بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن شروط الدعاء وادابه عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعو باثم او قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل يا رسول الله ما الاستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم ارى يستجب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. رواه مسلم ان من اداب الدعاء العظيمة الا يستعجل الداعي ويستبطئ الاجابة فيستحسر ويمل ويترك الدعاء ويقع في اليأس من روح الله والقنوط من رحمته قد دل الحديث على النهي عن استعجال الدعاء وان ذلك من موانع اجابته واسباب عدم قبوله وفي لفظ الحديث يستجاب لاحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي وفي المسند باسناد جيد من حديث انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل قالوا يا رسول الله كيف يستعجل قال يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي قال ابن حجر رحمه الله وفي هذا الحديث ادب من اداب الدعاء وهو انه يلازم الطلب ولا ييأس من الاجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام واظهار الافتقار حتى قال بعض السلف لانا اشد خشية ان احرم الدعاء من ان احرم الاجابة وقال الداودي يخشى على من خالف وقال قد دعوت فلم يستجب لي ان يحرم الاجابة. وما قام مقامها من الادخار والتكفير ونقل عن ابن بطال انه قال في شرح الحديث المعنى انه يسأم في ترك الدعاء فيكون كالمان بدعائه او انه اتى من الدعاء ما يستحق به الاجابة فيصيروا كالمبخل لربه الكريم الذي لا تعجزه الاجابة ولا ينقصه العطاء ان الواجب على من اراد ان يحقق الله رجاءه وان يجيب دعاءه ان يدعو ربه وهو موقن بالاجابة. عظيم الثقة بالله شديد الرجاء فيما عنده فاستعجال الاجابة افة من الافات تمنع ترتب اثر الدعاء عليه حيث ان المستعجل عندما يستبطئ الاجابة يستحسر ويدع الدعاء ويكون بذلك كما يقول ابن القيم رحمه الله بمنزلة من بذر بذرا او غرس غرسا فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وادراكه تركه واهمله وعن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما على الارض مسلم يدعو الله بدعوة الا اتاه الله اياها او صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدعو باثم او قطيعة رحم فقال رجل من القوم اذا نكثر قال الله اكثر. رواه الترمذي وروى الامام احمد والبخاري في الادب المفرد والحاكم وغيرهم عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها اثم ولا قطيعة رحم الا اعطاه الله بها احدى ثلاث اما ان يعجل له دعوته واما ان يدخرها له في الاخرة واما ان يصرف عنه من السوء مثلها قالوا يا رسول الله اذا نكثر. قال الله اكثر فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه لا بد في الدعوة الخالية من العدوان من اعطاء السؤل معجلا او مثله من الخير مؤجلا او يصرف عنه من السوء مثله الاجابة متحققة لكنها تتنوع قال ابن الجوزي رحمه الله اعلم ان دعاء المؤمن لا يرد غير انه قد يكون الاولى له تأخير الاجابة او يعوض بما هو اولى له عاجلا او اجلا فينبغي للمؤمن الا يترك الطلب من ربه فانه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض وقوله الله اكثر قال الطيبي اي الله اكثر اجابة من دعائكم. وقيل ان معناه فضل الله اكثر اي ما يعطيه من فضله وسعة كرمه اكثر مما يعطيكم في مقابل دعائكم وقيل الله اغلب في الكثرة فلا تعجزونه في الاستكثار فان خزائنه لا تنفد وعطاياه لا تفنى وقيل الله اكثر ثوابا وعطاء مما في نفوسكم فاكثروا ما شئتم فانه تعالى يقابل ادعيتكم بما هو اكثر منها واجل وعن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الجوامع من الدعاء ويدع ما بين ذلك. رواه ابو داوود وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخير وجوامعه وخواتمه. رواه احمد وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم اصحابه الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن وكان الصحابة رضي الله عنهم يطلبون منه ان يعلمهم دعاء يدعون به مع انهم كانوا اهل علم وفصاحة وكان صلى الله عليه وسلم يصوب من يخطئ منهم ولو في لفظ واحد من الفاظ الذكر والدعاء فالواجب على كل مسلم ان يعرف عظيم قدر الادعية النبوية ورفيع مكانتها وانها مشتملة على مجامع الخير وابواب السعادة ومفاتيح الفلاح في الدنيا والاخرة فخير السؤال ان يسأل المسلم ربه من خير ما سأله منه عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وافضل الاستعاذة ان يستعيذ بالله من شر ما استعاذ منه عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وان يحذر من الزيادة او الاستدراك على الدعوات المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام باظافة كلمة الى دعاء مأثور يستحسنها او زيادة جملة يستجودها وفيما يلي ذكر لبعض النماذج لما هو شائع من هذا القبيل فمن ذلكم قول بعضهم يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبي على دينك وقد ثبت هذا الدعاء مرفوعا الى النبي عليه الصلاة والسلام عن غير واحد من الصحابة بدون زيادة والابصار منها ما رواه الترمذي في جامعه والامام احمد في مسنده عن انس ابن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر ان يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قال الترمذي وفي الباب عن النواس بن سمعان وام سلمة وعبدالله بن عمرو وعائشة رضي الله عنهم ولعل من زاده اخذه من قوله تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ومقام الاية مقام اخر اذ هي في بيان عقوبة الله للمشركين بتقليب القلوب وجعل الغشاوة على الابصار. والحيلولة بينهم وبين الايمان وعدم التوفيق لسلوك الصراط المستقيم كذلك من الامثلة قول لا تكلني الى نفسي طرفة عين ولا اقل من ذلك. بزيادة ولا اقل من ذلك روى ابو داوود في سننه والامام احمد في مسنده وابن حبان في صحيحه من حديث ابي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال دعوات المكروب اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني الى نفسي طرفة عين واصلح لي شأني كله لا اله الا انت فزيادة ولا اقل من ذلك لا اصل لها في هذا الحديث والمقصود من ذكر طرفة العين بيان الافتقار الشديد الى الله عز وجل وعدم استغناء العبد عنه في اي لحظة مهما قلت كذلك من الامثلة قول من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون بزيادة وعبادك الصالحون وكذلك مثله في التعود وقد روى الامام احمد في مسنده والحاكم في مستدركه وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت ان ابا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاراد ان يكلمه عائشة تصلي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك بالجوامع الكوامل فلما انصرفت عائشة سألته عن ذلك فقال لها قولي اللهم اني اسألك من الخير كله عاجله واجله ما علمت منه وما لم اعلم واعوذ بك من الشر كله عاجله واجله ما علمت منه وما لم اعلم واسألك الجنة وما قرب اليها من قول او عمل واعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول او عمل واسألك من خير ما سألك عبدك ورسولك محمدا صلى الله عليه وسلم واستعيذك مما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم واسألك ما قضيت لي من امر ان تجعل عاقبته رشدا فزيادة وعبادك الصالحون في السؤال استدراك على هذا الدعاء الجامع الكامل ومن المعلوم ان الصالحين من عباد الله ليس عندهم مطالب في ادعيتهم زائدة عن المأثور عنه صلى الله عليه وسلم اذ دعواته عليه الصلاة والسلام حوت الخير كله والفضل اجمعا كذلك من الامثلة قول استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم وقد ثبت في السنة صيغ كثيرة للاستغفار ليس في شيء منها التقييد بالذنب العظيم بل صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله تقة وجله اوله واخره علانيته وسره. رواه مسلم. من حديث ابي هريرة رضي الله عنه وروى ايظا من حديث ابي موسى الاشعري رظي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يدعو بهذا الدعاء اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي واسرافي في امري وما انت اعلم به مني اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر وانت على كل شيء قدير قال العلامة ابن القيم رحمه الله في جلاء الافهام ومعلوم انه لو قيل اغفر لي كل ما صنعت كان اوجز ولكن الفاظ الحديث في مقام الدعاء والتضرع واظهار العبودية والافتقار واستحضار الانواع التي يتوب العبد منها تفصيلا احسن وابلغ من الايجاز والاختصار. انتهى كلامه فكيف اذا بمن يقصر طلب المغفرة على الذنب العظيم ومثل هذا كثير في واقع الناس وحالهم وما ذكر هو مجرد امثلة فيها التنبيه وفقنا الله اجمعين لكل خير واصلح لنا شأننا كله انه تبارك وتعالى سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبي الى محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته