بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة وابي سعيد رضي الله عنهما انهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا يقعد قوم يذكرون الله الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده رواه مسلم وروى مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه جاء هذا الحديث في بعض رواياته مقيدا بان يكون هذا الذكر في بيت من بيوت الله وفي بعضها مطلقا دون تقييد فافاد ذلك ان الجلوس لذكر الله وتعلم العلم سواء كان في بيت من بيوت الله او في اي مكان اخر ينال العبد به هذا الفضل لكن ما من شك ان كون ذلك في المسجد اكمل واعظم واعلى شأنا وارفع منزلة لكن يرجى لمن حصل منه ذلك في غير المسجد ان ينال هذه الفظيلة كما يدل لذلك هذه الرواية التي جاءت مطلقة غير مقيدة بالمسجد قال النووي رحمه الله ويلحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة الاجتماع في مدرسة ورباط ونحوهما ان شاء الله تعالى ويدل عليه الحديث الذي بعده فانه مطلق يتناول جميع المواضع ويكون التقييد في الحديث الاول خرج على الغالب لا سيما في ذلك الزمان فلا يكون له مفهوم يعمل به انتهى كلامه رحمه الله وفي الحديث الاول قال لا يقعد قوم يذكرون الله وفي الثاني قال يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم اذا جمع بين اللفظين افاد فائدة مهمة عظيمة وهي ان ذكر الله سبحانه وتعالى لا ينحصر في التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير بل الجلوس للعلم ومدارسة القرآن والسنة والتفقه في الدين وتعليم شرع الله اخبارا عنه سبحانه بانه امر بكذا او نهى عن كذا واحب كذا وسخط كذا ورضي كذا فكل هذا من ذكر الله تبارك وتعالى وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام اذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة؟ قال حلق الذكر والمراد بحلق الذكر اي مجالس العلم مجالس الحلال والحرام وبيان الاحكام وبيان شرع الله جل وعلا ولهذا فان مجالس العلم التي يبين فيها الحلال والحرام وتوضح فيها الاحكام مجالس ذكر لله عز وجل قال عطاء الخرساني مجالس الذكر مجالس الحلال والحرام كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح وتطلق وتحج واشباه هذا وكان احد السلف وهو ابو السوار العدوي في حلقة يتذاكرون العلم ومعهم فتى شاب فقال لهم قولوا سبحان الله والحمد لله فغضب ابو السوار وقال ويحك في اي شيء كنا اذا الحاصل ان مجالس الذكر ليست مختصة بالمجالس التي يذكر فيها اسم الرب بالتسبيح والتحميد والتكبير ونحو ذلك بل هي شاملة للمجالس التي يذكر فيها امره ونهيه وحلاله وحرامه وما يحبه ويرضاه وما يكرهه ويأباه بل ربما كان هذا الذكر انفع من ذلك قوله الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده عدد صلوات الله وسلامه عليه اربعة فضائل عظيمة تنال في مجالس الذكر كل واحدة منها من اعظم ما يكون ينالها العبد ويحظى بها اذا جلس في مجلس ذكر لله تعالى الاولى عفتهم الملائكة اي تحفهم ملائكة الرحمة باجنحتها كما جاء في الحديث الاخر من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا الى الجنة. وان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع فالملائكة تحف طالب العلم من حين يخرج من بيته قاصدا مكان العلم بطلبه وتحفه وهو في مجلس العلم هذا وان لم نرى الملائكة يحفون مجالس العلم باجنحتهم الا انا نؤمن بذلك ايمانا جازما لا شك فيه ولا ريب لان هذا الخبر جاءنا عن الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه قوله وغشيتهم الرحمة اي تغشاهم رحمة الله عز وجل وتنزل عليهم وهذا يدل على ان من اعظم الامور التي تطلب بها الرحمة وتنال بها الجلوس في مجالس العلم وحلق الذكر التي تحيا بها القلوب ويقوى بها الايمان ويزيد بها اليقين وتعظم بها الصلة بالله تبارك وتعالى قوله ونزلت عليهم السكينة اي يحصل لهم في مجالس العلم ومجالس الذكر طمأنينة في القلوب وكثير ما يتحدث الناس بهذا تجد احدهم يقول عندي من الهم والقلق والمشاكل الشيء العظيم فاذا دخلت المسجد وجلست في حلقة علم اشعر بلذة وطمأنينة وسكون وكان ما عندي اصلا قلق وهذا كله من الفضائل المباركة التي ينالها العبد في مجالس العلم بينما مجالس الغفلة كالغيبة والنميمة ونحو ذلك من المجالس السيئة اذا قام منها العبد يقوم منها بوحشة في قلبه وقلق واضطراب وضيق صدر والعاقل اذا وازن بين هذه الخيرات العظيمة التي تنال في مجالس الذكر وتلك الاضرار التي تترتب على مجالس الغفلة فانه لا يبغي بدلا عن مجالس الذكر مجالس العلم والايمان بل سيكون حرصه عليها اشد ما يكون الرابعة قوله وذكرهم الله فيمن عنده اي ذكرهم الله في الملأ الاعلى وفي الحديث يقول الله عز وجل فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملأ خير منهم. متفق عليه وروى مسلم عن ابي سعيد الخدري قال خرج معاوية رضي الله عنه على حلقة في المسجد فقال ما اجلسكم قالوا جلسنا نذكر الله قال االله ما اجلسكم الا ذاك قالوا والله ما اجلسنا الا ذاك قال اما اني لم استحلفكم تهمة لكم وما كان احد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم اقل عنه حديثا مني وان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من اصحابه فقال ما اجلسكم قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للاسلام ومن به علينا قال االله ما اجلسكم الا ذاك قالوا والله ما اجلسنا الا ذاك قال اما اني لم استحلفكم تهمة لكم ولكنه اتاني جبريل فاخبرني ان الله عز وجل يباهي بكم الملائكة ومما ورد في فضل الذكر ما رواه مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات اي ان المفردين هم اهل السبق وكأن الحديث يصور العاملين في ميدان سباق يتسابقون ويتنافسون في هذا الميدان ويبين ان اسبقهم في هذا الميدان المفردون فهم اهل السبق في ميدان التنافس في طاعة الله قال الصحابة رضي الله عنهم وما المفردون يا رسول الله اي ما صفتهم؟ وما هي اعمالهم قال عليه الصلاة والسلام الذاكرون الله كثيرا والذاكرات فالحديث يدل على فضل الذكر وان اهل العناية به واهل الرعاية له هم اهل السبق في ميدان التسابق في التقرب الى الله تبارك وتعالى بالاعمال الصالحة فمن فوائد الذكر العظيمة كما يقول ابن القيم رحمه الله ان الذكر يسير العبد وهو في فراشه وفي سوقه وفي حال صحته وسقمه وفي حال نعيمه ولذته وليس شيء يعم الاوقات والاحوال مثله حتى يسير العبد وهو نائم على فراشه فيسبق القائم مع الغفلة ويصبح هذا وقد قطع الركب وهو مستلق على فراشه ويصبح ذلك الغافل في ساقة الركب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء واذا كان السائرون الى الله بالاعمال المتنوعة يزدادون باعمالهم الصالحة قربا من الله عز وجل فان الذاكر لله بالكثرة هو السباق في هذا المظمار وله السبق في هذا الميدان لعلو شأن الذكر وعظيم شأنه ومحبة الله للذاكرين الله والذاكرات ولانه ليس في الاعمال شيء يعم الاوقات والاحوال مثله فالذكر مع المرء في جلوسه وفي سفره وفي حله وترحاله وفي مرضه وصحته وفي ضراءه وسرائه وفي شدته ورخائه وفي احواله كلها وقد سئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله عن افضل الاعمال بعد الفرائض فاجاب بانه يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه وما يناسب اوقاتهم فلا يمكن فيه جواب جامع مفصل لكل احد لكن مما هو كالاجماع بين العلماء بالله وامره ان ملازمة ذكر الله دائما هو افضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة وعلى ذلك دل حديث ابي هريرة الذي رواه مسلم سبق المفردون قالوا يا رسول الله ومن المفردون؟ قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات وفيما رواه ابو داوود عن ابي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الا انبئكم بخير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من اعطاء الذهب والورق ومن ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالوا بلى يا رسول الله. قال ذكر الله والدلائل القرآنية والايمانية بصرا وخبرا ونظرا على ذلك كثيرة واقل ذلك ان يلازم العبد الاذكار المأثورة عن معلم الخير وامام المتقين صلى الله عليه وسلم كالاذكار المؤقتة في اول النهار واخره وعند اخذ المضجع وعند الاستيقاظ من المنام وادبار الصلوات والاذكار المقيدة مثلما يقال عند الاكل والشرب واللباس والجماع ودخول المنزل والمسجد والخلاء والخروج من ذلك وعند المطر والرعد الى غير ذلك وقد صنفت له الكتب المسماة بعمل اليوم والليلة انتهى كلامه رحمه الله تعالى هذا واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته