بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فمن الايات الكريمة الحاثة على الدعاء قول الله عز وجل واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون في القرآن الكريم ايات عديدة مبدوءة بقوله يسألونك او ويسألونك كقوله ويسألونك عن المحيض قل هو اذى وقوله يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس وكقوله يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما وكقوله ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وكقوله ويسألونك عن الجبال وقوله ويسألونك عن الروح وكلها يأتي بعدها قوله سبحانه قل بينما في هذه الاية اية الدعاء ارتفعت قل واذا سألك عبادي عني فاني قريب ولم يقل فقل اني قريب وهذا فيه تنبيه الى امر عظيم نبه عليه اهل العلم وهو ان امور الدين واحكامه لا سبيل الى العلم بها الا بالواسطة. قل واما الدعاء الذي هو التوجه الى الله فيتوجه العبد الى الله مباشرة بلا واسطة فلا يجعل بينه وبين الله سبحانه واسطة ولهذا اذا قيل هل الانبياء واسطة بين الله وبين خلقه يقال في هذا تفصيل اذا كان المراد بذلك البلاغ وبيان الدين قيل نعم هم واسطة فلا سبيل الى معرفة الدين الا من خلالهم واما اذا كان المراد بذلك التوجه والعبادة الى الله فليس بين العبد وبين الله واسطة. ادعوني استجب لكم لا تجعل بينك وبين الله سبحانه وتعالى واسطة وانما توجه اليه اينما كنت مباشرة بالسؤال والدعاء والالحاح عليه فهو قريب كما اخبر سبحانه وتعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب قريب ممن دعاه يجيب دعاءه ويحقق رجاءه ويعطيه سؤله ولا يخيب سبحانه عبدا دعاه ولا مؤمنا ناجاه وقوله اجيب دعوة الداع اذا دعان هذا فيه حث على الدعاء وترغيب فيه وبيان انه مستجاب لا يرد وقوله فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي ختمت الاية بهذين القيدين العظيمين فليستجيبوا لي هذا كمال العمل وليؤمنوا بي هذا صحة المعتقد وهذان اعظم ما يكون به اجابة الدعاء فان استجابة العبد لله بفعل ما امر وترك ما نهى عنه وزجر لان المعاصي عثرة في طريق الاجابة تسد طريقها كما قال بعض السلف لا تستبطئ الاجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي وقد اخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال نحن ندعو الاله في كل كرب ثم ننساه عند كشف الكروب كيف نرجو اجابة لدعاء قد سددنا طريقها بالذنوب وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الرجل يطيل السفر اشعث اغبر يمد يديه الى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فانى يستجاب لذلك فصحة المعتقد وصلاح العمل هما اعظم ما يكون به اجابة الدعاء نظير هذه الاية قول الله سبحانه وتعالى في سورة الشورى ويستجيب الذين امنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله قال ابن جرير معناه يستجيب الدعاء لهم فما معهم من الايمان والعمل الصالح سبب لاجابة دعائهم هذا وقد ثبت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم احاديث كثيرة في الترغيب في الدعاء ببيان ان الله تبارك وتعالى يعطي السائلين ويجيب الداعين ولا يخيب رجاء المؤمنين فهو سبحانه حيي كريم اكرم من ان يرد من دعاه او يخيب من ناجاه او يمنع من سأله روى ابو داوود والترمذي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله حيي كريم يستحي من عبده اذا رفع يديه اليه ان يردهما صفرا اي خاليا وجاء في الحديث القدسي في بيان منزلة اولياء الله المتقين عند الله ان الله تبارك وتعالى يقول من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه. فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وان سألني لاعطينه. ولئن استعاذ بي لاعيذنه. رواه البخاري في صحيحه فهذه الاحاديث وما جاء في معناها تدل ابين دلالة على ان الله تبارك وتعالى لا يرد من سأله من عباده المؤمنين. ولا يخيب من رجاه لكن قد استشكل هذا كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر بان جماعة من العباد والصلحاء دعوا وبالغوا ولم يجابوا قال رحمه الله والجواب ان الاجابة تتنوع وتارة يقع المطلوب بعينه على الفور وتارة يقع ولكن يتأخر لحكمة وتارة قد تقع الاجابة ولكن بغير عين المطلوب. حيث لا يكون في المطلوب ناجزة وفي الواقع مصلحة ناجزة او اصلح منها وقال رحمه الله ان كل داع يستجاب له. لكن تتنوع الاجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوض وقد ورد في هذا المعنى الذي ذكره رحمه الله احاديث عديدة منها ما رواه الترمذي والحاكم من حديث عبادة ابن الصامت رضي الله عنه رفعه ما على الارض مسلم يدعو بدعوة الا اتاه الله اياها او صرف عنه من السوء مثلها وروى الامام احمد والبخاري في الادب المفرد والحاكم وغيرهم عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قال ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها اثم ولا قطيعة رحم الا اعطاه الله بها احدى ثلاث اما ان يعجل له دعوته واما ان يدخرها له في الاخرة واما ان يصرف عنه من السوء مثلها قالوا يا رسول الله اذا نكثر. قال الله اكثر وفي الصحيحين من حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال يستجاب لاحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي فقد اخبر الصادق المصدوق في هذه الاحاديث انه لا بد في الدعوة الخالية من العدوان من اعطاء السؤل معجلا او مثله من الخير مؤجلا او يصرف عنه من السوء مثله وبهذا يتبين ان اجابة الداعي في سؤاله اعم من اعطائه عين المسؤول فهذا هو جواب الاستشكال السابق وقد ذكر اهل العلم ايضا جوابين اخرين احدهما ان اجابة الداعي لم تتضمن عطية السؤال مطلقا. وانما تضمنت اجابة الداعي والداعي اعم من السائل واجابة الداعي اعم من اعطاء السائل كما تقدم في حديث النزول التفريق بينهما بقوله سبحانه من يدعوني فاستجيب له من يسألني فاعطيه ففرق بين الداعي والسائل وبين الاجابة والاعطاء لكن الاستشكال مع هذه الاجابة قائم من جهة ان السائل ايظا موعود بالاعطاء كما في الحديث المتقدم الجواب الثاني ان الدعاء في اقتضاء الاجابة شأنه كسائر الاعمال الصالحة في اقتضائها الاثابة الدعاء سبب مكتظ لنيل المطلوب والسبب له شروط وموانع فاذا حصلت شروطه وانتفت موانعه حصل المطلوب والا فلا يحصل ذلك المطلوب كما هو الشأن في قبول الاعمال الصالحة والكلمات الطيبة وهذا احسن ما قيل في ذلك فان الشأن في الدعاء كالشأن في جميع الاعمال الصالحة. لا تقبل الا اذا استوفى المسلم شروطها وابتعد عن موانع قبولها اما اذا وجد المانع وانتفى الشرط فان العمل لا يقبل فالدعاء في نفسه مفيد وهو مفتاح لكل خير في الدنيا والاخرة لكنه يستدعي قوة همة الداعي وصحة عزيمته وحسن قصده وبعده عن الامور التي تمنع من القبول قال ابن القيم رحمه الله فانه اي الدعاء من اقوى الاسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ولكن قد يتخلف عنه اثره اما لضعف في نفسه بان يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان واما لضعف القلب وعدم اقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا فان السهم يخرج منه خروجا ضعيفا واما لحصول المانع من الاجابة من اكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو وغلبتها عليها كما في مستدرك الحاكم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ادعوا الله وانتم موقنون جاب واعلموا ان الله لا يقبل دعاء من قلب غافل له فهذا دواء نافع مزيل للداء ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته وكذلك اكل الحرام يبطل قوته ويضعفها كما في صحيح مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ايها الناس ان الله طيب لا يقبل الا طيبا وان الله امر المؤمنين بما امر به المرسلين فقال يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا اني بما تعملون عليم وقال يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر اشعث اغبر يمد يديه الى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فانى يستجاب لذلك فاشار صلوات الله وسلامه عليه في هذا الحديث الى اداب الدعاء والى الاسباب التي تقتضي اجابته. والى ما يمنع من اجابته والحديث فيه دلالات عظيمة واشارات نافعة في هذا الباب. سيأتي بيانها وايظاحها لاحقا ان ان شاء الله واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين