بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فمن فوائد الذكر العظيمة انه حياة القلوب الحياة الحقيقية وبدونه يموت القلب ولهذا ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ولفظه عند مسلم مثل البيت الذي يذكر فيه الله والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت فجعل عليه الصلاة والسلام الذاكر لله مثله مثل الحي وبيت الذاكرين مثل بيوت الاحياء وجعل عليه الصلاة والسلام مثل الذي لا يذكر الله كمثل الميت وبيوت الذين لا يذكرون الله كبيوت الاموات وهي المقابر ولهذا قال في حديث اخر لا تجعلوا بيوتكم مقابر. رواه مسلم. من حديث ابي هريرة رضي الله عنه اي اذكروا الله في بيوتكم واقيموا فيها الصلاة واتلوا كلام الله لان البيت اذا لم يتلى فيه كلام الله ولم يذكر فيه سبحانه ولم تقم فيه الصلاة يكون مثل المقبرة التي هي بيت الاموات ولهذا حث عليه الصلاة والسلام على صلاة النافلة في البيت فقال ان افضل الصلاة صلاة المرء في بيته الا المكتوبة. رواه البخاري من حديث زيد ابن ثابت رضي الله عنه لئلا يكون البيت مقبرة لان البيت الذي لا يذكر فيه الله جل وعلا ولا يصلى فيه مثله كمثل المقبرة بيت الاموات بل يصبح خرابا لا يرد اليه ولا يدخله الا الشياطين اما الملائكة لا تدخله وانما تتوارد عليه الشياطين ويكون مأوى لها فيذهب الخير من البيت ويكثر فيه الشر وتتوالى عليه المشاكل وتكثر فيه المصائب ويقع فيه انواع من الفساد والله جل وعلا يقول ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون ولهذا يجب على اهل البيوت المؤمنة ان ينصحوا لانفسهم ولبيوتهم فيعمروها بذكر الله عز وجل بتلاوة القرآن وباقامة الصلاة وكثرة ذكر الله وفعل الخيرات حتى تكون بيوتهم من بيوت الاحياء وحتى يكونوا هم من الاحياء فذكر الله جل وعلا هو حياة القلوب حقيقة وبدونه يموت القلب وقد نقل ابن القيم رحمه الله عن شيخه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تشبيها عجيبا للذكر ولحال القلب مع ذكر الله حيث قال الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك اذا فارق الماء ومعلوم ان السمك اذا فارق الماء للحظات يموت والقلب اذا ابعد عن الذكر ولم يعمر به يموت فلا تحصل له الحياة الا بذكر الله ولهذا قال الله سبحانه يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم وسمى تبارك وتعالى في مواطن عديدة من القرآن الوحي روحا كقوله اتى امر الله فلا تستعجلوا سبحانه وتعالى عما يشركون. ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشاء من عباده وقال تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وسمى الله تبارك وتعالى من ينزل بالوحي وهو جبريل روحا قال عز وجل نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين فجبريل عليه السلام الذي ينزل بالوحي روح والوحي نفسه روح لان حياة القلوب لا تكون الا بالوحي وذكر الله تبارك وتعالى وبدونه تموت وتقسو وتظلم وتعمر بالشر والفساد بينما اذا عمرت بذكر الله تنامى فيها الخير وتزايد فيها الصلاح وعمت فيها البركة ومن فوائد الذكر انه يطرد الشيطان ويبعده عن العبد فيكون في حصن حصين وحرز مكين لا يجد الشيطان اليه سبيلا وقد جاء في الحديث الذي خرجه الامام احمد في المسند وغيره باسناد صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله عز وجل امر يحيى ابن زكريا عليهما السلام بخمس كلمات ان يعمل بهن وان يأمر بني اسرائيل ان يعملوا بهن وفي الحديث ان زكريا قال لقومه ان ربي امرني بخمس كلمات وامرني ان امركم بهن ثم ذكر الامر بالتوحيد اولا ثم الامر بالصلاة ثم الامر بالصيام ثم الامر بالصدقة ثم ذكر الامر الخامس وهو الامر بذكر الله فقال وامركم بذكر الله عز وجل كثيرا وان مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في اثره اي لحقه العدو لقتله وللبطش به فاتى حصنا حصينا فتحصن فيه وان العبد احصن ما يكون من الشيطان اذا كان في ذكر الله عز وجل فالذي يذكر الله في حصن حصين وحرز مكين لا يصل اليه الشيطان ولا يخلص اليه ابدا قال الله تعالى قل اعوذ برب الناس ملك الناس اله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس الوسواس الخناس هذه صفة الشيطان الوسواس الخناس يقول ابن عباس رضي الله عنهما في معنى هاتين الكلمتين قال الشيطان جاثم على قلب ابن ادم فاذا سهى وغفل وسوس واذا ذكر الله خنس. رواه الطبري في تفسيره اذا ذكر العبد ربه خنس الشيطان وتصاغر واصبح كالذباب كما في الحديث ولكن قل بسم الله فانك اذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب بل يولي عن الذاكر وينفر منه. ولهذا جاء في الحديث اذا نودي للصلاة ادبر الشيطان وله ضراط. متفق عليه وايضا جاء في الحديث لا تجعلوا بيوتكم مقابر ان الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة فلا يطيق الشيطان سماع ذكر الله بل يؤذيه الذكر وينفره ويبتعد تماما من المكان الذي فيه ذكر لله جل وعلا فالذاكر في حصن حصين وحرز مكين يحميه باذن الله تبارك وتعالى من الشيطان الرجيم اما اذا غفل المرء عن ذكر الله توالت عليه الشياطين ودفعته للباطل وازته للمعصية ازا كما تقدم في قول الله عز وجل ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين اي ملازم لا ينفك عنه ومفهوم المخالفة للاية انه اذا ذكر الله جل وعلا ابتعد عنه الشيطان فالذكر حصن من الشيطان الرجيم ولهذا احسن صنعا من سمى من اهل العلم كتابه في الذكر الحصن الحصين او حصن المسلم او نحو ذلك وهذا اسم صادق على مسماه فالذكر هو الحصن الحصين وهو حصن المسلم وهو الحرز الذي يحفظ به المسلم باذن الله تبارك وتعالى ولا يجد الشيطان سبيلا الى من كان ذاكرا لله في الاوقات كلها وفي كل شيء اذا ذكرت الله عز وجل على الطعام ابتعد الشيطان واذا ذكرته عند دخولك الى البيت ابتعد الشيطان وهكذا في كل امر تذكر الله جل وعلا عليه لا يكون للشيطان اليك فيه سبيل وتكون في حفظ من وساوس الشيطان وكيده وشروره وهمزه ونفخه ونفثه فهذه فائدة عظيمة وجليلة من فوائد الذكر بل قال ابن القيم رحمه الله فلو لم يكن في الذكر الا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقا بالعبد الا يفتر لسانه من ذكر الله والا يزال لهجا بذكر الله فانه لا يحرز نفسه من عدوه الا بالذكر ولا يدخل عليه العدو الا من باب الغفلة فهو يرصده فاذا غفل وثب عليه وافترسه واذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله وتصاغر وانقمع ومن فوائد الذكر انه يذهب قسوة القلب فالقلب يقسو بسبب الذنوب والتفريط في طاعة الله ونحو ذلك وليس هناك شيء يذيب قسوة القلب مثل ذكر الله جل وعلا وليس هناك شيء يجلب القسوة للقلب مثل الغفلة عن ذكر الله قال الله تعالى الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل. فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثيرا منهم فاسقون فقسوة القلب سببها كما يدل عليه سياق الاية الكريمة هو طول الامد بالبعد عن الذكر وعن القيام بامر الله فاذا حصل هذا البعد حصلت القسوة ولا تزول هذه القسوة الا بالعودة الى ذكر الله والرجوع الى الله سبحانه وتعالى ولهذا قال في الاية التي تليها اعلموا ان الله يحيي الارض بعد موتها قد بينا لكم الايات لعلكم تعقلون اي فكما انه سبحانه وتعالى يحيي الارض بعد موتها بالماء والمطر فانه يحيي تبارك وتعالى القلوب الميتة بالوحي والذكر لله فاذا ذكر الانسان ربه حي قلبه وذهبت عنه القسوة ولهذا يؤثر ان رجلا اتى الى الامام الحسن البصري رحمه الله وقال له يا ابا سعيد اشكو اليك قسوة قلبي قال اذبه بذكر الله اي اذب هذه القسوة التي في قلبك بالاكثار من ذكر الله تبارك وتعالى. فذكر الله جل وعلا يذهب القسوة التي تقع في القلوب فتتبدل الى لين وسكون وطمأنينة قال ابن القيم رحمه الله وهذا لان القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة فاذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار فما اذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل والمفاسد والاظرار المتولدة عن اظاعة الذكر كثيرة قال ابن القيم رحمه الله قلة التوفيق وفساد الرأي وخفاء الحق وفساد القلب وخمول الذكر واضاعة الوقت ونفرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه ومنع اجابة الدعاء وقسوة القلب ومحو البركة في الرزق والعمر وحرمان العلم ولباس الذل واهانة العدو وضيق الصدر والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت وطول الهم والغم وضنك المعيشة وكسف البال تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله كما يتولد الزرع عن الماء والاحراق عن النار واضداد هذه تتولد عن الطاعة هذا ونسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته