بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فمن الايات الكريمة الحاثة على الدعاء قول الله عز وجل وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وقد جمعت هذه الاية بين امرين احدهما حبيب الى الله عز وجل والاخر بغيض اليه سبحانه الحبيب الى الله جل وعلا ما ذكره في قوله ادعوني استجب لكم فهو يحب من عباده ان يدعوه والبغيظ اليه جل وعلا ما ذكره في قوله ان الذين يستكبرون عن عبادتي اي عن دعائي فهو يبغض المستكبرين عن دعائه قد سمى الله عز وجل في هذه الاية الدعاء عبادة والمستكبر عن الدعاء مستكبرا عن العبادة وقد كان سفيان الثوري رحمه الله يقول يا من احبوا عباده اليه من سأله فاكثر سؤاله ويا من ابغض عباده اليه من لم يسأله وليس كذلك غيرك يا رب. رواه ابن ابي حاتم وغيره وهذا يبين مكانة الدعاء العظيمة وحب الله عز وجل للدعاء ولعباده الداعين وتحذيره جل وعلا من الاعراض عن الدعاء وقد جمع الله عز وجل في قوله ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين جمع للمستكبرين عن الدعاء بين العقوبة بدخول النار وبين التحقير والاهانة تكبروا عن دعاء الله فاهانهم سبحانه فهم يدخلون جهنم داخرين اي حقيرين ذليلين جمع عليهم العذاب والاهانة. عقوبة لهم على استكبارهم فالحاصل ان هذه الاية اية عظيمة في شأن الدعاء وبيان مكانته وعظيم شأنه وحب الله سبحانه وتعالى له وتحذيره جل وعلا من الاعراض عن الدعاء والاستكبار عنه وقوله سبحانه في هذه الاية استجب لكم فيه ان الدعاء مستجاب وان من دعا الله عز وجل اجابه واعطاه سؤله فهو لا يخيب عبدا دعاه ولا يرد مؤمنا ناجاه لكن على المؤمن في هذا الباب ان يعنى بما يكون سببا لاجابة دعائه وان يحذر مما هو سبب لرده وعدم قبوله وسيأتي عن هذا حديث مفصل لاحقا باذن الله وهذه الاية دلت على فضيلة الدعاء من عدة جهات الاولى ان الله عز وجل امر به قال ربكم ادعوني فرب العالمين امر به والامر به دليل على فضله وعظيم شأنه عند الله تبارك وتعالى الثانية ان الله سبحانه وتعالى وعد في هذه الاية بالاجابة استجب لكم فالاجابة مضمونة. ومن الهم الدعاء فقد اريد به الاجابة لانه سبحانه وتعالى وعد بها والله لا يخلف الميعاد فهذه فضيلة اخرى للدعاء دلت عليها الاية ان الله يستجيب دعاء من دعا ويحقق رجاء من رجاه. لا يتعاظمه ذنب ان يغفره ولا حاجة يسألها ان يعطيها وهذا من لطفه بعباده وعظيم اكرامه لهم واحسانه بهم فهو سبحانه لا يخيب عبدا دعاه ولا يرد مؤمنا ناجاه. يقول الله تعالى كما في الحديث القدسي يا عبادي كلكم ظال الا من هديته اهدوني اهدكم يا عبادي كلكم جائع الا من اطعمته فاستطعموني اطعمكم يا عبادي كلكم عار الا من كسوته فاستكسوني اكسكم يا عبادي انكم تخطئون بالليل والنهار وانا اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم وقال فيه يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فاعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي الا كما ينقص المخيط اذا ادخل البحر. رواه مسلم في سياق طويل من حديث ابي ذر رضي الله عنه الثالثة ان الله عز وجل قال ان الذين يستكبرون عن عبادتي فسمى الدعاء عبادة فالاية تدل على ان الدعاء عبادة ولهذا جاء في السنن الاربعة من حديث النعمان ابن بشير رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء هو العبادة ثم تلا هذه الاية. وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون نون جهنم داخرين وروى الحاكم باسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا افضل العبادة الدعاء وقرأ وقال ربكم ادعوني استجب لكم الرابعة ان الاية تدل على ان ترك الدعاء نوع من الاستكبار والدعاء لا يعجز الانسان ولا يكلفه شيئا فاذا كان تاركا للدعاء غير مبال به ولا مهتم مع شدة حاجته وافتقاره الى الله فهذا نوع من الاستكبار ولهذا قال سبحانه وتعالى ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين فالشاهد ان الاية فيها دلالة عظيمة على فضيلة الدعاء وعظيم مكانته عند الله وانه عبادة من اجل العبادات واشرفها قال الشوكاني رحمه الله في رسالة له في وجوب توحيد الله عز وجل بعد ان اورد هذه الاية وايات في معناها قال فهذه الايات البينات دلت على ان الدعاء مطلوب لله عز وجل من عباده وهذا القدر يكفي في اثبات كونه عبادة فكيف اذا انضم الى ذلك النهي عن دعاء غير الله قال الله عز وجل فلا تدعوا مع الله احدا وقال تعالى له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء وقال سبحانه ناعيا على من يدعو غيره ضاربا له الامثال ان الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم وقال تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دونه لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض فكيف اذا صرح القرآن الكريم بان الدعاء عبادة تصريحا لا يبقى عنده ريب لمرتاب قال الله تعالى ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين فقد طلب الله سبحانه من عباده في هذه الاية ان يدعوه وجعل جزاء الدعاء له منهم الاجابة منه فقال استجب لكم ولهذا جزمه لكونه جوابا للامر ثم توعدهم على الاستكبار عن هذه العبادة اعني الدعاء بما صرح به في اخر الاية وجعل العبادة مكان الدعاء تفسيرا له وايظاحا لمعناه وبيانا لعباده بان هذا الامر الذي طلبه منهم وارشدهم اليه هو نوع من عبادته التي خص بها نفسه وخلق لها عبادة كما قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ومع هذا كله فقد جاءت السنة المطهرة بما يدل ابلغ دلالة على ان الدعاء من اكمل انواع عبادة ثم ذكر رحمه الله ما يدل على ذلك من السنة والدعاء نوعان دعاء عبادة ودعاء مسألة والعابد داع كما ان السائل داع وبهما فسر قوله تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم. قيل اطيعوني اثمكم وقيل سلوني اعطيكم وفسر به مقوله تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان قال ابن القيم رحمه الله فان الدعاء في القرآن يراد به هذا تارة وهذا تارة ويراد به مجموعهما وهما متلازمان فان دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي وطلب كشف ما يضره او دفعه وكل من يملك الضر والنفع فانه هو المعبود حقا والمعبود لا بد ان يكون مالكا للنفع والضر ولهذا انكر الله على من عبد من دونه ما لا يملك ضرا ولا نفعا وذلك كثير في القرآن كقوله تعالى ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم قوله تعالى ولا تدعوا من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك وقوله تعالى قل اتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم وقوله تعالى افتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم اف لكم ولما تعبدون من دون الله وقوله تعالى واتل عليهم نبأ ابراهيم. اذ قال لابيه وقومه ما تعبدون. قالوا نعبد اصناما فنظل لها كيفين؟ قال هل يسمعونكم اذ تدعون او ينفعونكم او يضرون وقوله تعالى واتخذوا من دونه الهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون. ولا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا وقال تعالى ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا فنفى سبحانه عن هؤلاء المعبودين من دونه النفع والضر القاصر والمتعدي فلا يملكونه لانفسهم ولا لعابديهم وهذا في القرآن كثير بيد ان المعبود لابد ان يكون مالكا للنفع والضر فهو يدعى للنفع والضر دعاء المسألة ويدعى خوفا ورجاء دعاء العبادة علم ان النوعين متلازمان فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة انتهى كلامه رحمه الله ويجتمع النوعان في سورة الفاتحة فقوله تعالى الحمدلله رب العالمين هذا دعاء عبادة لانه ثناء على الله وقوله الرحمن الرحيم دعاء عبادة وقوله ما لك يوم الدين دعاء عبادة وقوله اياك نعبد دعاء عبادة وقوله واياك نستعين الى اخر السورة دعاء مسألة ولهذا يقول الله جل وعلا في الحديث القدسي قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين يعني الفاتحة سماها صلاة لانها دعاء. بيني وبين عبدي نصفين لان اولها دعاء عبادة لله واخرها دعاء مسألة والعلاقة بين دعاء العبادة ودعاء المسألة ان دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة فاذا قال الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين يلزم من هذا ان يسأل الله سبحانه ودعاء المسألة متظمن لدعاء العبادة بمعنى ان دعاء العبادة داخل في دعاء المسألة فالذي يسأل الله حوائجه يتضمن سؤاله حوائجه ان يعبد الله بذلك هذا واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته