بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فهذا حديث عن شروط الدعاء وادابه وهو باب مهم ينبغي على الداعي ان يعنى به ليكون ذلك موجبا لقبول دعائه وعدم رد سؤاله ذلك ان الدعاء له شروط واداب تثمر قبول الدعاء. وعدم رده وايضا ثمة موانع تمنع من اجابة الدعاء فعلى العبد ان يعنى بهذا المقام عناية عظيمة بان يعرف موجبات قبول الدعاء فيحققها لتكون سببا لقبول دعائه وان يعرف ايضا موانع قبول الدعاء ليتقيها ويحذرها لانها موجبة لرد دعائه وفي هذا الباب ايات واحاديث كثيرة قال الله تعالى فادعوا الله مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين هذا اهم شرط واعظم ضابط في هذا الباب ادعوا الله مخلصين له الدين اي اخلصوا الدعاء لله فلا تدعو الا الله. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم اذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الامة لو اجتمعوا على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء كتبه الله لك وان اجتمعوا على ان يظروك بشيء لن يظروك بشيء الا بشيء كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف ودعاء غير الله كفر وضلال قال الله تعالى ومن اضلوا ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة. وهم عن دعائهم غافلون وقال تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا وقال تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير والايات في هذا المعنى كثيرة هذا اعظم ضابط ان يكون الدعاء خالصا لله واذا كان العبد مخلصا بعبادته مفردا ربه بها موحدا فهذا اعظم النعم واكبر المنن ولهذا اتبع الاخلاص في الاية بالحمد فادعوا الله مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين فهذه اكبر نعمة واعظم منة ان يكون العبد من اهل الاخلاص والتوحيد ولهذا ختمت بحمده سبحانه وتعالى على هذه النعمة العظيمة وقال تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية. انه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها وادعوه خوفا وطمعا. ان رحمة الله قريب من المحسنين جمعت هاتان الايتان جملة من الاداب العظيمة للدعاء ولعلي اشير اليها باختصار الاول قوله ادعوا ربكم اي وحدوه دون سواه فالدعاء عبادة لا يلتجأ فيها الا الى رب العالمين. ولا يستحقها احد سواه الثاني قوله تضرعا والتضرع هو الالحاح ودوام السؤال والطلب اي الح على الله بالدعاء واكثر من الدعاء والسؤال الله يحب منك ان تلح عليه ويحب الحاح الملحين وتضرع المتضرعين الثالث قوله وخفية اي بينك وبين الله فلا ترفع صوتك به بل تدعوه دعاء خفيا بصوت خافت وليس المراد بخفية الا تحرك لسانك. بل حرك لسانك بكلمات الدعاء ولكن بصوت خافت قال الله عز وجل عن زكريا عليه السلام اذ نادى ربه نداء خفيا ناداه نداء خفيا ليكون اكمل واتم في اخلاصه لربه سبحانه وتعالى الرابع قوله انه لا يحب المعتدين والاعتداء في الدعاء بابه واسع ويمكن جمع ذلك في كل ما خالف السنة ففي الاية التحذير من الاعتداء في الدعاء بمخالفة هدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام قد قال عليه الصلاة والسلام سيأتي اقوام من امتي يعتدون في الدعاء الخامس قوله ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها اي بعد ان اصلحها الله بالتوحيد والسنة والهدي القويم الذي جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام فلا تفسدوها بالشرك ولا تفسدوها بالبدع والمعاصي بل اعتنوا بهذا الصلاح تحقيقا له ومداومة عليه وحفظا له وقد وسط سبحانه النهي عن الافساد في اثناء الامر بالدعاء للايذان بان من لا يعرف نفسه بالحاجة والافتقار الى رحمة ربه الغني القدير وفضله واحسانه ولا يدعوه تضرعا وخفية ولا خوفا من عقابه وطمعا في غفرانه فانه يكون اقرب الى الافساد منه الى الاصلاح السادس والسابع قوله وادعوه خوفا وطمعا اي اجمعوا في دعائكم بين الخوف والطمع الرجاء والخوف وهذان ركنان لابد منهما في كل عبادة بان تدعو الله وتعبده وتقوم بكل طاعة وانت ترجو رحمة الله وتخاف عذابه ثم ختمها بقوله ان رحمة الله قريب من المحسنين وهذا فيه اشارة الى تحقيق مقام الاحسان في العبادة وهو كما قال عليه الصلاة والسلام ان تعبد الله كأنك تراه قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله وحاصل ما ذكر الله من اداب الدعاء الاخلاص فيه لله وحده لان ذلك يتضمنه الخفية واخفاؤه واصراره وان يكون القلب خائفا طامعا لا غافلا ولا امنا ولا غير مبال بالاجابة. وهذا من احسان الدعاء فان الاحسان في كل عبادة بذل الجهد فيها واداؤها كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه ولهذا قال ان رحمة الله قريب من المحسنين اي في عبادة الله المحسنين الى عباد الله وكلما كان العبد اكثر احسانا كان اقرب الى رحمة ربه وكان ربه قريبا منه برحمته وفي هذا من الحث على الاحسان ما لا يخفى وقوله سبحانه ادعوا ربكم تضرعا وخفية تضمن كما تقدم ادبا عظيما من اداب الدعاء الا وهو اخفاؤه واصراره. وعدم الجهر به كما قال الله تعالى واذكر ربك في نفسك وقد ثبت في الصحيحين عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال رفع الناس اصواتهم بالدعاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايها الناس اربعوا على انفسكم فانكم لا تدعون اصم ولا غائبا ان الذي تدعونه سميع قريب قال الحسن البصري رحمه الله لقد ادركنا اقواما ما كان على الارض من عمل يقدرون ان يعملوه في السر فيكون علانية ابدا ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت ان كان الا همسا بينهم وبين ربهم عز وجل وذلك ان الله تعالى يقول ادعوا ربكم تضرعا وخفية وذلك ان الله ذكر عبدا صالحا رضي فعله فقال اذ نادى ربه نداء خفيا وقال ابن جريج رحمه الله يكره رفع الصوت والنداء والصياح في الدعاء ويؤمر بالتضرع والاستكانة فاخفاء الدعاء وعدم الجهر به ادب لا بد منه ويترتب عليه من الفوائد والفظائل والمنافع ما لا يعد ولا يحصى وقد ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله لاخفاء الدعاء فوائد عديدة يتبين من خلالها اهمية اخفاء الدعاء وكثرة العوائد والفظائل المترتبة على اخفائه احدها انه اعظم ايمانا لان صاحبه يعلم ان الله يسمع الدعاء الخفي وثانيها انه اعظم في الادب والتعظيم فاذا كان يسمع الدعاء الخفيف لا يليق بالادب بين يديه الا خفظ الصوت به ثالثها انه ابلغ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده فان الخاشع الذليل انما يسأل مسألة مسكين دليل. قد انكسر قلبه وذلت جوارحه وخشع صوته رابعها انه ابلغ في الاخلاص خامسها انه ابلغ في جمعية القلب على الذلة في الدعاء فان رفع الصوت يفرقه فكلما خفض صوته كان ابلغ في تجريد همته وقصده للمدعو سبحانه سادسها انه دال على قرب صاحبه للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد. ولهذا اثنى الله على عبده زكريا بقوله اذ نادى ربه نداء خفيا فلما استحضر القلب قرب الله وانه اقرب اليه من كل قريب اخفى دعاءه ما امكنه سابعها انه ادعى الى دوام الطلب والسؤال فان اللسان لا يمل والجوارح لا تتعب بخلاف ما اذا رفع صوته فانه قد يمل اللسان وتضعف قواه وهذا نظير من يقرأ ويكرر فاذا رفع صوته فانه لا يطول له. بخلاف من خفض صوته ثامنها ان اخفاء الدعاء ابعد له من القواطع والمشوشات فان الداعي اذا اخفى دعاءه لم يدري به احد فلا يحصل على هذا تشويش ولا غيره واذا جهر به فرطت الارواح البشرية ولابد ومانعته وعارظته ولو لم يكن الا ان تعلقها به يفزع عليه همته فيضعف اثر الدعاء ومن له تجربة يعرف هذا فاذا اسر الدعاء امن هذه المفسدة تاسعها ان اعظم النعمة الاقبال والتعبد ولكل نعمة حاسد على قدرها دقت او جلت ولا نعمة اعظم من هذه النعمة فان انفس الحاسدين متعلقة بها وليس للمحسود اسلم من اخفاء نعمته عن الحاسد وقد قال يعقوب ليوسف عليهما السلام لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا الاية فهذه جملة من الفوائد العظيمة والثمار الكريمة التي تترتب على اخفاء الذكر وعدم الجهر به ومن خلالها يظهر للمسلم اهمية اخفاء الدعاء واصراره. بخلاف الجهل به واعلانه فانه يترتب عليه ظد ذلك واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته