بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا نزال في وقفات مع الايات الحاثة على ذكر الله عز وجل قال الله تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين هذه الاية العظيمة اشتملت على جملة طيبة من الاداب الكريمة التي ينبغي ان يتحلى بها الذاكر فمن هذه الاداب اولا ان يكون الذكر لنفسه في نفس الذاكر ان يخفيه لان الاخفاء ادخل في الاخلاص واقرب الى الاجابة وابعد عن الرياء ثانيا ان يكون على سبيل التضرع وهو التذلل والخضوع والاعتراف بالتقصير ليتحقق فيه ذلة العبودية والانكسار لعظمة الربوبية ثالثا ان يكون على وجه الخيفة اي الخوف من المؤاخذة على التقصير في العمل والخشية من ان يرد والا يقبل قال الله تعالى في صفة المؤمنين الكمل المسارعين في الخيرات السباقين لارفع الدرجات والذين يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة انهم الى ربهم راجعون اولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون قد ثبت في المسند وغيره عن عائشة رضي الله عنها انها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء فقالت يا رسول الله اهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف ان يعذب قال لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف الا يقبل منه رابعا ان يكون دون الجهر لانه اقرب الى حسن التفكر قال ابن كثير رحمه الله ولهذا قال ودون الجهر من القول وهكذا يستحب ان يكون الذكر لا يكون نداء وجهرا بليغا في الصحيحين عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال رفع الناس اصواتهم بالدعاء في بعض الاسفار فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم يا ايها الناس اربعوا على انفسكم فانكم لا تدعون اصما ولا غائبا ان الذي تدعونه سميع قريب اقرب الى احدكم من عنق راحلته خامسا ان يكون باللسان لا بالقلب وحده ومستفاد من قوله ودون الجهر لان معناه ومتكلما كلاما دون الجهر ويكون المراد بالاية الامر بالجمع في الذكر بين اللسان والقلب وقد يقال هو ذكره في قلبه بلا لسانه بقوله بعد ذلك ودون الجهر من القول الا ان الاول هو الاصح كما حقق ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية وغيره من اهل العلم رحمهم الله وقد نظر ابن تيمية رحمه الله لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن ربه انه قال من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم قال وهذا يدخل فيه ذكره باللسان في نفسه فانه جعله قسيم الذكر في الملأ وهو نظير قوله ودون الجهر من القول والدليل على ذلك انه قال بعده بالغدو والاصال ومعلوم ان ذكر الله المشروع بالغدو والاصال بالصلاة وخارج الصلاة هو باللسان مع القلب مثل صلاتي الفجر والعصر والذكر المشروع عقب الصلاتين وما امر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه وفعله من الاذكار والادعية المأثورة من عمل اليوم والليلة المشروعة طرفي النهار بالغدو والاصال سادسا ان يكون بالغدو والاصال اي في البكرة والعشي فتدل الاية على مزية هذين الوقتين لانهما وقت سكون ودعة وتعبد واجتهاد وما بينهما الغالب فيه الانقطاع الى امر المعاش وقد ورد ان عمل العبد يصعد اول النهار واخره فطلبوا الذكر فيهما ليكونا ابتداء عمله واختتامه بالذكر فقد جاء في صحيح مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو اعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون واتيناهم وهم يصلون سابعا النهي عن الغفلة عن ذكره بقوله ولا تكن من الغافلين اي من الذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون وفيه اشعار بطلب دوام ذكره تعالى والاستمرار عليه واحب العمل الى الله ادومه وان قل فهذه السبعة اداب عظيمة اشتملت عليها هذه الاية الكريمة ذكرها القاسمي في كتابه محاسن التأويل وللذكر اداب كثيرة اخرى سيأتي ذكر لها لاحقا ان شاء الله ثمان الله تبارك وتعالى لما حث على ذكره في هذه الاية ورغب فيه وحذر من ضده وهو الغفلة ذكر عقبها في الاية التي تليها ما يقوي دواعي الذكر وينهض الهمم اليه بمدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون وقال سبحانه ان الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون والمراد بقوله ان الذين عند ربك اي الملائكة وقد وصفهم الله في هذه الاية بعدم الاستكبار عن عبادة الله وانهم يسبحون الله وله سبحانه وتعالى يسجدون وهذا يتضمن حث المؤمنين وترغيبهم في ان يقتدوا بهم فيما ذكر عنهم لانه اذا كان اولئك وهم معصومون من الذنوب والخطأ. هذه حالهم في التسبيح والذكر والعبادة فكيف ينبغي ان تكون حال غيرهم ولهذا يقول ابن كثير رحمه الله وانما ذكرهم بهذا ليتشبه بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم ولهذا شرع لنا السجود ها هنا لما ذكر سجودهم لله سبحانه وتعالى كما ايضا جاء في الحديث الا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها يتمون الصفوف الاول ويتراصون في الصف وهذي اول سجدة في القرآن مما يشرع لتاليها ومستمعيها السجود بالاجماع ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله ثم ذكر تعالى ان له عبادا مستديمين لعبادته ملازمين لطاعته وهم الملائكة لتعلموا ان الله لا يريد ان يتكثر بعبادتكم من قلة ولا ليتعزز بها من ذلة وانما يريد نفع انفسكم وان تربحوا عليه اضعاف اضعاف ما عملتم وقال ان الذين عند ربك من الملائكة المقربين وحملة العرش والكروبيين لا يستكبرون عن عبادتي بل يذعنون لها وينقادون لاوامر ربهم ويسبحونه الليل والنهار لا يفترون وله وحده لا شريك له يسجدون فليقتدي العباد بهؤلاء الملائكة الكرام وليداوموا على عبادة الملك العلام انتهى كلامه رحمه الله والمقصود ان الله تبارك وتعالى لما نهى عباده عن ان يكونوا من الغافلين ذكر بعد ذلك مثالا من اجتهاد الملائكة ليحتذى وليبعث على الجد في طاعة الله وذكره وحمده سبحانه والغفلة امر يعتري الانسان وينسى ما امر به وينصرف عنه ويلهو قلبه عن الاتيان به وهي تتفاوت في الناس منهم من تكون غفلته للحظات ومنهم من تستديم معه زمنا ومنهم من يحيا ويموت غافلا ثمان ذكر الله عز وجل الشأن فيه كغيره من العبادات لابد ان يكون قائما على اركان التعبد القلبية واهل العلم يقولون ان اي عبادة يتقرب بها الانسان الى الله تبارك وتعالى لابد لها من اركان قلبية ثلاثة تقام عليها العبادة يسميها العلماء اركان التعبد القلبية وهي المحبة والخوف والرجاء فكل عبادة يأتي بها المسلم متقربا بها الى الله لابد ان تقام على هذه الاركان الثلاثة يعبد الله حبا فيه ورجاء لثوابه وخوفا من عقابه ولا يجوز ان يعبد الله بالحب وحده ولا بالخوف وحده ولا بالرجاء وحده بل تكون عبادته لله سبحانه وتعالى بالحب والخوف والرجاء قال ابن القيم رحمه الله قد جمع الله عز وجل هذه الاركان الثلاثة في قوله اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ان عذاب ربك كان محظورا فجمع تبارك وتعالى هذه الاركان الثلاثة في هذه الاية فقوله اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة هي المحبة وقوله ويرجون رحمته هي الرجاء وقوله ويخافون عذابه هي الخوف ولو تأملنا سورة الفاتحة نجد ان هذه الاركان الثلاثة ذكرت فيها الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين اياك نعبد واياك نستعين اياك نعبد هذه العبادة نعبدك ولا نعبد غيرك لكنها لم تذكر الا بعد ان ارسيت اركانها فان المسلم عندما يقرأ الحمد لله رب العالمين الحمد هو الثناء على المحمود مع حبه لان الثناء لو كان بلا حب لا يسمى حمدا وانما يسمى مدحا ففي الحمد حب الله فالمسلم عندما يقرأ الحمد لله رب العالمين يقوم في قلبه حب الله وعندما يقرأ الرحمن الرحيم ويذكر رحمة الله يقوم في قلبه الرجاء ويرجون رحمته وعندما يقرأ مالك يوم الدين اي يوم الحساب والعقاب والجزاء يقوم في قلبه الخوف فبالحب الذي دل عليه الحمد لله رب العالمين وبالرجاء الذي دل عليه الرحمن الرحيم وبالخوف الذي دل عليه مالك يوم الدين اياك نعبد اي نعبدك يا الله بالحب والخوف والرجاء قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله اعلم ان محركات القلوب الى الله عز وجل ثلاثة المحبة والخوف والرجاء واقواها المحبة وهي مقصودة تراد لذاتها لانها تراد في الدنيا والاخرة بخلاف الخوف. فانه يزول في الاخرة قال الله تعالى الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والخوف المقصود منه الزجر والمنع من الخروج عن الطريق فالمحبة تلقي العبد في السير الى محبوبه وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره اليه والخوف يمنعه ان يخرج عن طريق المحبوب والرجاء يقوده فهذا اصل عظيم يجب على كل عبد ان يتنبه له فانه لا تحصل له العبودية بدونه هذا واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته