بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فمما ورد في السنة النبوية في فضل الدعاء ما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الدعاء هو العبادة ثم قرأ وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين رواه الترمذي وغيره قوله الدعاء هو العبادة. هذا من اساليب الحصر نظيره قول النبي صلى الله عليه وسلم الحج عرفة وقوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة واذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قد اخبر عن الدعاء بانه هو العبادة فهذا دليل ولا ريب على علو مكانة الدعاء في العبادة ورفيع شأنه فيها وانه اعظمها واجلها واحبها الى الله واكرمها عنده سبحانه وتعالى وسيأتي في الحديث ليس شيء اكرم على الله من الدعاء فالدعاء هو العبادة اي اعظم العبادة واجلها وارفعها مكانة ثم قرأ عليه الصلاة والسلام شاهدا لذلك قول الله جل وعلا وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين تسمى جل وعلا الاستكبار عن دعائه استكبارا عن عبادته لم يقل يستكبرون عن دعائي بل قال عن عبادتي فدل هذا على ان الدعاء هو العبادة ووجه ذلك من حيث النظر ان الانسان اذا دعا ربه فقد اعترف لله عز وجل بالكمال واجابة الدعاء وانه على كل شيء قدير وان العطاء احب اليه من المنع ثم انه لم يلجأ الى غيره لم يدعو غير الله لا ملكا ولا نبيا ولا وليا ولا قريبا ولا بعيدا وهذا هو حقيقة العبادة وبذلك تعرف انك اذا دعوت الله سبحانه وتعالى اثبت على هذا الدعاء سواء استجيب لك ام لم يستجب لك؟ لانك تعبدت لله عز وجل وعبدت الله عز وجل فاذا قلت يا رب اغفر لي يا رب ارحمني يا رب ارزقني يا رب اهدني هذه كلها عبادة تقربك الى الله عز وجل ويكتب لك بها ثواب عظيم عنده جل في علاه ثم كيف يستكبر المرء عن الدعاء وحاجته اليه ماسة في صلاح دينه ودنياه واخراه فلا يمكن ان يصلح شيء منها الا بالتوجه الى الله ومن الدعاء المأثور عن نبينا عليه الصلاة والسلام قوله اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري واصلح لي دنياي التي فيها معاشي واصلح لي اخرتي التي فيها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. والموت راحة لي من كل شر. رواه مسلم وروى الحاكم باسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا افضل العبادة الدعاء وقرأ وقال ربكم ادعوني استجب لكم ففي هذا دلالة على فضل الدعاء وعظيم كرمه عند الله ورفيع مكانته من العبادة وانه روحها ولبها وافظلها والعبادة كلها حق لله وحده لا يجوز صرف شيء منها لغيره سبحانه وتعالى قال الله جل وعلا عن الدعاء ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها وادعوه خوفا وطمعا ان رحمة الله قريب من تنين وقال تعالى قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى وقال تعالى هو الحي لا اله الا هو فادعوه مخلصين له الدين. الحمد لله رب العالمين ان الواجب على كل مسلم ان يدرك خطورة الامر وان يعلم ان هذا حق خالص لله عز وجل لا يجوز ان يشرك معه فيه غيره وكيف يشرك المخلوق الضعيف العاجز بالملك العظيم الذي بيده ازمة الامور المتفرد باجابة الدعاء وكشف الكروب الذي له الامر كله وبيده الخير كله واليه يرجع الامر كله لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه الذي سبحانه وتعالى ما تعلق به ضعيف الا افاده القوة ولا دليل الا اناله العزة ولا فقير الا اعطاه الغنى ولا مستوحش الا انسه ولا مغلوب الا ايده ونصره ولا مضطر الا كشف ضره ولا شريد الا اواه فهو سبحانه الذي يجيب المضطرين ويغيث الملهوفين ويعطي السائلين لا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع لا اله الا هو الملك الحق المبين فانه لا يكون الها مستحقا للعبادة الا من كان خالقا رازقا مالكا متصرفا مدبرا لجميع الامور حيا قيوما سميعا بصيرا عليما حكيما موصوفا بكل كمال منزها عن كل نقص غنيا عمن سواه مفتقرا اليه كل ما عداه لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارظ ولا تخفى عليه خافية وهذه صفات الله جل وعلا التي لا تنبغي الا له ولا يشاركه فيها غيره فكذلك لا يستحق ان يسأل الا هو لكمال صفاته وكمال غناه جل وعلا وقد اجمع اهل العلم على ان من صرف شيئا من الدعاء لغير الله فهو مشرك بالله فليحذر من يريد لنفسه الفوز والسعادة من هذا الاثم المبين والخطر العظيم ثم ينبغي ان يتنبه الى ان هذا التفضيل للدعاء في قوله صلى الله عليه وسلم الدعاء هو العبادة وقوله افضل العبادة الدعاء لا يعني تفضيل الدعاء على غيره من العبادات مطلقا بل ان جنس الذكر افضل من جنس الدعاء من حيث النظر الى كل منهما مجردا وقراءة القرآن افضل من الذكر. والذكر افضل من الدعاء. هذا من حيث النظر الى كل منها مجردا وقد يعرض للمفضول ما يجعله اولى من الفاضل وهذا باب شريف من العلم ينبغي للمسلم ان يدركه وان يعتني بفهمه ليدرك الافضل في كل وقت وكل حال وليحوز على الاكمل له في عبادته لربه وطاعته لمولاه في عبادته لربه وطاعته لمولاه في كل زمان ومكان وقد ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ضابطا دقيقا للتفاضل بين العبادات وتنوع ذلك بحسب اجناس العبادات واوقاتها واختلاف امكنتها واختلاف القدرة على القيام بها ونحو ذلك وعلى ضوءه يدرك المسلم الافضل له بحسب تلك الاعتبارات المشاري اليها قال رحمه الله ان الافضل يتنوع تارة بحسب اجناس العبادات كما ان جنس الصلاة افضل من جنس القراءة وجنس القراءة افضل من جنس الذكر وجنس الذكر افضل من جنس الدعاء وتارة يختلف باختلاف الاوقات كما ان القراءة والذكر والدعاء بعد الفجر والعصر هو المشروع دون الصلاة وتارة باختلاف عمل الانسان الظاهر كما ان الذكر والدعاء في الركوع والسجود هو المشروع دون القراءة وكذلك الذكر والدعاء في الطواف مشروع بالاتفاق واما القراءة في الطواف ففيها نزاع معروف وتارة باختلاف الامكنة كما ان المشروع بعرفة ومزدلفة وعند الجمار وعند الصفا والمروة والذكر والدعاء دون الصلاة ونحوها والطواف بالبيت للوارد افضل من الصلاة والصلاة للمقيمين بمكة افضل وتارة باختلاف مرتبة جنس العبادة فالجهاد للرجل افضل من الحج. واما النساء فجهادهن الحج والمرأة المتزوجة طاعتها لزوجها افضل من طاعتها لابويها بخلاف الايمة فانها مأمورة بطاعة ابويها وتارة يختلف باختلاف حال قدرة العبد وعجزه فما يقدر عليه من العبادات افضل في حقه مما يعجز عنه وان كان جنس المعجوز عنه افضل. وهذا باب واسع يغلو فيه كثير من الناس ويتبعون اهواءهم فان من الناس من يرى ان العمل اذا كان افضل في حقه لمناسبة له ولكونه انفع لقلبه واطوع لربه يريد ان يجعله افضل لجميع الناس. ويأمرهم بمثل ذلك والله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالكتاب والحكمة وجعله رحمة للعباد وهاديا لهم يأمر كل انسان بما هو اصلح له فعلى المسلم ان يكون ناصحا للمسلمين يقصد لكل انسان ما هو اصلح له وبهذا تبين لك ان من الناس من يكون تطوعه بالعلم افضل له ومنهم من يكون تطوعه بالجهاد افضل ومنهم من يكون تطوعه بالعبادات البدنية كالصلاة والصيام افضل له والافضل المطلق ما كان اشبه بحال النبي صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا. فان خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه رحمه الله وهو كما ترى مشتمل على تحقيق متقن وتأصيل واف في هذا الباب العظيم لمن اراد لنفسه الافظل والاكمل في العبادات والامور المقربة الى الله عز وجل وحاصله ان الافضل في كل وقت وحال هو مراعاة سنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت والحال والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه. فبذلك يدرك المسلم الكمال ويظفر بالافضل والاكمل على انه ينبغي ان يعلم ان الاعمال المتساوية في الجنس تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الايمان بالله والمحبة له والتعظيم لشرعه وقصد وجهه بالعمل تفاضلا لا يحصيه ولا يحيط به الا الله ومن لطيف ما يذكر في هذا الباب ما اورده الذهبي رحمه الله في سير علام النبلا في ترجمة الامام ما لك بن انس امام دار الهجرة رحمه الله ان عبدالله ابن عمر العمري العابد كتب الى الامام مالك يحضه على الانفراد والعمل فكتب اليه مالك ابن انس رحمه الله ان الله قسم الاعمال كما قسم الارزاق فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم واخر فتح له في الجهاد فنشر العلم من افضل اعمال البر وقد رضيت بما فتح لي وما اظن ما انا فيه بدون ما انت فيه وارجو ان يكون كلانا على خير وبر هذا واسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته