بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه. وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن فضل الدعاء في ضوء ما ورد في السنة النبوية عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس شيء اكرم على الله من الدعاء. رواه الترمذي وابن ماجة في هذا الحديث بيان عظيم شأن الدعاء وعلو مكانته. وانه كريم على الله وحبيب اليه سبحانه وليس شيء اكرم على الله من الدعاء وفيه محبة الله عز وجل للدعاء ولعباده الداعين وفيه ان الدعاء مستجاب لا يرد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله والكريم الرحيم اذا سئل شيئا بعينه وعلم انه لا يصلح للعبد اعطاؤه اعطاه نظيره كما يصنع الوالد بولده اذا طلب منه ما ليس له فانه يعطيه من ماله نظيره ولله المثل الاعلى وكما فعل النبي عليه الصلاة والسلام لما طلبت منه طائفة من بني عمه ان يوليه ولاية لا تصلح لهم فاعطاهم من الخمس ما اغناهم عن ذلك وزوجهم كما فعل بالفضل ابن عباس وربيعة ابن الحارث ابن عبد المطلب وقد روي في الحديث ليس شيء اكرم على الله من الدعاء وهذا حق انتهى كلامه رحمه الله وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يدعو الله سبحانه غضب عليه رواه الترمذي وابن ماجة واللفظ له اي ان الله عز وجل يغضب ممن يعرظ عن سؤاله ويرغب عن دعائه سبحانه ومفهوم المخالفة لذلك ان الله يحب من يدعوه اذا كان يغضب ممن يترك دعاءه فهو يحب من يدعوه ويقبل عليه سبحانه وتعالى بالدعاء وكلما عظم الحاح العبد على الله بالدعاء والسؤال عظم حب الله له فهو يحب عباده الملحين عليه بالدعاء. يقول الشاعر والله يغضب ان تركت سؤاله وبني ادم حين يسأل يغضب ابن ادم اذا الح عليه بالسؤال غضب ممن يسأله بينما رب العالمين يلح بينما رب العالمين جل وعلا يحب الحاح الملحين ويحب تضرع المتضرعين المكثرين من السؤال والدعاء بل انه امر بذلك قال جل وعلا ادعوا ربكم تضرعا وخفية لان الدعاء هيئة ذل وافتقار يحبها الله ويحب من عبده ان يفتقر اليه وان يتذلل بين يديه وان يسأله حاجته كلها الدينية والدنيوية والاخروية. لانها كلها بيده وفي الدعاء اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري واصلح لي دنياي التي فيها معاشي واصلح لي اخرتي التي فيها معادي وصلاح الدين والدنيا والاخرة كله بيد الله قال الاوزاعي رحمه الله كان يقال افضل الدعاء الالحاح على الله والتضرع. رواه البيهقي في شعب الايمان وفي الحديث ايضا دليل على ان الدعاء من العبد لربه من اهم الواجبات واعظم المفروظات لان تجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه وقد تقدم قوله تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وهو يدل على ان ترك العبد دعاء ربه يعد من الاستكبار وتجنب ذلك لا شك في وجوبه وعنه رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر فيقول من يدعوني فاستجيب له من يسألني فاعطيه من يستغفرني فاغفر له. رواه البخاري ومسلم هذا الحديث حديث النزول الالهي حديث عظيم ببيان وقت شريف للدعاء وان الدعاء فيه مستجاب وارجى من غيره وهو الثلث الاخير من الليل قال الله تعالى والمستغفرين بالاسحار وقال جل وعلا وبالاسحار هم يستغفرون ويكفي شرفا لهذا الوقت ومكانة له ان رب العالمين سبحانه وتعالى ينزل فيه كما اخبر نبينا عليه الصلاة والسلام نزولا يليق بجلاله وكماله الى السماء الدنيا ولهذا جاء في بعض روايات الحديث ان الله يقول لا اسأل عن عبادي احدا غيري ويقول جل وعلا من يدعوني من يسألني من يستغفرني يقول ذلك جل وعلا في هذا الوقت كل ليلة فهو احرى اوقات اجابة الدعاء فالحديث دليل على فضل هذا الوقت المبارك وانه افضل اوقات الدعاء والاستغفار والاقبال على الله بالسؤال وان الدعاء في هذا الوقت مستجاب قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله والناس في اخر الليل يكون في قلوبهم من التوجه والتقرب والرقة ما لا يوجد في غير ذلك الوقت وهذا مناسب لنزوله الى سماء الدنيا وقوله هل من داع؟ هل من سائل؟ هل من تائب؟ انتهى كلامه رحمه الله ومما ورد ايضا في فضل الدعاء ما رواه البخاري في الادب المفرد وابن حبان في صحيحه عن ابي هريرة رضي الله عنه موقوفا والطبراني في الاوسط عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا قال اعجز الناس من عجز عن الدعاء وابخلوا الناس من بخل بالسلام فالدعاء امره يسير جدا على كل احد فهو لا يتطلب جهدا عند القيام به ولا يلحق الداعي بسببه تعب ولا مشقة ولهذا فان العجز عنه والتواني في ادائه هو اشد العجز وحري بمن عجز عنه مع يسره وسهولته ان يعجز عن غيره ولا يعجز عن الدعاء الا دني الهمة ضعيف الايمان ومما جاء في فضل الدعاء ما رواه الامام احمد وابن ماجة وغيرهما عن ثوبان رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يرد القدر الا الدعاء فهذا فيه دليل على ان الله سبحانه يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد وقد ورد في هذا المعنى احاديث عديدة وحاصل معناها ان الدعاء من قدر الله عز وجل اذ انه سبحانه قد يقضي بالامر على عبده قضاء مقيدا بان لا يدعون فاذا دعاه اندفع عنه وفي هذا دلالة على ان الدعاء من اعظم الاسباب التي تنال بها سعادة الدنيا والاخرة خلافا لمن يعتقد ان الدعاء لا تأثير له في حصول مطلوب ولا دفع مرهوب وانما هو مجرد عبادة محضة وان ما حصل به يحصل بدونه. ولا يقول هذا من عرف قدر الدعاء قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله. ولهذا امر الناس بالدعاء والاستعانة وغير ذلك من اسباب ومن قال انا لا ادعو ولا اسأل اتكالا على القدر كان مخطئا لان الله جعل الدعاء والسؤال من الاسباب التي تنال بها مغفرته ورحمته وهداه ونصره ورزقه واذا قدر للعبد خيرا يناله بالدعاء لم يحصل بدون الدعاء وما قدر الله وعلمه من احوال العباد وعواقبهم فانما قدره الله باسباب يسوق المقادير الى المواقيت فليس في الدنيا والاخرة شيء الا بسبب والله خالق الاسباب والمسببات انتهى كلامه ان حاجة المسلم الى الدعاء ماسة باموره كلها وضرورته اليه ملحة في شؤونه جميعها وقد ضرب احد اهل العلم لحال المسلم مع الدعاء مثلا بديعا تستبين به شدة حاجته اليه ويظهر به عظم ضرورته اليه روى الامام احمد في كتابه الزهد عن قتادة قال قال مورق رحمه الله ما وجدت للمؤمن مثلا الا رجلا في البحر على خشبة فهو يدعو يا رب يا رب لعل الله عز وجل ان ينجيه ومما ورد في فضل الدعاء ما رواه مسلم عن ابي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى ان او قال يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال الا من هديته فاستهدوني اهدكم يا عبادي كلكم جائع الا من اطعمته فاستطعموني اطعمكم يا عبادي كلكم عار الا من كسوته فاستكسوني اكسكم يا عبادي انكم تخطئون بالليل والنهار يا عبادي انكم تخطئون بالليل والنهار وانا اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم يا عبادي انكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فاعطيت كل انسان مسألته. ما نقص ذلك مما عندي الا كما ينقص المخيط اذا ادخل يا عبادي انما هي اعمالكم احصيها لكم ثم اوفيكم اياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه وفي هذا الحديث دلالة على ان الله يحب ان يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم من الطعام والشراب والكسوة وغير ذلك كما يسألونه الهداية والمغفرة والتوبة والاعانة على الطاعة ونحو ذلك ووعدهم سبحانه على ذلك كله بالاجابة وفيه ايضا دلالة على كمال قدرة الله سبحانه وكمال ملكه وان ملكه وخزائنه لا تنفد ولا تنقص بالعطاء ولو اعطى الاولين والاخرين من الجن والانس جميع ما سألوه في مقام واحد وفي ذلك حث على الاكثار من سؤاله. وانزال جميع الحوائج به وفي الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يد الله ملأى لا تغيظها نفقة اي لا تنقصها سحاء الليل والنهار. افرأيتم ما انفق ربكم منذ خلق السماوات والارض فانه لم يغض ما في يمينه وتأمل قوله سبحانه في الحديث المتقدم لم ينقص ذلك مما عندي الا كما ينقص المخيط اذا ادخل البحر فان فيه تحقيقا بان ما عند الله لا ينقص البتة كما قال الله تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق فان البحر اذا غمس فيه ابرة ثم اخرجت لم تنقص من البحر شيئا كذلك لو فرض ان عصفورا شرب منه انه لا ينقص من البحر شيئا وهو سبحانه اذا اراد شيئا من عطاء او عذاب او غير ذلك قال له كن فيكون كما قال سبحانه انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وقال سبحانه انما قولنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فيكون فكيف يتصور فيمن هذا شأنه ان ينقص ما عنده او ان ينفد هذا واسأل الله ان يوفقنا لكل خير وان يهدينا اليه صراطا مستقيما. انه سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته