بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي مسعود رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ بالايتين من اخر سورة البقرة في ليلة كفتاه. متفق عليه اي قول الله تعالى امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون الى اخر السورة وهاتان الايتان عظيمتان الاولى منهما فيها تقرير الايمان باصوله كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله وفيها ايضا الاستسلام لله وقالوا سمعنا واطعنا اي استسلمنا وانقضنا لامره طاعة وذلا وخضوعا والثانية فيها الاخبار بان الله لا يكلف العباد ما لا يطيقون. او ما يشق عليهم وتضمنت ايضا دعوات عظيمات مباركات مستجابات لان النبي صلى الله عليه وسلم اخبر ان الله قال قد فعلت اي اجبت لمن دعا بهذه الدعوات ويستحب للمسلم ان يواظب مواظبة مستمرة على قراءة هاتين الايتين كل ليلة ومعنى كفتاه اي من شر ما يؤذيه واما قول من قال معنى كفتاه اي تكفيانه عن قيام الليل فهذا غير صحيح وقد ورد عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه انه قال ما ارى احدا يعقل بلغه الاسلام ينام حتى يقرأ اية الكرسي وخواتيم سورة البقرة فانها من كنز تحت العرش وقوله انها من كنز تحت العرش هذا ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام من حديث ابي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطيت خواتيم سورة البقرة من بيت كنز من تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي رواه احمد فهما مما خص الله تبارك وتعالى به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وامته وكما في الحديث عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال لما اسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به الى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة اليها ينتهي ما يعرج به من الارض فيقبض منها واليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال اذ يغشى السدرة ما يغشى. قال فراش من ذهب قال فاعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا اعطي الصلوات الخمس واعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لم يشرك بالله من امته شيئا المقحمات. رواه مسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيظا من فوقه فرفع رأسه فقال هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط الا اليوم فنزل منه ملك فقال هذا ملك نزل الى الارض لم ينزل قط الا اليوم فسلم وقال ابشر بنورين اوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما الا اعطيته. رواه مسلم قوله امن الرسول بما انزل اليه من ربه. اخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهادة من الله له عليه الصلاة والسلام بايمانه بما انزل الله اليه وذلك يتضمن اعطاءه ثواب اكمل اهل الايمان زيادة على ثواب الرسالة والنبوة لانه صلى الله عليه وسلم شارك المؤمنين في الايمان ونال منه اعلى مراتبه. وامتاز عنهم بالرسالة والنبوة وقوله تعالى والمؤمنون عطف على الرسول وهو شهادة للمؤمنين بانهم امنوا بما امن به رسولهم صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله شهادة لهم جميعا بالايمان بالقواعد الخمسة التي لا يكون احد مؤمنا الا بها وهي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وقوله لا نفرق بين احد من رسله حكاية عن اهل الايمان انهم يقولون هذا اي انهم لا يفرقون بين احد من رسل الله. بل يؤمنون بجميعهم وقوله وقالوا سمعنا واطعنا اي سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه وقمنا به وامتثلنا العمل بمقتضاه وهذا اقرار منهم بركني الايمان الذين لا يقوم الا بهما وهما السمع المتطمن للقبول والتسليم والطاعة المتضمنة لكمال الانقياد وامتثال الامر ثم قالوا غفرانك ربنا واليك المصير لانهم علموا انهم لن يفوا مقام الايمان حقا مع القبول والطاعة الذي يقتضيه منهم وانهم لا بد ان تميل بهم غلبات الطباع ودواعي البشرية الى بعض التقصير في واجبات الايمان وانه لا يلم شعث ذلك الا مغفرة الله لهم فسألوه غفرانه الذي هو غاية سعادتهم ونهاية كمالهم فقالوا غفرانك ربنا ثم اعترفوا ان مصيرهم ومردهم الى مولاهم الحق الذي لا بد لهم من الرجوع اليه فقالوا واليك المصير. وهذا ايمان باليوم الاخر فتضمنت هذه الكلمات ايمانهم به ودخولهم تحت طاعته وعبوديته واعترافهم بربوبيته واضطرارهم الى مغفرته واعترافهم بالتقصير في حقه واقرارهم بالرجوع اليه يوم الحساب وقوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها اي لا يكلف الله احدا فوق طاقته بل جميع ما كلف عباده به امرا ونهيا فهم مطيقون له قادرون عليه وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم واحسانه اليهم وقوله تعالى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت اي للنفس ما كسبت من خير وعليها ما اكتسبت من شر وذلك في الاعمال التي تحت التكليف وفي هذا بيان ان ثمرة التكليف وغايته عائدة على العباد وانه سبحانه يتعالى عن انتفاعه بكسبهم وتضرره باكتسابهم كما في الحديث القدسي يا عبادي انكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني بل لهم كسبهم ونفعه وعليهم اكتسابهم وضرره. كما قال الله تعالى من اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها فلم يأمرهم تعالى بما امرهم به حاجة منه اليهم بل رحمة واحسانا وتكرما ولم ينهاهم عما نهاهم عنه الا حمية لهم. وحفظا وصيانة وعافية وقوله تعالى ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا ارشاد من الله تعالى للمؤمنين الى هذا الدعاء وذلك ان ما كلف به عباده عهود ووصايا تجب مراعاتها والمحافظة عليها وعدم الاخلال بشيء منها لكن غلبات الطباع البشرية تأبى الا النسيان والخطأ والضعف والتقصير فكان في هذا الدعاء سؤال المؤمنين ربهم مسامحته اياهم في ذلك كله ورفع موجبه عنهم وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله وضع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وهذا من عظيم من الله وواسع فضله سبحانه ان تجاوز عن عباده ما وقع منهم من قبيل الخطأ والنسيان او على سبيل الاكراه فله الحمد على فضله واحسانه وله الشكر سبحانه على منه واكرامه وقوله ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا اي لا تكلفنا من الاعمال الشاقة وان اطقناها كما شرعته للامم السابقة قبلنا من الاغلال والاثار التي كانت عليهم وهذا سؤال للتخفيف في امره تعالى ونهيه وقد بعث نبينا صلى الله عليه وسلم بذلك كما قال صلى الله عليه وسلم اني ارسلت بحنيفية سمحة رواه احمد من حديث ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقوله تعالى ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به سؤال بالقضاء والقدر والمصائب والبلاء اي لا تبتلين بما لا قبل لنا به وذلك انهم لما علموا انهم غير منفكين عما يأمرهم به وينهاهم عنه سألوه التخفيف في قضائه وقدره كما سألوه التخفيف في امره ونهيه وقوله تعالى واعف عنا واغفر لنا وارحمنا اي اعفو عنا فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا واغفر لنا فيما بيننا وبين عبادك فلا تظهرهم على مساوئنا واعمالنا القبيحة وارحمنا فيما يستقبل بالا نقع في ذنوب اخر ولهذا يقال ان المذنب محتاج الى ثلاثة اشياء ان يعفو الله عنه فيما بينه وبينه وان يستره عن عباده فلا يفضحه بينهم وان يسلمه فيما بقي فلا يقع في نظيره وهذه الثلاثة التي تضمنها هذا الدعاء وهي العفو والمغفرة والرحمة هي مدار سعادة العبد وفلاحه فالعفو متضمن لاسقاط حق الله ومسامحتهم به والمغفرة متظمنة لوقايتهم شر ذنوبهم واقباله عليهم ورظاه عنهم والرحمة متضمنة للامرين مع زيادة الاحسان والعطف والبر فالثلاثة تتضمن النجاة من الشر والفوز بالخير وقوله تعالى انت مولانا اي انت ولينا وناصرنا وعليك توكلنا وانت المستعان ولا حول ولا قوة لنا الا بك وهذا توسل باعترافهم انه سبحانه مولاهم الحق الذي لا مولى لهم سواه وهو ناصرهم وهاديهم وكافيهم ومعينهم ومجيب دعواتهم ومعبودهم الحق لا معبود لهم سواه وقوله تعالى فانصرنا على القوم الكافرين دعاء بالنصر على الاعداء ويتضمن ذلك قهرهم وشفاء صدورهم منهم واذهاب غيظ قلوبهم كما يتضمن التمكن من اعلان عبادة ربهم واظهار دينه واعلاء كلمته. واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته