بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان للدعاء شأنا عظيما ومقاما جليلا ومكانة عالية فهو مفتاح كل خير في الدنيا والاخرة ومن اعطي الدعاء اعطي الخير لانه اعطي مفاتيح الخير وذلك ان الخير كله بيد الله ولا سبيل الى تحصيله الا بمنه وفضله وعطائه سبحانه وتعالى قال مطرف بن عبدالله بن السخفير رحمه الله تذكرت ما جماع الخير فاذا الخير كثير الصوم والصلاة واذا هو في يد الله عز وجل واذا انت لا تقدر على ما في يد الله عز وجل الا ان تسأله فيعطيك فاذا جماع الخير الدعاء رواه الامام احمد في الزهد الدعاء اساس الخيرات ومفتاح الفضائل والكرامات لان الامور كلها بيد الله عطاء ومنعا خفضا ورفعا عزا وذلا قبضا وبسطا فمن وفق للدعاء فقد نال مفتاح الخير قال الامام ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد اساس كل خير ان تعلم ان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فتيقن حينئذ ان الحسنات من نعمه فتشكره عليها وتتضرع اليه الا يقطعها عنك وان السيئات من خذلانه وعقوبته فتبتهل اليه ان يحول بينك وبينها ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات الى نفسك وقد اجمع العارفون على ان كل خير فاصله بتوفيق الله للعبد وكل شر فاصله خذلانه لعبده واجمعوا ان التوفيق الا يكلك الله الى نفسك وان الخذلان هو ان يخلي بينك وبين نفسك فاذا كان كل خير فاصله التوفيق وهو بيد الله لا بيد العبد فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة اليه فمتى اعطى العبد هذا المفتاح فقد اراد ان يفتح له ومتى اضله عن المفتاح بقي باب الخير مرتجا دونه وما اوتي من اوتي الا من قبل اضاعة الشكر واهمال الافتقار والدعاء ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه الا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء انتهى كلامه رحمه الله والدعاء شأنه في الاسلام عظيم ومكانته فيه سامية ومنزلته منه عالية اذ هو اجل العبادات واعظم الطاعات وانفع القربات ولهذا جاءت النصوص الكثيرة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مبينة فضله منوهة بمكانته وعظيم شأنه مرغبة فيه وحاسة عليه وقد تنوعت دلالات هذه النصوص المبينة لفضل الدعاء فجاء في بعضها الامر به والحث عليه وفي بعضها التحذير من تركه والاستكبار عنه وفي بعضها ذكر عظم ثوابه وكبر اجره عند الله وفي بعضها مدح المؤمنين لقيامهم به. والثناء عليهم بتكميله وغير ذلك من انواع الدلالات في القرآن على عظم فضل الدعاء بل ان الله سبحانه قد افتتح كتابه الكريم بالدعاء واختتمه به فسورة الفاتحة التي هي فاتحة القرآن الكريم مشتملة على دعاء الله باجل المطالب واكمل المقاصد الا وهو سؤال الله عز وجل الهداية الى الصراط المستقيم والاعانة على عبادته والقيام بطاعته سبحانه وتعالى وسورة الناس التي هي خاتمة القرآن الكريم مشتملة على دعاء الله سبحانه وذلك بالاستعاذة به سبحانه من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس وما من ريب ان افتتاح القرآن الكريم بالدعاء واختتامه به دليل على عظم شأن الدعاء وانه رح العبادات ولبها بل ان الله جل وعلا سمى الدعاء في القرآن عبادة في اكثر من اية مما يدل على عظم مكانته كقوله سبحانه وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وكقوله سبحانه فيما حكاه عن نبيه ابراهيم عليه السلام واعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعو ربي عسى ان لا اكون بدعاء ربي شقيا فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ونحوها من الايات وسمى سبحانه الدعاء دينا كما في قوله فادعوا الله مخلصين له الدين ونحوها من الايات وهذا كله يبين لنا عظيم شأن الدعاء وانه اساس العبودية وروحها وعنوان التذلل والخضوع والانكسار بين يدي الرب واظهار الافتقار اليه ولهذا حث الله عباده عليه ورغبهم فيه في اية كثيرة من القرآن الكريم يقول الله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها وادعوه خوفا وطمعا. ان رحمة الله قريب من المحسنين وقال الله تعالى هو الحي لا اله الا هو ادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين واخبر سبحانه مراقبا عباده في الدعاء بانه قريب منهم يجيب دعاءهم ويحقق رجائهم ويعطيهم سؤلهم قال الله تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون وقال تعالى امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض ولهذا فان العبد كلما عظمت معرفته بالله وقويت صلته به كان دعاؤه له اعظم وانكساره بين يديه اشد ولهذا كان انبياء الله ورسله اعظم الناس تحقيقا للدعاء وقياما به في احوالهم كلها وشؤونهم جميعها وقد اثنى الله عليهم بذلك في القرآن الكريم وذكر جملة من ادعيتهم في احوال متعددة ومناسبات متنوعة قال الله تعالى في وصفهم انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين وكما انه سبحانه وصف الانبياء بالدعاء ونعتهم به واثنى عليهم بتحقيقه فقد وصف بذلك سبحانه المؤمنين الصادقين وعباده الصالحين قال الله تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون وقال تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وقال سبحانه في وصف اهل الجنة عندما يدخلونها بسلام امنين تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام واخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين فالدعاء هو روح هذا الدين وزادوا المؤمنين وعنوان التذلل والخضوع لرب العالمين وانما كان كذلك لامور عديدة ذكرها اهل العلم منها ان الدعاء فيه التضرع الى الله واظهار الضعف والحاجة اليه ومنها ان العبادة كلما كان القلب فيها اخشع والفكر فيها حاضرا فهي افضل واكمل والدعاء اقرب العبادات الى حصول هذا المقصود فان حاجة العبد تدفعه الى الخشوع وحضور القلب ومنها ان الدعاء ملازم للتوكل والاستعانة بالله فان التوكل هو الاعتماد بالقلب على الله والثقة به في حصول المحبوبات واندفاع المكروهات والدعاء يقويه بل يعبر عنه ويصرح به فان الداعي يعلم ضرورته التامة الى الله وان اموره جميعها بيده فيطلبها من ربه راجيا له واثقا به وهذا هو روح العبادة الى غير ذلك من الامور التي تبين عظم قدر الدعاء ورفعة شأنه ان حاجة المسلم الى الدعاء ماسة في اموره كلها وضرورته اليه ملحة في شؤونه جميعها وقد ضرب احد اهل العلم لحال المسلم مع الدعاء مثلا بديئا تستبين به شدة حاجته اليه ويظهر به عظم ضرورته اليه روى الامام احمد في كتاب الزهد عن قتادة قال قال مورق رحمه الله ما وجدت للمؤمن مثلا الا رجلا في البحر على خشبة فهو يدعو يا رب يا رب لعل الله عز وجل ان ينجيه ومن اقبل على الله بصدق والح عليه بالدعاء واكثر من سؤاله اجاب الله دعاءه وحقق رجاءه واعطاه سؤله وفتح له ابواب الخير والسعادة في الدنيا والاخرة ان العبد محتاج الى الله في كل شؤونه ومفتقر اليه في جميع حاجاته لا يستغني عن ربه ومولاه طرفة عين واما الرب سبحانه فانه غني حميد لا حاجة له بطاعة العباد ودعواتهم ولا يعود نفعها اليه وانما هم الذين ينتفعون بها ولا يتضرر بمعاصيهم وانما هم الذين يتضررون بها ولهذا قال سبحانه يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد ان يشأ يذهبكم ويأتي بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز وقال تعالى من اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وقال تعالى واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد وقال موسى ان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا فان الله لغني حميد والايات في هذا المعنى كثيرة ثم ان الله تبارك وتعالى مع كمال غناه عن عباده وعن طاعاتهم ودعواتهم وتوباتهم فانه يحب سماع دعاء الداعين المخبتين ورؤية عباده العابدين المطيعين ويفرح بتوبة التائبين المنيبين بل انه سبحانه يفرح بتوبة عبده اشد من فرح من ظلت راحلته التي عليها طعامه وشرابه بفلات من الارض وطلبها حتى ايس منها واستسلم للموت ثم غلبته عيناه فنام واستيقظ فاذا هي قائمة عنده وهذا اعلى ما يتصوره المخلوق من الفرح فالله سبحانه يفرح بتوبة عباده اشد من فرحي هذا بلقياه لراحلته هذا مع غناه سبحانه الكامل عن طاعات عباده وتوباتهم اليه. وذلك كله انما يعود نفعه اليهم دونه وهذا من كمال جوده واحسانه الى عباده ومحبته لنفعهم ودفع الظرر عنهم فهو يحب من عباده ان يعرفوه ويحبوه ويتقوه ويخافوه ويطيعوه ويتقرب اليه ويحب ان يعلموا انه يغفر الخطيئات ويجيب الدعوات ويقيل العثرات ويكفر السيئات ويرزق من يشاء بغير حساب فحري بعبدالله المؤمن اذا عرف كمال ربه وجلاله وكرمه واحسانه وفضله وجوده ان ينزل به جميع حاجاته وان يكثر من دعائه ومناجاته والا يقنط من رحمة ربه ولا ييأس من روحه فانه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون هذا واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لسديد الاقوال وصالح الاعمال وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته