بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن شروط الدعاء وادابه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايها الناس ان الله طيب لا يقبل الا طيبا وان الله امر المؤمنين بما امر به المرسلين. فقال يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا فاني بما تعملون عليم وقال يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر اشعث اغبر يمد يديه الى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فانى يستجاب لذلك؟ رواه مسلم يعد هذا الحديث من جوامع كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد جمع فيه صلوات الله وسلامه عليه جملة طيبة من اداب الدعاء وشروط قبوله والامور المانعة من القبول وقد بدأه عليه الصلاة والسلام بالاشارة الى خطورة اكل الحرام. وانه مانع من موانع قبول الدعاء ومفهوم المخالفة لذلك ان اطابة المطعم سبب من اسباب قبول الدعاء كما قال وهب بن منبه رحمه الله من سره ان يستجيب الله دعوته فليطب طعمته ولما سئل سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه قيل له تستجاب دعوتك قال ما رفعت الى فمي لقمة الا وانا عالم من اين مجيئها ومن اين خرجت اما من استمرأ والعياذ بالله اكل الحرام وشربه ولبسه والتغدي به فان فعله هذا يكون سببا موجبا لعدم اجابة دعوته ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث فان يستجاب لذلك اي كيف يستجاب له فهو استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد وقد يكون ايضا ارتكاب المحرمات الفعلية مانعا من الاجابة وكذلك ترك الواجبات كما قال بعض السلف لا تستبطئ الاجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي ولهذا فان توبة العبد الى ربه وبعده عن معاصيه واقباله على طاعته وعبادته واطابته لمطعمه ومشربه وملبسه وانكساره بين يديه وذله وخضوعه له سبحانه كل ذلك من موجبات القبول ومن اسباب اجابة الدعاء. واضداد ذلك من موجبات الرد لقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم اربعة اسباب عظيمة لقبول الدعاء. تقتضي اجابته احدها اطالة السفر والسفر بمجرده يقتضي اجابة الدعاء كما في حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن. دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده. رواه ابو داوود وابن والترمذي باسناد حسن ولفظ الترمذي ودعوة الوالد على ولده ومتى طال السفر كان اقرب الى اجابة الدعاء. لانه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الاوطان وتحمل للمشاق والانكسار من اعظم اسباب اجابة الدعاء الثاني ان يكون متواضعا متذللا مستكينا فهذا ايضا من مقتضيات الاجابة كما في الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رب اشعث اغبر مدفوع بالابواب لو اقسم على الله لابره رواه مسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلا متواضعا متضرعا. الحديث رواه ابو داوود وغيره الثالث مد اليدين الى السماء وهم من اداب الدعاء التي يرجى بسببها اجابته ففي سنن ابي داوود وغيره عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله حيي كريم يستحيي من عبده اذا رفع اليه يديه ان ردهما صفرا خائبتين الرابع الالحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته وهو من اعظم ما يطلب به اجابة الدعاء روي عن عطاء انه قال ما قال عبد يا رب يا رب ثلاث مرات الا نظر الله اليه فذكر ذلك للحسن فقال اما تقرأون القرآن ثم تلى قوله تعالى الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون افي خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته وما للظالمين من انصار ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار ربنا واتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة. انك لا تخلف الميعاد فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عمل عامل منكم. رواه ابو نعيم في الحلية ولهذا فان غالب الادعية المذكورة في القرآن مفتتحة باسم الرب. ولهذا لما سئل ما لك رحمه الله امن يقول في الدعاء يا سيدي؟ قال يقول يا رب كما قالت الانبياء في دعائهم فهذه اربعة اسباب عظيمة لاجابة الدعاء انتظمها قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الرجل يطيل السفر اشعث فاخبر يمد يديه الى السماء يا رب يا رب ومع ذلك استبعد صلوات الله وسلامه عليه اجابة دعائه لان مطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام. وغذي بالحرام فكيف يستجاب لمن كانت هذه حاله ولهذا فليتق الله عبد الله المؤمن في طعامه وشرابه وسائر شؤونه وليستعن بالله على ذلك التوفيق بيد الله وحده وعن ابن لسعد ابن ابي وقاص رضي الله عنه قال سمعني ابي وانا اقول اللهم اني اسألك الجنة ونعيمها وكذا وكذا واعوذ بك من النار وسلاسلها واغلالها وكذا وكذا فقال يا بني اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيكون قوم يعتدون في الدعاء فاياك ان تكون منهم انك ان اعطيت الجنة اعطيتها وما فيها من الخير وان اعدت من النار اعدت منها وما فيها من الشر. رواه ابو داوود ومثله ما رواه احمد وابو داوود وابن ماجة وغيرهم عن عبد الله ابن مغفل رضي الله عنه انه سمع ابنه يقول اللهم اني اسألك القصر الابيظ عن يمين الجنة اذا دخلتها فقال اي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيكون في هذا الامة قوم يعتدون في الطهور والدعاء ان دعوات النبي الكريم عليه الصلاة والسلام اتت جامعة للخير كله ففيها المطالب العالية والغايات النبيلة وفيها السلامة من الخطأ واذا كانت بهذا الوصف فلا يسوغ ان يدخل الانسان في هذه الدعوات الجامعة تفاصيل تنقص من هذا المعنى العظيم التي تضمنته دعواته عليه الصلاة والسلام ويتضح هذا بالمثال الذي ورد في هذا الحديث فعندما فصل ابن سعد اللهم اني اسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا واعوذ بك من النار وسلاسلها واغلالها وكذا وكذا قال له والده سعد رضي الله عنه يا بني اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيكون قوم يعتدون في الدعاء فاياك ان تكون منهم انك ان اعطيت الجنة اعطيتها وما فيها من الخير وان عدت من النار اعدت منها وما فيها من الشر محذرا له ان يكون من هؤلاء الذين يعتدون في دعائهم مرشدا له الى العناية بدعوات النبي صلى الله عليه وسلم في شمولها وجمعيتها للخير كله دون ان يدخل في هذه التفاصيل التي تدخله في جملة المعتدين بالدعاء واذا كان سعد قال ما قاله لابنه لاجل تلك الزيادة المستقيمة من حيث المعنى فكيف الشأن بمن في ايديهم ادعية فيها تفاصيل تتضمن شرا من الفاظ شركية او كلمات بدعية او مخالفات لهدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام الحاصل ان المسلم ينبغي له ان يعلم ان في الامة كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم من سيعتدي في الدعاء فليحذر ان يكون من هؤلاء والاعتداء في الدعاء من موجبات رده. ويكفي في ذلك قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد اي مردود على صاحبه غير مقبول منه لقد اخبر صلوات الله وسلامه عليه انه سيكون قوم من امتي يعتدون في الدعاء ناهيا عن ذلك وليكون المسلمون في حيطة وحذر من الوقوع في شيء منه. ولا سبيل الى السلامة من ذلك الا بلزوم واقتفاء اثار الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال عليه الصلاة والسلام فانه من يعش منكم فسيرى اختلافا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ان الاعتداء في الدعاء باب واسع اذ هو كما تقدم تعريفه تجاوز ما ينبغي ان يقتصر عليه وعلى هذا فكل مخالفة للسنة ومفارقة للهدي النبوي الكريم في الدعاء يعد اعتداء ومن المعلوم ان المخالفات متنوعة وكثيرة لا يجمعها نوع واحد ثم هي ايضا متفاوتة في خطورتها فمن الاعتداء ما يبلغ حد الكفر ومنها ما هو دون ذلك ومن هنا كان متأكدا على كل مسلم ان يكون في حذر بالغ وحيطة كاملة من الاعتداء في الدعاء بتجاوز حد الشريعة فيه والبعد عن ضوابطه واصوله المعلومة. والاعتداء مشتق من العدوان وهو تجاوز ما ينبغي ان يقتصر عليه من حدود الشريعة وضوابطها المعلومة كما قال تعالى تلك حدود الله فلا تعتدوها اي ان ما فصله سبحانه لعباده من الشرائع والاحكام يجب ملازمته والوقوف عنده وعدم تعديه ومن يتعدى حدود الله فقد ظلم نفسه. واي ظلم للنفس انكى واشد من تجاوز الحدود الشرعية وضوابطها المهمة المتبعة ثم كيف يأمل الاجابة ويطمع في القبول من يتجاوز في دعائه ضوابط الشريعة ويتعدى حدودها الدعاء المعتدى فيه لا يحبه الله ولا يرضاه. فكيف يؤمل صاحبه ان يستجاب منه ويقبل والحاصل ان العبد بحسب مفارقته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده عن هديه يكون نصيبه من الاعتداء في الدعاء ومن لزم هدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وتقيد بسنته امن الخطأ وتحققت له السلامة. واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده رسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته