بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان من الضوابط المهمة للدعاء ان يحذر المسلم اشد الحذر من الاعتداء فيه والاعتداء هو تجاوز ما ينبغي ان يقتصر عليه يقول الله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه لا يحب المعتدين فارشد تبارك وتعالى في هذه الاية الكريمة عباده الى دعائه الذي هو صلاح دينهم ودنياهم واخراهم ثم نهاهم سبحانه في هذا السياق عن الاعتداء باخباره انه سبحانه لا يحب المعتدين فدل ذلك على ان الاعتداء مكروه له مسخوط عنده لا يحب فاعله ومن لا يحبه الله فاي خير ينال واي فضل يؤمل ثمان النهي عن الاعتداء في الاية وان كان جاء عاما يشمل كل نوع من الاعتداء الا انه لمجيئه عقب الامر بالدعاء يدل دلالة خاصة على المنع من الاعتداء في الدعاء والتحذير منه وبيان ان الدعاء المشتمل على الاعتداء لا يحبه الله من عباده ولا يرضاه لهم ولهذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى انه لا يحب المعتدين. قال في الدعاء ولا في غيره وعن قتادة رحمه الله في معنى الاية قال اعلموا ان في بعض الدعاء اعتداء فاجتنبوا العدوان والاعتداء ان استطعتم ولا قوة الا بالله وعن الربيع رحمه الله في معنى الاية قال اياك ان تسأل ربك امرا قد نهيت عنه او ما ينبغي لك وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ان من الامة من سيقع في الاعتداء في الدعاء وهو صلى الله عليه وسلم عندما اخبر بذلك اخبر به محذرا منه ناهيا عنه مبينا لخطره وهذا من تمامي وكمال نصحه لامته صلوات الله وسلامه عليه وهو ايضا من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم روى الامام احمد وابو داود وابن ماجة وغيرهم عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه انه سمع ابنه يقول اللهم اني اسألك القصر الابيظ عن يمين الجنة اذا دخنتها فقال اي بني سلي الله الجنة وتعوذ بالله من النار فاني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول سيكون في هذه الامة قوم يعتدون في الدعاء والطهور وروى الامام احمد وابو داوود عن سعد ابن ابي وقاص رضي الله عنه انه سمع ابنا له يدعو يقول اللهم اني اسألك الجنة ونعيمها واستبرقها ونحوا من هذا واعوذ بك من النار وسلاسلها واغلالها فقال لقد سألت الله خيرا كثيرا وتعوذت بالله من شر كثير واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انه سيكون قوم يعتدون في الدعاء وقرأ هذه الاية ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه لا يحب المعتدين وان بحسبك ان تقول اللهم اني اسألك الجنة وما قرب اليها من قول او عمل واعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول او عمل فاخبر صلوات الله وسلامه عليه انه سيكون قوم من امتي يعتدون في الدعاء ناهيا عن ذلك وليكون المسلمون في حيطة وحذر من الوقوع في شيء منه ولا سبيل الى السلامة من ذلك الا بلزوم السنة واقتفاء اثار الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال عليه الصلاة والسلام فانه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ان الاعتداء في الدعاء باب واسع اذ هو كما تقدم تعريفه تجاوز ما ينبغي ان يقتصر عليه وعلى هذا فكل مخالفة للسنة ومفارقة للهدي النبوي الكريم في الدعاء يعد اعتداء ومن المعلوم ان المخالفات متنوعة وكثيرة لا يجمعها نوع واحد ثم هي ايضا متفاوتة في خطورتها فمن الاعتداء ما قد يبلغ حد الكفر ومنه ما هو دون ذلك فمن اعتدى في دعائه بان دعا غير الله او سأله او طلب منه كشف ضره او جلب نفعه او شفاء مريضه او نحو ذلك فقد وقع في اعظم انواع الاعتداء في الدعاء واشدها خطرا ولهذا قال الله تعالى ومن اضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وحاصل كلام المفسرين في معنى هذه الاية ان الله تعالى حكم بانه لا اظل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة ومعنى الاستفهام في الاية انكار ان يكون في الضلال كلهم ابلغوا ضلالا ممن عبد غير الله ودعاه حيث يترك دعاء السميع المجيب القدير ويدعو من دونه الضعيف العاجز الذي لا قدرة له على الاستجابة كما قال الله تعالى له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء الا كباسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه؟ وما دعاء الكافرين الا في ضلال فهذا اخطر انواع الاعتداء في الدعاء واشدها ظررا قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فهؤلاء اعظم المعتدين عدوانا فان اعظم العدوان الشرك وهو وضع العبادة في غير موضعها. فهذا العدوان لابد ان يكون داخلا في قوله تعالى انه لا يحب المعتدين واي اعتداء اعظم واشد من هذا ان يصرف العبد حق الله الخالص الذي لا يجوز ان يصرف لاحد سواه الى مخلوق لا يملك لنفسه ضرا ولا ما رشد ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فضلا عن ان يملك شيئا من ذلك لغيره قال الله تعالى واتخذوا من دونه الهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون. ولا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا وقال تعالى ان الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم ان كنتم صادقين وقال تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض وما لهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وقوله تعالى انه لا يحب المعتدين قيل المراد انه لا يحب المعتدين في الدعاء كالذي يسأل ما لا يليق به من منازل الانبياء وغير ذلك وقد روى ابو داوود في سننه عن عبد الله ابن مغفل رضي الله عنه انه سمع ابنه يقول اللهم اني اسألك القصر الابيظ عن يمين الجنة اذا دخلتها فقال يا بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيكون في هذه الامة قوم يعتدون في الطهور والدعاء ثم قال رحمه الله وان كان الاعتداء مرادا بها فهو من جملة المراد والله لا يحب المعتدين في كل شيء دعاء كان او غيره كما قال الله تعالى ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين انتهى كلامه رحمه الله وعلى هذا فان الاية الكريمة تكون دالة على امرين اثنين احدهما محبوب الى الله مرغوب فيه وهو دعاء الله عز وجل تضرعا وخفية والثاني مكروه له مسخوط عنده محذر منه اشد التحذير وهو الاعتداء فامر بما يحبه وندب اليه ورغب فيه وحذر مما يبغضه وزجر عنه بما هو ابلغ طرق الزجر والتحذير وهو اخباره سبحانه بانه لا يحب فاعله. ومن لا يحبه الله فاي خير ينال واي فضل يؤمل ومن هنا كان متأكدا على كل مسلم ان يكون في حذر بالغ وحيطة كاملة من الاعتداء في الدعاء بتجاوز حد الشريعة فيه والبعد عن ضوابطه واصوله المعلومة والاعتداء مشتق من العدوان وهو تجاوز ما ينبغي ان يقتصر عليه من حدود الشريعة وضوابطها المعلومة كما قال الله تعالى تلك حدود الله فلا تعتدوها اي انما فصله الله سبحانه لعباده من الشرائع والاحكام يجب ملازمته والوقوف عنده وعدم تعديه ومن يتعدى حدود الله فقد ظلم نفسه واي ظلم للنفس انكى واشد من تجاوز الحدود الشرعية وضوابطها المهمة المتبعة ثم كيف يأمل المرء الاجابة ويطمع في القبول وهو متجاوز في دعائه ضوابط الشريعة ومتعد حدودها المقررة الدعاء المعتدى فيه لا يحبه الله ولا يرضاه فكيف يأمل صاحبه ان يستجاب منه ويقبل ومن الاعتداء في الدعاء سؤال الله عز وجل ما لا يجوز ان يسأله من المعونة مثلا على فعل المحرمات وارتكاب الذنوب وغشيان المعاصي كأن يسأل الله ان يعينه على سفر يريد به الاثم والباطل او ان ييسر له طريقا اراد به المعصية والعدوان ونحو ذلك ومن الاعتداء في الدعاء ان يسأل الله ما علم من حكمته سبحانه انه لا يفعله كأن يسأل الله تخليده الى يوم القيامة او ان يسأل الله ان يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة الى الطعام والشراب والهواء او ان يسأل الله اطلاعه على غيبه وما استأثر سبحانه بعلمه او ان يسأل الله ان يهب له ولدا من غير زواج ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ولا يحب فاعله ومن الاعتداء في الدعاء سؤال الله ما لا يليق بالسائل من المنازل والدرجات كأن يسأل الله منازل الانبياء والمرسلين او ان يكون ملكا او نحو ذلك وكذلك من الاعتداء في الدعاء ان يدعو الله غير متضرع بل يدعو دعاء يكون فيه كالمستغني المدلي على ربه ومن الاعتداء ان يعبده بما لم يشرع ويثني عليه بما لم يثني به على نفسه ولا اذن فيه ومن الاعتداء في الدعاء الدعاء على المؤمنين باللعنة والخزي والهوان قال بعض السلف في معنى المعتدين في الاية المتقدمة هم الذين يدعون على المؤمنين فيما لا يحل فيقولون اللهم اخزهم اللهم العنهم ونحو ذلك وجاء عن سعيد بن جبير في معنى الاية قال لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشر اللهم اخزه والعنه ونحو ذلك فان ذلك عدوان ومن الاعتداء في الدعاء رفع الصوت به رفعا يخل بالادب قال عبدالملك ابن عبد العزيز ابن جريج ان من الدعاء اعتداء يكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء. ويؤمر بالتضرع والاستكانة وعموما فان الانسان بحسب مفارقته للسنة وابتعاده عن هدي نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه يكون نصيبه من الاعتداء والتجاوز ومن لزم هدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وتقيد بسنته امن من الزلل وحفظ باذن الله من الخطأ. واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله. والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين. انه سميع قريب مجيب صلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته