بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا نزال في وقفات مع الايات الحاثة على ذكر الله يقول الله عز وجل يا ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ويقول سبحانه فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اباءكم او اشد ذكرا ويقول سبحانه الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويقول تعالى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما فامر تعالى بهذه الايات بذكره بالكثرة وذلك لشدة حاجة العبد الى ذلك وافتقاره اليه اعظم الافتقار وعدم استغناءه عنه طرفة عين فاي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله كانت عليه لالة وكان خسرانه فيها اعظم مما ربح في غفلته عن الله وندم على ذلك عند لقاء الله سبحانه وتعالى بل قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في شعب الايمان للبيهقي والحلية لابي نعيم من حديث ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها انه صلى الله عليه وسلم قال ما من ساعة تمر بابن ادم لا يذكر الله تعالى فيها الا تحسر عليها يوم القيامة وقول الله عز وجل الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار هذا وصف لاولي الالباب اولي العقول الراجحة الزكية الطيبة قال الله عز وجل ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب كانه قيل من هم وما حليتهم وما صفتهم؟ قال الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار فاهل العقول الزكية والقلوب الطيبة هذا شأنهم يتفكرون في خلق السماوات والارض ويعلمون بهذا التفكر الجميل انها لم تخلق باطنا ولم توجد عبثا وانما خلقت واوجدت لامر عظيم وخطب جليل الا وهو ان يعبد الله وان يخص بالعبادة وان يخظع له ويذل خشوعا وركوعا وسجودا ثم ذكر حليتهم قال الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم وهذا وصف لهم بانهم يذكرون الله في كل احوالهم كما جاء في وصف النبي عليه الصلاة والسلام بذلك في الحديث انه كان يذكر الله في كل احيانه اي قائما وقاعدا ومضطجعا فالاية دليل على ان من صفة اولي الالباب ومن حليتهم ذكر الله بالكثرة وفي كل حالة يذكرون الله مضطجعين ويذكرون الله قاعدين ويذكرون الله قائمين فهم في كل احوالهم ذاكرين لله تبارك وتعالى عن مجاهد رحمه الله قال لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا وليس في الاعمال شيء يعم الاوقات والاحوال كلها مثل الذكر فالذكر مع المرء في جلوسه وفي سفره وفي حله وفي ترحاله وفي مرضه وفي ضراءه وسراءه وفي شدته ورخائه وفي فراشه عندما يأوي لينام فالذكر مع المسلم في كل احواله وايضا الاية فيها دلالة على ان ذكر الله والعناية به والمواظبة عليه اكبر عونا للعبد على زوال الغفلة عنه وعلى تحقق التفكر في خلق السماوات والارض الذكر اذا وجد زالت الغفلة واذا زالت الغفلة حصل للعبد التذكر والتبصر في ايات الله وفي مخلوقاته بخلاف اكثر الناس الذين يمرون بايات الله العظام الباهرة وهم عنها معرضون لا تؤثر فيهم ولا تحرك فيهم ساكنا ولا كأنها تعنيهم بشيء وهذا كله بسبب تراكم الغفلة فاذا كان العبد من الذاكرين الله تبارك وتعالى فان ذكره لله يفتح له باب التفكر في مخلوقات الله العظيمة مما يكون سببا في زيادة ايمانه وقوة يقينه وحسن صلته بالله وقول الله تعالى فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اباءكم او اشد ذكرا هذه الاية فيها الامر بذكر الله بالكثرة قد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ان من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته امه اي نقيا من الذنوب والاثام فحال من كان هذا شأنه قد خرج من هذه الطاعة العظيمة التي من الله عليه بها ويسرها له ان يكون كثير الذكر لله لا ان يكون من الغافلين ولهذا ليس من علامات الخير ان يغفل الانسان عن ذكر الله ولا سيما عقب هذه الطاعة الكبيرة وامثالها من الطاعات وهذا فيه دليل على ان ذكر الله كما انه رح العبادة ومقصودها وكذلك ينبغي ان تتوج به العبادة وتختم به ويكثر على اثرها هذا اضافة الى ما فيه من فائدة ونفع للمسلم فان فيه اشارة الى ان العبد لم يمل من عبادة الله فلهذا كلما ختم طاعة من الطاعات لهج بذكر الله بالكثرة مما يدل على شدة الرغبة وعظيم الحرص وقوة العزيمة في العناية بعبادة الله سبحانه وتعالى فهو يذكر الله في الطاعات الكبار المأمور بها فرائض الاسلام ثم ايضا يختمها بالاكثار من ذكر الله ليكون ذلك حافظا له وحافزا له على لين العبادات وسهولتها ويسرها عليه مما يستقبله من طاعات اتية وعبادات قادمة اما ختم الصيام به ففي قول الله عز وجل ولتكملوا العدة اي عدة الصيام ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون واما ختم الحج به فقد تقدم في قوله فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اباءكم او اشد ذكرا واما ختم الصلاة به ففي قوله فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم واما ختم الجمعة به ففي قوله فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وكما ان الذكر خاتمة الطاعات فينبغي ايضا ان يكون خاتمة الحياة واذا كان اخر كلام العبد من الدنيا لا اله الا الله دخل الجنة وقال الله عز وجل يا ايها الذين امنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون فيها نهي الله عن الغفلة عن ذكره باي امر لا بالاموال والتجارات ولا بالبيع والشراء وما الى ذلك. ولا ايظا بانشغال الانسان باولاده وبيته ومصالحه الخاصة لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله خص هذين الامرين بالذكر لكونهما اكثر ما يشغل الانسان عن ذكر الله ولهذا قال الله تعالى في اية اخرى انما اموالكم واولادكم فتنة فالمال فتنة والولد فتنة وهما شاغل للانسان عن ذكر الله الا من حفظه الله واعانه ولهذا جاء النهي هنا عن ان يلهي المرء ماله او ولده عن ذكر ربه. لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله وقد وردت هذه الاية في سورة المنافقون والمنافقون وصفهم الله عز وجل بسورة اخرى بقوله ولا يذكرون الله الا قليلا ولاجل ذلك قال العلماء ان ذكر هذه الاية التي فيها نهي العبد عن الغفلة عن ذكر الله في هذه السورة التي خصت باوصاف المنافقين واعمالهم والتحذير من النفاق فيه حكمة وهي الاشارة الى ان الاكثار من ذكر الله عز وجل امان من النفاق ولهذا قال علي رضي الله عنه لما سئل عن الخوارج قيل امنافقون هم؟ قال المنافقون لا يذكرون الله الا قليلا فذكر الله بالكثرة من فوائده العظيمة انه امان من النفاق لان الله عز وجل وصف المنافقين بانهم لا يذكرون الله الا قليلا اي ذكرهم لله قليل وقوله ومن يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون فيه الاخبار عن خسران من لهى عنه بغيره فمن نهى عن الذكر بالتجارة او نهى عن الذكر بالاولاد فهو خاسر الحاصل ان اقبال المرء على امر المال ومصلحة الاولاد والانس بهم لا حرج فيه ولا بأس ولا مضرة فيه لكن بقيد ان لا يكون ذلك على حساب طاعة الله وذكره وشكره وحسن عبادته الا يطغى على ذلك وانما يكون امره في ذلك بان يعطي كل ذي حق حقه. ويضع الامور في مواضعها. ولا يجعل شيئا يطغى على شيء ولا شك ان من اعظم الحرمان واشد الخسران ان تطغى عناية المرء بالمال والولد على طاعة الله وذكره وشكره سبحانه وتعالى ومما يوضح خطورة هذا الامر ويبينه الحديث الصحيح الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام يتبع الميت ثلاثة. اهله وماله وعمله فيرجع اثنان اهله وماله ويبقى واحد عمله رواه النسائي فلا يدخل مع الانسان في قبره الا العمل سواء كان صالحا او طالحا ولا يعني هذا ترك المال والتجارة وترك طلب الرزق ترك رعاية الاولاد والانس بهم وانما المراد الا تشغل هذه الاشياء المرء عن ذكر الله واقام الصلاة والقيام بطاعة الله ويقول الله عز وجل اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه هذه الاية فيها دلالة على فظيلة الكلم الطيب ومكانته والكلم الطيب هو ذكر الله عز وجل والعمل الصالح يرفعه اي يرفع الكلمة الطيب فلا بد منهما فلا يكتفى باحدهما دون الاخر بل لا بد من الاقوال الزاكية التي هي ذكر الله ودعاؤه ولابد من الاعمال الصالحة المقربة الى الله ولهذا الدين والايمان قول وعمل اقوال مباركة واعمال صالحة يتقرب بها المسلم الى الله وفي الاية تنبيهان مهمان الاول يتعلق بالكلم الا وهو ان ليس كل كذب يقبل. وانما الذي يقبل الكلم الموصوف بانه طيب ولا سبيل الى معرفة الكلم. اهو طيب اوليس بطيب الا من خلال الشارع الحكيم بالتعويل على كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام فليس كل ذكر لله يقبل ايا كانت صفته وايا كانت طريقته وانما الذي يقبل من الذكر ما كان طيبا والطيب من الذكر انما يعلم من كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام فهذا فيه التنبيه على اهمية التعويل على الكتاب والسنة في الذكر والدعاء الامر الثاني في قوله والعمل الصالح يرفعه اليس كل عمل يقبل بل لا يقبل الا اذا كان صالحا قال والعمل الصالح وصف العمل بالصلاح العمل لا يقبل الا اذا كان صالحا وصلاح العمل من عدمه انما يعرف من طريق الكتاب والسنة هذا واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله وان يهدينا اليه صراطا مستقيما انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته