بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فمن الاحاديث العظيمة الواردة في فضل الذكر حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت. رواه البخاري ومسلم ولفظ مسلم مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت ان مثل الغافل عن ذكر الله مثل الميت قد تقدم معنا ان الذكر هو حياة القلوب حقيقة ولا حياة لها بدونه وحاجتها اليه اعظم من حاجة السمك الى الماء فالقلب الذاكر هو القلب الحي والقلب الغافل هو القلب الميت ففي هذا التمثيل كما يقول الشوكاني رحمه الله منقبة للذاكر جليلة وفضيلة له نبيلة وانه بما يقع منه من ذكر لله عز وجل في حياة ذاتية وروحية لما يغشاه من الانوار ولما يصل اليه من الاجور كما ان التارك للذكر وان كان في حياة ذاتية فليس لها اعتبار بل هو شبيه بالاموات انتهى كلامه رحمه الله لقد جعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بيت الذاكر بمنزلة بيت الحي وبيت الغافل بمنزلة بيت الميت وهو القبر وفي اللفظ الاول جعل الذاكر نفسه بمنزلة الحي والغافل بمنزلة الميت فتضمن الحديث بمجموع لفظيه ان القلب الذاكر كالحي في بيوت الاحياء والقلب الغافل كالميت في بيوت الاموات وعلى هذا فان ابدان الغافلين قبور لقلوبهم وقلوبهم فيها كالاموات في القبور ولهذا قيل فنسيان ذكر الله موت قلوبهم واجسامهم قبل القبور قبور وارواحهم في وحشة من جسومهم وليس لهم حتى النسور نسور وقيل ايضا فنسيان ذكر الله موت قلوبهم واجسامهم فهي القبور الدوارس وارواحهم في وحشة من حبيبهم ولكنها عند الخبيث اوانس ولهذا صح في الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم النهي عن جعل البيوت قبورا اي لا يصلى فيها ولا يذكر الله فيها ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا وروى مسلم في صحيحه من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تجعلوا بيوتكم مقابر فان الشيطان يفر من البيت الذي يسمع سورة البقرة تقرأ فيه وفي سنن ابي داوود وغيره باسناد حسن من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني حيث كنتم قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان معنى قوله لا تجعلوا بيوتكم قبورا اي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور فامر بتحري العبادة في البيوت ونهى عن تحريها عند القبور عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم. انتهى كلامه رحمه الله ولما كان القلب بهذه المثابة يوصف بالحياة وضدها انقسمت القلوب بحسب ذلك الى ثلاثة اقسام الاول القلب السليم وهو الذي سلم من ان يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما بل قد خلصت عبوديته لله ارادة ومحبة وتوكلا وانابة واخباتا وخشية ورجاء وخلص عمله لله فان احب احب في الله وان ابغض ابغض في الله وان اعطى اعطى لله وان منع منع لله ويكون الحاكم عليه في اموره كلها هو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يتقدم بين يديه لا بعقيدة ولا قول ولا عمل الثاني ضد هذا وهو القلب الميت الذي لا حياة به فهو لا يعرف ربه ولا يعبده ولا يمتثل امره ولا يفعل ما يحبه ويرضاه بل هو واقف مع شهواته ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه فهو متعبد لغير الله حبا وخوفا ورجاء ورضا وسخطا وتعظيما وذلا ان احب احب لهواه وان ابغض ابغض لهواه وان اعطى اعطى لهواه وان منع منع لهواه فهو اثر عنده واحب اليه من رضا ربه ومولاه الهوى امامه والشهوة قائده والجهل سائقه والغفلة مركبه الثالث قلب له حياة وبه علة فله مادتان تمده هذه مرة وهذه تمده اخرى وهو لما غلب عليه منهما ففيه من محبة الله والايمان به والاخلاص له والتوكل عليه ما هو مادة حياته وفيه من محبة الشهوات وايثارها والحرص على تحصيلها ومن الحسد والكبر والعجب وحب العلو ما هو مادة هلاكه وعطبه فالقلب الاول حي مخبت لين والثاني يابس ميت والثالث مريظ فاما الى السلامة ادنى واما الى العطب ادنى وعلى هذا فان القلب لكي تبقى له حياته وتزول عنه غفلته وتتم له استقامته محتاج الى ما يحفظ عليه قوته وهو الايمان واوراد الطاعة والمحافظة على ذكر الله والبعد عن كل ما يسخط الله ولا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح الا بان يكون الله وحده الهه وفاطره ومعبوده وغاية مطلوبه واحب اليه من كل ما سواه فبهذا تكون نجاة القلب من الغفلة وسلامته من الهلكة وبهذا تسري فيه الحياة والتوفيق بيد الله وحده وحديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه المتقدم له روايتان كما تقدم الاولى تتعلق بالشخص نفسه والثانية تتعلق بالبيت الذي يسكنه اخذ بعض العلماء منه فائدة وهي ان من لا يذكر الله يصبح صدره مقبرة لقلبه ويكون والحالة اذ قلبه ميت مدفون في صدره وان حياة القلوب لا تكون الا بالذكر. والغفلة عنه موت للقلوب وفي الحديث بيان لاهمية الذكر ومكانته بضرب الامثال والامثال يؤتى بها لتوظيح الامور وهي تأتي في القرآن والسنة كثيرا بل في القرآن كما يقول ابن القيم ما يزيد على الاربعين مثل والله عز وجل يقول وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون ففي الامثال نفع عظيم وتقريب للامور وتوضيح للمسائل والنبي عليه الصلاة والسلام ظرب في هذا الحديث مثلين مثل للذاكر ومثل للغافل فذكر ان مثل الذاكر مثل الحي ومثل الغافل مثل الميت وهذا فيه ان حياة القلوب حقيقة انما تكون بذكر الله فبذكر الله تحيا القلوب وبالغفلة عنه تموت قال ابن القيم رحمه الله وصدأ القلب بامرين بالغفلة والذنب وجلاؤه بشيئين بالاستغفار والذكر فمن كانت الغفلة اغلب اوقاته كان الصدأ متراكبا على قلبه وصدؤه بحسب غفلته. واذا صدأ القلب لم تنطبع فيه صورة المعلومات على ما هي عليه فيرى الباطل في صورة الحق. والحق في صورة الباطل لانه لما تراكم عليه الصدأ اظلم فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه فاذا تراكم عليه الصدأ واسود وركبه الران فسد تصوره وادراكه فلا يقبل حقا ولا ينكر باطنا وهذي اعظم عقوبات القلب واصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى فانهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره قال تعالى ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا فاذا اراد العبد ان يقتدي برجل فلينظر هل هو من اهل الذكر او من الغافلين وهل الحاكم عليه الهوى او الوحي فان كان الحاكم عليه هو الهواء وهو من اهل الغفلة وامره فرطا لم يقتدي به ولم يتبعه فانه يقوده الى الهلاك ومعنى الفرط قد فسر بالتضييع اي امره الذي يجب ان يلزمه ويقوم به وبه رشده وفلاحه ضائع قد فرط فيه وفسر بالاسراف اي قد افرط وفسر بالاهلاك وفسر بالخلاف للحق وكلها اقوال متقاربة والمقصود ان الله سبحانه نهى عن طاعة من جمع هذه الصفات فينبغي للرجل ان ينظر في شيخه وقدوته ومتبوعه فان وجده كذلك فليبعد منه وان وجده ممن غلب عليه ذكر الله عز وجل واتباع السنة وامره غير مفروط عليه بل هو حازم في امره فليستمسك بغرزه ولا فرق بين الحي والميت الا بالذكر فمثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت انتهى كلام ابن القيم رحمه الله ولهذا ينبغي ان يكون هناك تعاون في البيوت على ان تعمر بذكر الله وينشأ الصغار واهل البيت على العناية بذكر الله. ولا سيما اذكار الصباح والمساء فانها اكثر الاذكار واوسعها ورودا في السنة ولهذا كان متأكدا علينا اجمعين ان نعنى بالاذكار عموما وباذكار الصباح والمساء على وجه الخصوص وكذلك باذكار ادبار الصلوات والاذكار التي تقال عند النوم فكل ذلك مما يجدر بالمسلم في خاصة نفسه وفي من يعول ان يعنى بها عناية كبيرة لتكون له حصنا حصينا وحرزا متينا من الشيطان الرجيم ولتدب الحياة الحقيقية في البيوت فيستحب له عند دخول البيت البسملة عند الدخول واذا دخل يجتهد في الاكثار من ذكر الله في بيته فاذا عمر البيت بذكر الله دبت فيه الحياة وهربت منه الشياطين وعمر بالخير والصلاح والاستقامة والتعاون والترابط والالفة والمحبة وظهر فيه انواع البر وصار يتنامى بالخير ويحيا حياة طيبة بينما اذا كان البيت في غفلة عن ذكر الله يموت وتكثر فيه الصفات الذميمة والاعمال الرديئة وينشأ فيه التباغض والتشاحن والتحاسد الى غير ذلك من الصفات الذميمة فذكر الله عز وجل حصن البيوت وامانها وطمأنينتها ومرتكز سعادتها ومدار فلاحها ونجاة فيها وفقنا الله اجمعين لعمارة بيوتنا بذكره وشكره وحسن عبادته انه سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته