بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن الاذكار المأثورة في طرفي النهار عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال اما لو قلت حين امسيت اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك رواه مسلم وفي رواية للترمذي من قال حين يمسي ثلاث مرات اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره حمى تلك الليلة. رواه الترمذي والحمة لدغة كل ذي سم كالعقرب ونحوها قوله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة اي لقيت امرا عظيما ووجعا شديدا لا اقدر على وصفه لعظم شدته فما سأله النبي عليه الصلاة والسلام عن العقرب بشيء كما هي حال كثير من الناس في هذا المقام تنصرف همتهم للسؤال عن العقرب حجمها او لونها او من اين اتت ونحو ذلك لكن وجه اليه ما يقيه في هذه الحال من سمها الموجع والمها الشديد وانه لو قدر ان عقربا او حية لدغته فانه لا يظره سمها ولهذا جاء عند الترمذي قصة نافعة تتعلق بالحديث يرويها سهيل ابن ابي صالح احد رواة الحديث يقول فكان اهلنا تعلموها فكانوا يقولونها كل ليلة فلدغت جارية منهم فلم تجد لها وجعا فهذه الجارية لدغتها العقرب ولم تشعر بشيء لكونها قد تحصنت بهذا التعود فقوله لم تضرك اي وان لدغت لا يضرك السم ولا يكون له نفوذ مؤثر في بدنك فبالمواظبة عليه كل ليلة يكون العبد محصنا في لياليه باذن الله عز وجل من هذه الاهوان من هذه الهوام وذوات السموم ولو قدر ان شيئا منها لدغه فانها لا تضره قوله في الحديث اعود اي التجأ فالاستعاذة الالتجاء والاعتصام. وحقيقتها الهرب من شيء تخافه الى من يعصمك منه ويحميك من شره فالعائذ بالله قد هرب مما يؤذيه او يهلكه الى ربه ومالكه واعتصم به والتجأ اليه والمراد بكلمات الله التامة قيل هي القرآن وقيل هي كلماته الكونية القدرية والمراد بالتامات اي الكاملات التي لا يلحقها نقص ولا عيب كما يلحق كلام البشر والاقرب ان المراد هنا الكلمات الكونية ولذا يأتي في بعض الاحاديث قوله اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وقوله من شر ما خلق اي من كل شر في اي مخلوق قام به الشر من حيوان او غيره انسيا كان او جنيا او هامة او دابة او ريحا او صاعقة اي نوع كان من انواع الشر وفي الحديث دلالة على مشروعية الاستعاذة بصفات الله وان الاستعاذة عبادة لا يجوز صرفها لغير الله. وان كلام الله ومنه القرآن ليس بمخلوق اذ لو كان مخلوقا لم يستعذ به لان الاستعاذة بالمخلوق لا تجوز بل هي شرك بالله وقوله عليه الصلاة والسلام من قال اذا امسى ثلاث مرات من اهل العلم من قال ان هذا دعاء يقال في المساء فقط وربما يقال ان الحكمة في انه في المساء فقط لان الغالب ان هذه الحشرات والحيات والعقارب تظهر في الليل وتختفي في النهار وامر اخر ان الانسان اذا نام وكان حوله حيات وعقارب يخشى عليه منها لانه لا يشعر بها واما اذا كان غير نائم فانه يراها. ويشاهدها فالامر نوعا ما اخف وايسر وغالب لدغها في الليل ولهذا خصت هذه الدعوة في المساء قال من قال اذا امسى وبعض اهل العلم يقول لا بأس ان تقولها في جملة اذكار الصباح لان المعنى الذي تطلبه بقولها في المساء ايضا تطلبه في الصباح وعلى كل حال ظاهر الحديث انها تقال في المساء وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة ما يمنعك ان تستمعي ما اوصيك به ان تقولي اذا اصبحت واذا امسيت يا حي يا قيوم برحمتك استغيث اصلح لي شأني كله ولا تكلني الى نفسي طرفة عين. رواه النسائي في الكبرى هذا حديث عظيم في باب اذكار طرفي النهار مشتمل على وصية عظيمة الموصي هو سيد ولد ادم صلوات الله وسلامه عليه والموصى بذلك بنته سيدة نساء العالمين رضي الله عنها وارضاها وعن الصحابة اجمعين فهذه وصية لها شأن عظيم ينبغي على كل مسلم ومسلمة ان يعنى بها قال لها عليه الصلاة والسلام ما يمنعك ان تستمعي ما اوصيك به وهذا فيه حث لها رضي الله عنها ان تنتبه وان تعتني بهذه الوصية العظيمة التي سيوصيها بها عليه الصلاة والسلام قال ان تقولي اذا اصبحت واذا امسيت اي في الصباح وفي المساء يا حي يا قيوم برحمتك استغيث اصلح لي شأني كله ولا تكلني الى نفسي طرفة عين وهذه الكلمة التي جاءت في هذه الوصية والتي يستحب ان تقال في الصباح وفي المساء هي كلمة تفويض فيستحب للمسلم ان يفتتح يومه بالتفويض وان يبدأ ايضا مساءه وليله بالتفويض تفويض امره الى الله فقوله يا حي يا قيوم برحمتك استغيث اصلح لي شأني كله ولا تكلني الى نفسي طرفة عين تبدأ يومك مفوضا امرك الى الله متبرئا من حول نفسك وقوتها سائلا ربك جل في علاه الا يكلك الى نفسك لانه لو وكلك الى نفسك في يومك او وكلك الى نفسك في ليلتك وكلك الى ضعف وعجز التوفيق الا يكلك الله الا اليه والخذلان والعياذ بالله ان يوكل العبد الى نفسه ولهذا يستحب كل يوم ان تبرأ من حول نفسك وقوتها. وان تعلن ضعفك لا تكلني الى نفسي كأنك تقول انا ضعيف عاجز في كل اوقاتي في ظعف ابرأ من حول نفسي وقوتها لا حول لي ولا قوة الا بك فلا تكلني الى نفسي طرفة عين اي ولا وقتا يسيرا ولا لحظة يسيرة. فالمراد بطرفة العين الوقت اليسير ولهذا لا يصلح ان يضاف اليها ولا اقل من ذلك فهذا من الخطأ وفيه استدراك على الحديث لان طرفة العين هي اقل شيء قوله ان تقولي اذا اصبحت واذا امسيت يا حي يا قيوم هذا توسل الى الله بهذين الاسمين العظيمين ومن اهل العلم من يرى انهما اسم الله الاعظم الذي اذا دعي به اجاب واذا سئل به اعطى وقوله برحمتك استغيث اي اطلب منك يا الله متوسلا اليك برحمتك ان تغيثني طالبا منك نجاتي وسلامتي وعافيتي وقوله اصلح لي شأني كله هذه تتناول جميع شؤونك الدينية والدنيوية. وجميع مصالحك وانت بهذا الدعاء في الصباح وايضا في المساء تقر ان جميع مصالحك متعطلة الا اذا يسرها الله لك وغير ناجحة الا اذا وفقك الله واعانك على تحصيلها وقوله ولا تكلني الى نفسي اي الى فهمي ولا الى علمي ولا الى قدرتي ولا الى مهارتي ولا الى خبرتي الى اخره كل هذا ولا تكلني اليه بل لا تكلني الا اليك فعلمي قليل وقوتي ضعيفة وقدرتي واهية وكل احوالي ضعيفة لا حول لي ولا قوة الا بك فلا تكلني الى نفسي طرفة عين والانسان اذا وكل الى نفسه يظيع ومن اعتمد على غير الله على نفسه او على مخلوق من المخلوقات فهو في ظياع والمسلم لا يلجأ الا الى الله ولا يستعين الا بالله ولا يفوظ اموره الا الى الله فلا غنى له عن ربه طرفة عين. يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد فالعبد فيه فقر ذاتي لسيده ومولاه والله عز وجل فيه غنى كامل عن المخلوقات ولهذا لا غنى للانسان عن الله طرفة عين ولو وكل الانسان الى نفسه ولو لحظة واحدة ضاع فقوله فلا تكلني الى نفسي طرفة عين اي لا تكلني الا اليك واذا فوض العبد امره الى ربه وفق وكفي وهدي كما في دعاء الخروج من المنزل عن انس ابن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله قال يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت فتنحى له الشيطان فيقول له شيطان اخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟ رواه ابو داوود وقال الله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وقال تعالى اليس الله بكاف عبده وقال تعالى عليه يتوكل المتوكلون فالذي يتوكل على الله عز وجل ويعتمد تمام الاعتماد عليه ويلجأ اليه تمام الالتجاء يسدد ويوفق ويعان ويهدى الى صراط الله المستقيم. قال الله تعالى ومن يعتصم بالله قد هدي الى صراط مستقيم قال الشوكاني رحمه الله ببيان مكانة تلك الوصية وصية النبي صلى الله عليه وسلم لبنته فاطمة فيما تقوله كل صباح ومساء قال والحديث من جوامع الكلم. لان صلاح الشأن كله يتناول جميع امور الدنيا والاخرة فلا يفر شيء منها فيفوز قائل هذا اذا تفضل الله عليه بالاجابة لا خير للدنيا والاخرة مع ما في الحديث من تفويض الامور الى الرب سبحانه وتعالى فان ذلك من اعظم الايمان واجل خصاله واشرف انواعه وفقنا الله اجمعين لكل خير واصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته