بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فمن اذكار الصباح ما رواه مسلم عن جويرية رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد ان اضحى وهي جالسة فقال ما زلتي على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قلت بعدك اربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن. سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته هذا الذكر العظيم الثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم يسميه العلماء الذكرى المضعف لانه ذكر الفاظه قليلة وثوابه عظيم فجويرية رضي الله عنها جلست في مصلاها من بعد الصبح الى الضحى تذكر الله وما زالت على تلك الحال في ذكر لله عز وجل حتى رجع اليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها لقد قلت بعدك اربع كلمات ثلاث مرات سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن والذي قالته منذ اليوم ذكر كثير استمرت فيه من الصباح الى الضحى واخبرها عليه الصلاة والسلام انه قد قال بعدها تلك الكلمات التي لو وزنت بما قالته لوزنته يعني لو وضع ذكرها التي ذكرت الله سبحانه وتعالى به في ميزان وهذا الذكر في ميزان لكان معادلا له مساويا له وهذا فهم ذكره بعض اهل العلم للحديث وقيل لوزنة اي لرجحت عليهن اي لكانت اثقل منهن في الميزان فهذا ذكر مضعف قليلة الفاظه مظعف ثوابه عند الله سبحانه وتعالى قوله وهي في مسجدها المسجد قد يطلق على المبنى الذي بني واعد للصلاة في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه ويطلق على المكان الذي يسجد فيه ويصلى فيه كما في الحديث جعلت لي الارض مسجدا وطهورا فالمراد بقوله وهي في مسجدها اي مصلاها قوله سبحان الله وبحمده اي انزه الله واقدسه عن كل ما لا يليق به حامدا له مثنيا عليه بما هو اهله عدد خلقه اي عدد ما خلق الله وهذا لا يحصيه الا الله عز وجل ورضا نفسه ان يكونوا بهذا التسبيح والحمد رضى الله سبحانه وتعالى والفوز برظوانه والله جل وعلا يقول ورضوان من الله اكبر اي اكبر من كل شيء وزنة عرشه العرش اكبر المخلوقات. وهو سقفها وهو اثقل الاوزان ولهذا وصفه الله سبحانه في القرآن بالعرش العظيم وصفه بالعرش المجيد اي الواسع لان المجد هو السعة فالعرش هو اوسع المخلوقات واكبرها وهذا يدل على عظم شأن هذا التسبيح الذي زنته زنة عرش الرحمن ومداد كلماته المداد هو الحبر الذي يكتب به وكلمات الله ليس لها حد وليس لها احصاء لان كلام الله لا يتناهى لان الله تعالى متكلم بلا ابتداء ويتكلم بلا انتهاء فلا حصر لكلامه ولا نهاية له والمقصود ان الله سبحانه يستحق التسبيح بذلك القدر والعدد كقوله صلى الله عليه وسلم ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الارض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد وليس المراد ان العبد سبح تسبيحا بذلك القدر والعدد. فان فعل العبد محصور وانما المراد ما يستحقه الرب من التسبيح فذاك الذي يعظم قدره قال العلامة ابن القيم رحمه الله في شرح له لهذا الحديث وبيان ما فيه من لطائف جليلة ومعارف عظيمة قال وهذا يسمى الذكر المضاعف وهو اعظم ثناء من الذكر المفرد وهذا انما يظهر في معرفة هذا الذكر وفهمه فان قول المسبح سبحان الله وبحمده عدد خلقه تضمن انشاء واخبارا تضمن اخبارا عما يستحقه الرب من التسبيح عدد كل مخلوق كان او هو كائن الى ما لا نهاية له فتضمن الاخبار عن تنزيه الرب وتعظيمه والثناء عليه هذا العدد العظيم الذي لا يبلغه العادون ولا يحصيه المحصون وتضمن انشاء العبد لتسبيح هذا شأنه لا ان ما اتى به العبد من التسبيح هذا قدره وعدده بل اخبر ان ما يستحقه الرب سبحانه وتعالى من التسبيح هو تسبيح يبلغ العدد الذي لو كان في عدد ما يزيد عليه لذكره فان تجدد المخلوقات لا يتناهى عددا ولا يحصى الحاظر وكذلك قوله ورضا نفسه وهو يتضمن امرين عظيمين احدهما ان يكون المراد تسبيحا هو في العظمة والجلال مساويا لرضا نفسه كما انه في الاول مخبر عن تسبيح مساو لعدد خلقه ولا ريب ان رضا نفس الرب امر لا نهاية له في العظمة والوصف والتسبيح ثناء عليه سبحانه يتضمن التعظيم والتنزيه فاذا كانت اوصاف كماله ونعوت جلاله لا نهاية لها ولا غاية بل هي اعظم من ذلك واجل كان الثناء عليه بها كذلك اذ هو تابع لها اخبارا وانشاء وهذا المعنى ينتظم المعنى الاول من غير عكس واذا كان احسانه سبحانه وثوابه وبركته وخيره لا منتهى لها وهو من موجبات رضاه وثمراته فكيف بصفة الرضا وقوله وزنة عرشه فيه اثبات العرش واظافته الى الرب سبحانه وتعالى وانه اثقل المخلوقات على الاطلاق اذ لو كان شيء اثقل منه لوزن به التسبيح التضعيف الاول للعدد والكمية والثاني للصفة والكيفية والثالث للعظم والثقل وكبر المقدار وقوله ومداد كلماته هذا يعم الاقسام الثلاثة ويشملها فان مداد كلماته سبحانه لا نهاية لقدره ولا لصفته ولا لعدده قال تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا وقال تعالى ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم ومعنى هذا انه لو فرض البحر مدادا وجميع اشجار الارض اقلاما والاقلام تستمد بذلك المداد فتفنى البحار فتفنى البحار والاقلام وكلمات الرب لا تفنى ولا تنفد والمقصود ان في هذا التسبيح من صفات الكمال ونعوت الجلال ما يوجب ان يكون افضل من غيره انتهى كلامه رحمه الله فالحاصل ان هذا ذكر عظيم يستحب للمسلم ان يقوله ثلاث مرات في كل صباح تأسيا بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام ولنستشعر عظم نعمة الله علينا سبحانه وتعالى بان هدانا الى هذه الكلمات العظيمة والذكر المضاعف الذي رتب عليه سبحانه الاجور الكثيرة والثواب الجزيل كلمات قلائل لا تأخذ من العبد وقتا وفيها ثواب مضاعف ومع ذلك كثير من الناس يأتي عليه صباح واخر بل وصباحات وهو لا يقول هذا التسبيح اما لانه لا يعرف او لانه يعرفه ولكنه غير مهتم به وهنا انبه على فائدة تخص النساء في البيوت الا وهي ان ينظرن في طريقة نساء الصحابة امهات المؤمنين. وهن قدوة للمسلمات فجويرية رضي الله عنها تجلس في مصلاها تذكر الله سبحانه وتعالى حتى الضحى وهذا خير عظيم يفوت كثيرا من النساء اللاتي اذا صلت الواحدة منهن تصلي عجلة ثم تطوي مصلاها وتقوم ومن الخير لها ان تتأسى بنساء الصحابة بان تبدأ يومها بالصلاة والجلوس في المصلى تذكر الله وتطمئن في مصلاها ولا تكون عجلة واذا كان وراءها اعمال تضطرها للقيام بل تأخذ نصيبها وحظها من هذا الجلوس طلبا لبركة الابكار واذكار الصباح وطمأنينة القلب ثم بعد ذلك تنهض لاعمالها ومصالحها واولادها مستصحبة معها هذه البركة التي حصلتها في البكور وامر اخر انبه عليه وهو هل النبي عليه الصلاة والسلام عندما ارشدها الى الاربع الكلمات هل اراد منها ان تكتفي بها وتترك مصلاها والجلوس فيه والذكر الكثير الذي كانت تقوله او اراد ان يرشدها الى ذكر عظيم مضاعف تعتني به مع الاذكار التي كانت تحافظ عليها ومن المعلوم ان الذكر باب واسع وفي الصباح خاصة وردت اذكار عديدة يشرع للمسلم ان يأتي بها في صباحه من تسبيح وتهليل وتحميد ودعوات واذكار متنوعات من جملتها هذا الذكر المضاعف الذي ارشد اليه النبي عليه الصلاة والسلام فلما قال لها عليه الصلاة والسلام قلت بعدك كلمات لم يقله لها تزهيدا منه عليه الصلاة والسلام لها في الذكر الذي كانت جالسة في مصلاها من اجله ولا تزهيدا ايضا في هذا الجلوس وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الترغيب في هذا الجلوس قولا وفعلا في احاديث عديدة ففي صحيح مسلم عن جابر ابن سمرة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسناء وروى ابو داوود في سننه عن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لان اقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس احب الي من ان اعتق اربعة من ولد اسماعيل ولا ان اقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر الى ان تغرب الشمس احب الي من ان اعتق اربعة فالحاصل انه عليه الصلاة والسلام لما ذكر لها فضل هؤلاء الكلمات الاربع اراد ان تدرجها في جملة الاذكار التي تعتني بها في صباحها الباكر واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لسديد الاقوال وصالح الاعمال. انه سميع الدعاء وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته