بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن اذكار النوم عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما انه امر رجلا اذا اخذ مضجعه قال قل اللهم خلقت نفسي وانت توفاها لك مماتها ومحياها ان احييتها فاحفظها وان امتها فاغفر لها اللهم اني اسألك العافية فقال له رجل اسمعت هذا من عمر فقال من خير من عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم في هذا من الفائدة ان من اكرمه الله سبحانه وتعالى بتعلم الاذكار والادعية المأثورة وحافظ عليها عليه ان يعلمها غيره لان كثيرا من الناس بحاجة الى من يعلمهم الذكر المأثور فلا يبخل عليهم وليكن نهج المسلم كنهج الصحابة فها هو ابن عمر رضي الله عنهما يأمر رجلا ان يقول هذه الدعوات اذا اخذ مضجعه قد قال صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله وهذا من احسن الهدايا والتحف التي يقدمها المسلم لاخوانه قد كان الصحابة رضي الله عنهم يتهادون مسائل العلم يلقى احدهم اخاه فيقول له الا اهدي لك هدية؟ فيقول بلى فيقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا فيهديه حديثا قوله اللهم خلقت نفسي وانت توفاها هذا الاقرار بالتوفي والاحياء وانه لله وبيده سبحانه وتعالى جاء مقدمة بين يدي مطلوبه وحاجته فهو اولا يقر لله تبارك وتعالى بان الامور بيده انت خلقت نفسي اي انت الذي اوجدتها من العدم وخلقتني بعد ان لم اكن قال الله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا فهو يقر ويعترف لله بانه هو الذي خلق نفسه واوجدها من العدم اي انت يا الله تفردت بايجادها وانت يا الله تتوفاها اي تميتها متى شئت فموتي وقبض روحي ومفارقتي لهذه الحياة بيدك فالامر اليك وحدك قوله لك مماتها ومحياها. اي موتي لك وحياتي لك ملكا وتدبيرا ولهذا لما واسى النبي صلى الله عليه وسلم احدى بناته في وفاة ابنا لها قال لها لله ما اخذ وله ما اعطى اي الامر كله لله. وطوع تصريفه وتدبيره سبحانه وتعالى وعلى هذا يكون المعنى تكرار العبد بربوبية الله وتصرفه في العباد اماتة واحياء وخلقا وتدبيرا وقد يكون المعنى لك مماتها ومحياها اي احيا واموت لك مخلصا قائما بالطاعة ابتغي بها وجهك وهذا فيه اشارة الى فعل العبد في مماته ومحياه انه يحيى على الاسلام والطاعة ويموت على الايمان والتوحيد والاخلاص كما ورد في الدعاء في الصلاة على الجنازة اللهم من احييته منا فاحييه على الاسلام ومن توفيته فتوفه على الايمان قوله ان احييتها فاحفظها هذا هو المطلوب وما تقدم وسيلة بين يديه ان احييتها اي ان كتبت لنفسي حياة وفسحة في العمر فاحفظها اي بما تحفظ به عبادك الصالحين وان امتها فاغفر لها وهذا نظير ما تقدم في حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال فان امسكت نفسي فارحمها وان ارسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين وزاد هنا سؤال الله العافية. قال اللهم اني اسألك العافية والعافية شأنها عظيم. ومن اعطي العافية فقد اوتي الخير كله والعافية المطلوبة هنا مطلقة. فتشمل العافية في البدن والولد والمال وفي الدين والاخرة والدنيا وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا اذا اخذنا مضاجعنا ان نقول اللهم رب السماوات ورب الارض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والانجيل والفرقان اعوذ بك من شر كل دابة انت اخذ بناصيتها اللهم انت الاول فليس قبلك شيء وانت الاخر فليس بعدك شيء وانت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء اقضي عنا الدين واغننا من الفقر. رواه مسلم هذا دعاء عظيم يحسن بالمسلم ان يحافظ عليه كل ليلة عندما يأوي الى فراشه وهو مشتمل على توسلات عظيمة الى الله تبارك وتعالى بربوبيته لكل شيء في السماوات السبع والاراضين السبع والعرش العظيم وبانزاله لكلامه العظيم ووحيه المبين بان يحيط الانسان برعايته ويكلأه بعنايته ويحفظه من جميع الشرور ومشتمل ايضا على توسل الى الله جل وعلا ببعض اسمائه العظيمة الدالة على كماله وجلاله وعظمته واحاطته بكل شيء بان يقضي عن الانسان دينه ويغنيه من فقره قوله اللهم رب السماوات ورب الارض ورب العرش العظيم اي يا خالق هذه الكائنات العظيمة ومبدعها وموجدها من العدم وقد خص هذه المخلوقات بالذكر لعظمها وكبرها ولكثرة ما فيها من الايات البينات والدلالات الباهرات على كمال خالقها وعظمة مبدعها والا فان جميع المخلوقات صغيرها وكبيرها دقيقها وجليلها فيها اية بينة على كمال الخالق وعظمة المبدع سبحانه ولهذا عقب هذا الدعاء بقوله ربنا ورب كل شيء. وهذا تعميم بعد تخصيص لئلا يظن ان الامر مختص بما ذكر وقوله رب العرش العظيم فيه دلالة على عظمة العرش وانه اعظم المخلوقات وقد جاء في الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال ما الكرسي في العرش الا كحلقة من حديد القيت بين ظهري فلاة من الارض واذا كان هذا المخلوق بهذه العظمة والمجد والسعة فكيف بخالقه ومبدعه سبحانه وتعالى وقوله فالق الحب والنوى من الفلق وهو الشق اي الذي يشق حبة الطعام ونوى التمر وغيره لتخرج الاشجار والزروع فان النباتات اما اشجار اصلها النوى او زروع اصلها الحب والله سبحانه لكمال قدرته وبديع خلقه هو الذي يفتح هذا الحب والنوى اليابس الذي كالحجر لا ينمو ولا يزيد فينفرج وتخرج منه الزروع العظيمة والاشجار الكبيرة وفي هذا اية باهرة على كمال المبدع وعظمة الخالق سبحانه وتعالى قال الله تعالى ان الله فالق الحب والنوى وقوله ومنزل التوراة والانجيل والفرقان هذا فيه توسل الى الله عز وجل بانزاله لهذه الكتب العظيمة المشتملة على هداية الناس وفلاحهم وسعادتهم في الدنيا والاخرة وقد خص هذه الكتب الثلاثة لانها اعظم كتب انزلها الله وذكرها مرتبة ترتيبا زمنيا. فذكر اولا التوراة التي انزلت على موسى عليه السلام ثم الانجيل الذي انزل على عيسى عليه السلام ثم الفرقان وهو القرآن الذي انزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتمة الكتب المنزلة وناسخ لما قبله ثم قال بعد ذكره لهذه الوسائل العظيمة اعوذ بك من شر كل دابة انت اخذ بناصيتها وهذا شروع في ذكر رغبة الانسان وحاجته ومطلوبه من ربه سبحانه وقوله اعوذ بك اي انتج واعتصم بك واحتمي بجنابك من شر كل دابة انت اخذ بناصيتها والدابة هي كل ما يدب على الارض وهو يشمل الذي يمشي على بطنه او على رجلين او على اربع قال الله تعالى والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من ان يمشي على اربع وقوله انت اخذ بناصيتها في دلالة على ان المخلوقات كلها داخلة تحت قهره وسلطانه فهو سبحانه اخذ بنواصيها قادر عليها. يتصرف فيها كيف يشاء ويحكم فيها بما يريد قال الله تعالى فيما ذكره عن هود عليه السلام ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها والناصية مقدم الرأس ثم قال متوسلا الى الله سبحانه ببعض اسمائه الحسنى وصفاته العظيمة اللهم انت الاول فليس قبلك شيء وانت الاخر ليس بعدك شيء وانت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء وفي هذا دلالة على اولية الله سبحانه وانه قبل كل شيء وابديته سبحانه وبقائه بعد كل شيء وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه وفوقيته وانه الظاهر الذي لا شيء فوقه وقربه سبحانه من خلقه واحاطته بهم وانه جل وعلا الباطن الذي لا شيء دونه ومدار هذه الاسماء الاربعة على بيان احاطة الرب سبحانه. وهي احاطتان زمانية ومكانية اما الزمانية فقد دل عليها اسمه الاول والاخر واما المكانية فقد دل عليها اسمه الظاهر والباطن هذا مقتضى تفسير النبي صلى الله عليه وسلم ولا تفسير اكمل من تفسيره وقوله اقض عنا الدين واغننا من الفقر هو سؤال الله تبارك وتعالى وطلب منه سبحانه بعد تلك التوسلات وقوله اقض عنا الدين اي ادي عنا حقوق الله وحقوق العباد من جميع الانواع وفي هذا تبري الانسان من الحول والقوة وانه لا حول ولا قوة له الا بالله العظيم وقوله واغننا من الفقر والغنى هو عدم الحاجة. والفقر خلو ذات اليد والفقير هو من وجد بعض كفايته او لم يجد شيئا اصلا ومن المعلوم ان الدين والفقر كلاهما هم عظيم قد يؤرق الانسان ويمنعه من النوم فاذا لجأ العبد الى الله وطلب منه سبحانه وعونه متوسلا اليه بتلك التوسلات العظيمة فان نفسه عندئذ تسكن وتطمئن وقلبه يرتاح ويهدأ لانه وكل امره الى من بيده ازمة الامور ومقاليد السماوات والارض ولجأ الى من امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وكيف لا يطمئن القلب وقد تعلق بمن هذا شأنه واسأل الله ان يوفقنا اجمعين لكل خير والى لقاء اخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته