بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله رسوله اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان افضل الذكر واجله شأنا وارفعه مكانة القرآن الكريم اذ هو خير ما ينبغي للعبد ان يذكر الله به فهو كلام الله تبارك وتعالى الذي هو خير الكلام واحسنه واصدقه وانفعه وهو وحي الله وتنزيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو افضل كتاب انزله الله تبارك وتعالى على افضل رسول على عبده ومصطفاه وخيرته من خلقه محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وفضل القرآن الكريم وشرفه امر لا يخفى على المسلمين وهو كتاب الله رب العالمين. وكلام خالق الخلق اجمعين وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الاهواء. ولا تلتبس به الالسن ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه. من قال به صدق ومن عمل به اجر ومن حكم به عدل ومن دعا اليه هدي الى صراط مستقيم والقرآن الكريم كله كتاب ذكر لله فذكر الله تعالى هو لب القرآن وروحه وحقيقته وغاية مقصوده يقول الله تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب وقال تعالى ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد وقال تعالى ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا وقال تعالى فذكر بالقرآن من يخاف وعيد والايات في هذا المعنى كثيرة وقد سمى الله سبحانه وتعالى كتابه العزيز ذكرا فقال وهذا ذكر مبارك انزلناه افانتم له منكرون وقال تعالى وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم وقال تعالى ذلك نتلوه عليك من الايات والذكر الحكيم وقال تعالى او عجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم وقال تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون وقال تعالى صاد والقرآن ذي الذكر وقال تعالى ان الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وفي هذا المعنى ايات كثيرة في القرآن الكريم ان تلاوة القرآن وتدبره هي اعظم ابواب الهداية فان الله تبارك وتعالى قد انزل كتابه المبين على عباده هدى ورحمة وضياء ونورا وبشرى وذكرى للذاكرين وجعله مباركا وهدى للعالمين وجعل فيه شفاء من الاسقام ولا سيما اسقام القلوب وامراضها. من شبهات وشهوات وجعله رحمة للعالمين يهدي للتي هي اقوم وصرف فيه سبحانه وتعالى من الايات والوعيد لعلهم يتقون او يحدث لهم ذكرا قال الله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين وقال تعالى ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون وقال تعالى وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون وقال تعالى وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه وقال تعالى ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا وقال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا ولهذا فان الله تبارك وتعالى امر عباده وحثهم على قراءة القرآن وتدبره في غير اية من القرآن قال الله تعالى افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقال تعالى افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها واخبر سبحانه انه انما انزله لتتدبر اياته. فقال جل وعلا كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا واياته وليتذكر اولوا الالباب وبين سبحانه ان سبب عدم هداية من ضل عن الصراط المستقيم هو ترك تدبر القرآن والاستكبار عن سمائه فقال تعالى قد كانت اياتي تتلى عليكم فكنتم على اعقابكم تنكسون مستكبرين به سامرا تهجرون افلم يتدبروا القول ام جاءهم ما لم يأت اباءهم الاولين اي انهم لو تدبروا القرآن لاوجب لهم الايمان ولمنعهم من الكفر والعصيان فدل ذلك على ان تدبر القرآن يدعو الى كل خير ويعصم من كل شر ووصف الله القرآن بانه احسن الحديث وانه تعالى ثنى فيه من الايات وردد القول فيه ليفهم وان جلود الابرار عند سماعه تقشعر خشية وخوفا وقال تعالى الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد وعاتب سبحانه المؤمنين على عدم خشوعهم عند سماع القرآن وحذرهم من مشابهة الكفار في ذلك وقال سبحانه الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون واخبر سبحانه عن القرآن انه يزيد المؤمنين ايمانا اذا قرأوه وتدبروا اياته فقال سبحانه انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون واخبر عن صالح اهل الكتاب ان القرآن اذا تلي عليهم يخرون للاذقان سجدا يبكون ويزيدهم خشوعا ايمانا وتسليما فقال سبحانه قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا واخبر سبحانه بانه لو انزل القرآن الكريم على جبل لخشع وتصدع من خشية الله وجعل هذا مثلا للناس يبين لهم عظمة القرآن وقوة اثره. فقال جل وعلا لو انزلنا هذا القرآن كان على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ثم مع هذا فان الله تعالى قد حذر عباده من الاعراض عن القرآن الكريم. اشد التحذير وبين لهم خطورة ذلك وما يجنيه من فعل ذلك من الاثم والوزر الذي يحمله معه يوم القيامة بسبب اعراضه عن القرآن وعدم تلقيه بالقبول والتسليم يقول الله تعالى وقد اتيناك من لدنا ذكرا من اعرض عنه فانه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا فاذا كان القرآن فاذا كان القرآن ذكرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولامته فيجب تلقيه بالقبول والتسليم والانقياد والتعظيم وان يهتدى بنوره الى الصراط المستقيم وان يقبل عليه بالتعلم والتعليم. واما مقابلته بالاعراض والصدود او بما هو اخطر من ذلك من الانكار والجحود فانه كفر لهذه النعمة يستحق فاعله العقوبة ولهذا قال تعالى من اعرض عنه فانه يحمل يوم القيامة وزرا وقوله في الاية وقد اتيناك من لدنا ذكرا. فيه وصف للقرآن الكريم بانه ذكر وقد مر معنا ايات كثيرة فيها هذا المعنى وهذا يعني ان القرآن الكريم فيه ذكر للاخبار السابقة واللاحقة وذكر يتذكر به ما لله تعالى من الاسماء الحسنى والصفات الكاملة ويتذكر به احكام الامر والنهي واحكام الجزاء وهذا ايضا مما يدل على ان القرآن مشتمل على احسن ما يكون من الاحكام التي تشهد العقول والفطر حسنها وكمالها ان كتابا هذا بعض شأنه لحري بكل مسلم ان يعظمه ويقدره حق قدره ويتلوه حق تلاوته بتدبر اياته والتفكر والتعقل لمعانيه وبالعمل بما يقتضيه وكما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله فلا شيء انفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر فلا شيء انفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فانه جامع لجميع منازل السائرين واحوال العاملين ومقامات العارفين وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والانابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الاحوال التي بها حياة القلب وكماله وكذلك يزجر عن جميع الصفات والافعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها فاذا قرأه بتفكر حتى مر باية وهو محتاج اليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة ولو ليلة فقراءة اية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم وانفع للقلب وادعى الى حصول الايمان وذوق حلاوة القرآن. انتهى كلامه رحمه الله ومن كان في قراءته القرآن على هذا الوصف اثر فيه القرآن غاية التأثير. وانتفع بتلاوته تمام الانتفاع وكان بذلك من اهل العلم والايمان الراسخين وهذا هو مقصود القرآن وغاية مطلوبه ولهذا يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به فانه ان لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من اهل العلم والدين وبهذا يظفر العبد ببركة القرآن قال الله تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولو الالباب فهو كتاب مبارك ونزل في ليلة مباركة وانزل على نبي مبارك ورسول مبارك صلوات الله وسلامه عليه فهو خير كتاب انزل على خير رسول صلوات الله وسلامه عليه وبركة هذا القرآن انما تنال بحسن التدبر لاياته والتأمل في معانيه والعمل بهداياته وهذا التدبر لكتاب الله هو مفتاح العلوم والمعارف وبه يستنتج كل خير وبه يزداد الايمان في القلب فانه يعرف بالرب المعبود وما له من صفات الكمال وما ينزه عنه من سمات النقص ويعرف الطريق الموصلة اليه وصفة اهلها وما لهم عند القدوم عليه ويعرف العدو الذي هو العدو الحقيقي والطريق الموصلة الى العذاب وصفة اهلها وما لهم عند وجود اسباب العقاب وكلما ازداد العبد تأملا فيه ازداد علما وعملا وبصيرا واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يهدينا اليه صراطا مستقيما. انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله لنبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته