا نفسه على حسن العمل وحسن التقرب الى الله عز وجل ولا يتكل على اعماله ولا يعتمد على طاعته بل يا يرجو رحمة الله ويظن ربه سبحانه وتعالى خيرا وحسن الظن بالله معدود في اعظم الخصال واشرف الصفات روى ابن ابي الدنيا في كتابه حسن الظن بالله ان ابن مسعود رضي الله عنه انه قال والذي لا اله غيره ما اعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله والذي لا اله غيره لا يحسن عبدا بالله الظن الا اعطاه الله عز وجل ظنه ذلك بان الخير في يده الحاصل ينبغي على المسلم ان يكون دائما حسن الظن بالله والا يتعاظمه ذنب ان يتوب منه بل يتوب من ذنوبه وخطاياه وان عظمت ويقبل على الله راجيا ان يغفر الله له وان يتجاوز عنه وان يثبته على الحق و حسن الظن بالله مبني على حسن المعرفة بالله وباسمائه وصفاته والنواسع المغفرة واسع المن واسع الفضل لكن ايضا ينبغي ان يعلم في هذا المقام ان حسن الظن ايضا مبني على حسن العمل. لان العمل اذا كان سيئا قبيحا حال بين العبد وبين حسن الظن كما قال الحسن البصري رحمه الله ان المؤمن احسن الظن بالله فاحسن العمل وان الفاجر اساء الظن بالله فأساء العمل احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو الحسين ابن بشران قال اخبرنا الحسين بن صفوان قال حدثنا عبد الله بن محمد بن ابي الدنيا قال حدثنا ابو خيثمة قال حدثنا شباب ابن شوار عن هشام ابن غازي البغدادي قال حدثني حيان ابو النضر قال قال لي واثلة بن الاصقع رضي الله عنه قدني الى يزيد ابن الاسود رضي الله عنه فانه قد بلغني ان لما به قال فقدته فدخل عليه وهو ثقيل قد وجه يعني نحو القبلة وقد ذهب عقله قال نادوه فقلت ان هذا واثلة اخوك قال فابقى الله من عقله ان سمع النوافل قد جاء قال فمد يده فجعل يلتمس بها فعرفت ما يريد فاخذت كالثواسلة فجعلتها في كفه وانما اراد ان يضع يده في يدي واثلة وذلك لموضع يد واثبة رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يضعها مرة على صدره ومرة على وجهه ومرة على فيه فقال واثلة رضي الله عنه الا تخبرني عن شيء اسألك عنه كيف ظنك بالله قال اغرقتني ذنوب لي اشفيت على هلكه ولكن ارجو رحمة الله قال فكبر واثلة وكبر اهل البيت بتكبيره وقال انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ثم اورد رحمه الله تعالى هذا الحديث في قصة عيادة واثلة ابن الاصقع رظي الله عنه ليزيد ابن الاسود في مرضه قال فقد بلغني ان لما به كذا لفظه هنا في الاربعين ولفظه عند المصنف في شعب الايمان ان الما نزل به وهذا هو الواضح فدخل عليه عيادة له وكان ثقيلا وجهه نحو القبلة كان اشتد به المرض فقال له واثلة ناصحا ومذكرا الا تخبرني عن شيء اسألك عنه؟ كيف ظنك بالله اغرقتني ذنوب لي اشفيت على هلكة ولكني ارجو رحمة الله فكبر واثلة وكبر اهل البيت بتكبيره وقال الله اكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء فهذا فيه كما تقدم فظل حسن الظن بالله عز وجل و ان هذا العمل العظيم والمقام العظيم من مقامات الدين ينبغي ان يكون خاتمة العبد في هذه الحياة كما تقدم معنا في الحديث الاول لا يموتن احدكم الا وهو حسن الظن بالله عز وجل ولهذا كان هذا النهج من الصحابة مثل ما فعل واثلة تذكير من كان آآ مريظا او اشتد به المرظ او ظن دنو منية ان يذكر بهذا المقام العظيم ان الله رحيم وان فظله عميم وانه يغفر الذنوب وانه يتجاوز عن السيئات وان رحمته واسعة حتى يقوى جانب الظن بالله عز وجل في اه هذا المذكر الموصى وهذا حاصل قول نبينا عليه الصلاة والسلام لا يموتن احدكم الا وهو حسن الظن بالله اي بان الله عز وجل يغفر زلته ويرفع درجته ويتوب عليه ويعفو عنه يحسن ظنه بربه والله عز وجل عند ظن عبده به احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى اخبرنا ابو عبد الله الحافظ وابو سعيد ابن ابي عمرو قال حدثنا ابو العباس محمد ابن يعقوب قال حدثنا احمد ابن عبد الجبار قال حدثنا ابو معاوية عن الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاربوا وسددوا وابشروا واعلموا انه لن ينجو احد بعمله قالوا ولا اياك يا رسول الله؟ قال ولا اي الا ان يتغمدني الله برحمة منه وفضل قال المصنف رواه مسلم في الصحيح عن ابي بكر عبد الله ابن محمد ابن ابي شيبة وابي كريب عن ابي معاوية في الدعوات ثم ختم المصنف الحافظ البيهقي رحمه الله هذا الباب الذي هو خاتمة هذا الكتاب بهذا الحديث العظيم عن ابي هريرة عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال قاربوا وسددوا وابشروا واعلموا انه لن ينجو احد بعمله قالوا ولا اياك يا رسول الله؟ قال ولا اي الا ان يتغمدني الله برحمة منه وفضل وهذا فيه حث على مجاهدة النفس على العمل والطاعة سددوا وقاربوا سددوا اي الزموا السداد وهو الصواب اصابة السنة وموافقة الهدي من غير افراط ولا تفريط وقاربوا اي ان لم تستطيعوا الاخذ بالاكمل والاتم فاعملوا بما يقرب منه وابشروا بثواب الله يا اهل السداد ويا اهل المقاربة. كل منهما مبشر بثواب الله سبحانه وتعالى واهل السداد اعظم اجرا وثوابا عند الله سبحانه وتعالى قال واعلموا انه لن ينجو احد بعمله اي مهما كان عملك صالحا سدادا على الهدي فلا تركن اليه ولكن عليك ان تركا الى الرحمة رحمة الله عز وجل ترجو رحمة الله وان يتغمدك الله سبحانه وتعالى برحمة منه وفضل قال لن ينجو احد بعمله قالوا ولا اياك يا رسول الله؟ قال ولا اي الا ان يتغمدني الله برحمة منه وفضل قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى واما قوله صلى الله عليه وسلم لن يدخل احد منكم الجنة بعمله قالوا ولا انت يا رسول الله؟ قال ولا انا الا ان يتغمدني الله برحمة منه وفضله فانه ذكره في سياق امره لهم بالاقتصاد قال سددوا وقاربوا واعلموا ان احدا منكم لن يدخل الجنة بعمله وقال ان هذا الدين متين وانه لن يشاد الدين احد الا غلبه فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة والقصد تبلغوا فنفى بهذا الحديث ما قد تتوهمه النفوس من ان الجزاء من الله عز وجل على سبيل المعاوضة والمقابلة كالمعوظات التي تكون بين الناس في الدنيا فان الاجير يعمل لمن استأجره فيعطيه اجره بقدر عمله على طريق المعاوضة ان زاد زاد اجرته وان نقص نقص اجرته وله عليه اجرة يستحقها كما يستحق الباء الثمن فنفى صلى الله عليه وسلم ان يكون جزاء الله وثوابه على سبيل المعاوضة والمقابلة والمعادلة والباء هنا كالباء الداخلة في المعوظات كما يقال استأجرت هذا بكذا واخذت اجرتي بعملي وكثير من الناس قد يتوهم ما يشبه هذا وهذا غلط من وجوه ثم ذكر رحمه الله تعالى وجوها خمسة ثم قال فتبين بهذا الحديث انه لا بد من عفو الله وتجاوزه عن العبد والا فلو ناقشه على عمله لما استحق به الجزاء قال الله تعالى اولئك الذين نتقبل عنهم احسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئات في اصحاب الجنة وقال تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون الى قوله ليكفر الله عنهم اسوأ الذي عملوا ويجزيهم اجرهم باحسن الذي كانوا يعملون واذا تبين ذلك افاد هذا الحديث الا يعجب العبد بعمله بل يشهد نعمة الله عليه واحسانه اليه في العمل وانه لا يستكثر العمل فان عمله لو بلغ ما بلغ ان لم يرحمه الله ويعفو عنه ويتفضل عليه لم يستحق به شيئا. الى اخر كلامه رحمه الله تعالى وبهذا نأتي الى خاتمة الكلام على هذا الكتاب النافع الماتع المفيد نسأل الله الكريم ان ينفعنا اجمعين بما علمنا وان يزيدنا علما وتوفيقا وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب وانبه الى ان الدرس يتوقف الى اول يوم من شهر السفر باذن الله سبحانه وتعالى وستكون القراءة باذن الله سبحانه وتعالى في مختصر صحيح الامام مسلم للمنذري رحمه الله تعالى ونسأل الله لنا اجمعين التوفيق والسداد والمعونة على كل خير وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين