بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال خرج معاوية رضي الله عنه على حلقة في المسجد فقال ما اجلسكم قالوا جلسنا نذكر الله قال االله ما اجلسكم الا ذاك قالوا والله ما اجلسنا الا ذاك قال اما اني لم استحلفكم تهمة لكم وما كان احد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم اقل عنه حديثا مني وان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من اصحابه فقال ما اجلسكم قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للاسلام ومن به علينا قال االله ما اجلسكم الا ذاك قالوا والله ما اجلسنا الا ذاك قال اما اني لم استحلفكم تهمة لكم ولكنه اتاني جبريل فاخبرني ان الله يباهي بكم الملائكة رواه مسلم قوله تهمة لكم اي شكا في صدقكم هذا من عاجل بشرى الذاكر ان يحظى بهذه المنزلة العظيمة ان يذكره الله تبارك وتعالى في الملأ الاعلى الكرام الاطهار البررة ملائكة الله وهذه المباهاة من الرب تبارك وتعالى دليل على شرف الذكر عنده ومحبته له وان للذكر مزية على غيره من الاعمال وايضا دليل على مغفرة الله لهم وقد تقدم في الحديث اشهدكم اني قد غفرت لهم فمباهاته سبحانه دليل على الرضا والغفران والفوز بكرامة الله وانعامه لان الله لا يباهي باهل المعاصي والغفلة وانما يباهي بمن اجتمعوا على الخير ذكرا لله وتمجيدا وتعظيما وخوفا من النار وطلبا للجنة فهذا الذي اجتمعوا عليه كان موجبا لغفران ذنوبهم وموجبا لمباهاة الله بهم الملائكة وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم انا عند ظن عبدي بي وانا معه اذا ذكرني فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرني في ملإ ذكرته في ملأ خير منهم متفق عليه وهذا جزاء من جنس العمل واي ثواب واي مكانة اعظم من ان يحظى عبد الله المؤمن بذكر الله له وفي الحديث ايضا ذكر معية الله الخاصة للذاكرين حفظا ونصرا وتأييدا ومعونة فالمكثرون من ذكر الله لهم الحظ الاوفر والنصيب الاكمل من ذكر الله لهم ومعيته لهم وعن ابي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا انبئكم بخير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله تعالى رواه الترمذي وابن ماجة الورق الفضة بدأ النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحديث بهذا الاسلوب المشوق للقلوب والجاذب للنفوس حيث بدأ عليه الصلاة والسلام بقوله الا انبئكم وانا كما قال العلماء اداة تنبيه تنبيها للسامع والمخاطب لما سيلقى عليه ويبين له من العلم والكلام المفيد قال الا انبئكم بخير اعمالكم وخير افعل تفضيل اي اخيرها وافضلها ففيه دلالة على ان الذكر خير الاعمال بل تقدم معنا ان الذكر هو روح الاعمال وان تفاضل الناس في الاعمال بحسب تفاضلهم فيها بذكر الله فكلما كان العامل اكثر ذكرا لله فان الفظيلة فيه تعظم ومكانته تعلو بحسب حظ العابد فيه من ذكر الله تبارك وتعالى فكلما كان ذكره لله اعظم كان حظه من هذا الثواب اكبر وقوله وازكاها عند مليككم ازكاها قيل اي اطهرها. وقيل المراد بالزكاة النماء وهو الزيادة اي اعظمها بركة ونماء وخيرا فالزكاة يأتي ويراد به النماء ويأتي ويراد به الطهارة وقوله وارفعها في درجاتكم اي اكثرها رفعا للدرجات بحيث ان المواظب عليها والمكثر منها لا يزال يزداد رفعة عند الله عز وجل وهي ترفع العبد عند الله اكثر من غيرها من الاعمال والاعمال الصالحة عموما ترفع العبد عند الله عز وجل لكن الذكر اكثر الاعمال رفعا للعامل عند الله وقوله وخير لكم من انفاق الذهب والورق اي افضل لكم من انفاق الذهب والفضة ومن المعلوم ان بذل المال ولا سيما انفسه وهو الذهب والفضة صدقة في سبيل الله من خير الاعمال واحبها الى الله لكن ذكر الله عز وجل اعظم من ذلك وقوله وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم اي افضل لكم من ان تلقوا العدو وتجاهدونهم في سبيل الله فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم وتستشهدون في سبيل الله وهذا يدل على فضيلة الذكر وانه افضل من الجهاد بل الجهاد انما شرع لاقامة ذكر الله واعلاء كلمة الله بل وكل طاعة انما شرعت لاقامة ذكر الله فدل الحديث على فضيلة الذكر العظيمة ومنزلته الرفيعة وانه خير الاعمال وهذا لا يعني التقليل من شأن تلك الاعمال كالصدقة والجهاد والاستشهاد في سبيل الله وانما يفيد بيان فضل الذكر وعظيم مكانته وانه ارفع الاعمال واجلها واحبها الى الله سبحانه وتعالى قيل لسلمان رضي الله عنه اي الاعمال افضل قال اما تقرأ القرآن ولذكر الله اكبر وذكر ابن ابي الدنيا عن ابن عباس رضي الله عنهما انه سئل اي العمل افضل؟ قال ذكر الله اكبر وذكر الله عز وجل هو مقصود الاعمال كلها فالصلاة شرعت لاجل اقامة ذكر الله والحج شرع لاقامة ذكر الله والصيام شرع لاقامة ذكر الله والطاعات كلها انما شرعت لاقامة ذكر الله ولهذا قال الله تعالى واقم الصلاة لذكري اي اقم الصلاة من اجل ذكر الله عز وجل وهذا فيه تنبيه على عظيم قدر الصلاة اذ هي تضرع الى الله وقيام بين يديه وسؤال له واقامة لذكره وعلى هذا فالصلاة هي الذكر وقد سماها الله تعالى ذكرا وذلك في قوله يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله فسمى الصلاة هنا ذكرا لان الذكر هو روحها ولبها وحقيقتها وقال صلى الله عليه وسلم في الحج انما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لاقامة ذكر الله وجاء في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل اي المصلين اعظم اجرا قال اكثرهم لله ذكرا قيل واي الصائمين اكثر اجرا؟ قال اكثرهم لله ذكرا قيل واي المجاهدين اعظم اجرا؟ قال اكثرهم لله ذكرا فاعظم الناس اجرا في كل العبادات وجميع الطاعات اكثرهم ذكرا لله تبارك وتعالى فيها بالقلب واللسان فالذكر هو خير الاعمال وهو لب الاعمال قال ابن القيم رحمه الله ان افضل اهل كل عمل اكثرهم فيه ذكرا لله فافضل الصوام اكثرهم ذكرا لله في صومهم وافضل المتصدقين اكثرهم ذكرا لله وافضل الحجاج اكثرهم ذكرا لله. وهكذا سائر الاعمال ثم اورد رحمه الله الحديث المتقدم واورد عقبه عن عبيد ابن عمير رحمه الله انه قال ان اعظمكم هذا الليل ان تكابدوه وبخلتم بالمال ان تنفقوه وجبنتم عن العدو ان تقاتلوه فاكثروا من ذكر الله عز وجل قال ابن رجب رحمه الله وقد تكاثرت النصوص بتفضيل الذكر على الصدقة بالمال وغيره من الاعمال ثم اورد حديث ابي الدرداء المتقدم وجملة من الاحاديث الاخرى الدالة على المعنى نفسه وقد روى ابن ابي الدنيا كما في الترغيب والترهيب للمنذر وقال اسناده حسن عن الاعمش عن سالم ابن ابي الجعد قال قيل لابي الدرداء ان رجلا اعتق مئة نسمة قال ان مئة نسمة من مال رجل كثير وافضل من ذلك ايمان ملزوم بالليل والنهار والا يزال لسان احدكم رطبا من ذكر الله فبين رضي الله عنه فضل عتق الرقاب وانه مع عظم فضله لا يعدل ملازمة الذكر والمداومة عليه وقد جاء في هذا المعنى اثار كثيرة عن السلف رحمهم الله يقول ابن مسعود رضي الله عنه لان اسبح الله تعالى تسبيحات احب الي من انفق عددهن دنانير في سبيل الله الحاصل ان هذا الحديث العظيم افاد فضيلة الذكر وانه يعدل عتق الرقاب ونفقة الاموال والحمل على الخير في سبيل الله ويعدل الضرب بالسيف في سبيل الله وقد جلس عبدالله ابن عمرو وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم فقال عبد الله بن مسعود لان اخذ في طريق اقول فيه سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر احب الي من انفق عددهن دنانير في سبيل الله فقال عبد الله بن عمرو لن اخذ في طريق فاقولهن احب الي من ان احمل عددهن على الخيل في سبيل الله عز وجل وكذلك قال غير واحد من الصحابة والتابعين ان الذكر افضل من الصدقة بعدده من المال والاثار في هذا المعنى كثيرة وهي لا تعني التقليل من شأن النفقة في سبيل الله والحمل على الخير في سبيل الله وعتق الرقاب في سبيل الله وانما المراد بها تعلية شأن الذكر وبيان عظيم قدره ورفعة مكانته وانه لا يعدله شيء من هذه الامور هذا واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته