بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فهذا بيان لما يستحب للمسلم ان يقوله اذا خرج من منزله عن انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان فيقول له شيطان اخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟ رواه ابو داوود والترمذي هذا ذكر مبارك نافع للمسلم يستحب ان يقوله في كل مرة يخرج فيها من بيته لقضاء شيء من مصالحه الدينية او الدنيوية وذلك ليكون محفوظا في سيره معانا في قضاء مصالحه مسددا في وجهته وحاجته والعبد لا غنى له عن ربه طرفة عين ان يكون له حافظا ومؤيدا ومسددا وهاديا ولا ينال العبد ذلك الا بالتوجه الى الله عز وجل في حصوله ونيله فارشد صلوات الله وسلامه عليه من خرج من منزله الى ان يقول هذا الذكر المبارك ليهدى في طريقه وليكفى همه وحاجته وليوقى الشرور والافات قوله اذا خرج الرجل من بيته اي حال خروجه من بيته لا يقوله وهو في وسط المنزل لم يخرج بعد ولا يقوله ايضا بعد ما يمضي في الطريق. لكن لو فاته ذلك في اول الخروج فلا بأس ان يأتي به اذا خرج ومثل البيت المنزل الذي يسافر منه المسافر وقوله بسم الله اي بسم الله اخرج فكل فاعل يقدر فعلا مناسبا لحاله عندما يبسمل والباء في بسم الله للاستعانة اي اخرج طالبا من الله العون والحفظ والتسديد وقوله توكلت على الله اي اعتمدت عليه وفوضت جميع اموري اليه التوكل هو الاعتماد والتفويض وهو من اعمال القلوب ولا يجوز صرفه لغير الله بل يجب اخلاصه لله وحده قال الله تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين اي عليه وحده لا على غيره فجعل ذلك شرطا في الايمان. والتوكل اجمع انواع العبادة واعلى مقامات التوحيد واعظمها لما ينشأ عنه من الاعمال الصالحة والطاعات المتنوعة فانه اذا اعتمد العبد على الله في جميع اموره الدينية والدنيوية دون من سواه صح اخلاصه وقويت صلته بربه وزاد اقباله عليه وكفاه الله همه. قال الله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه اي كافيه ومن كان الله كافيه فلا مطمع فيه لعدو ولو كادت له السماوات والارض ومن فيهن لجعل الله له فرجا ومخرجا ورزقه الله من حيث لا يحتسب ورزقه من حيث لا يحتسب وفي هذا دلالة على عظم فضل التوكل وانه اعظم اسباب جلب المنافع ودفع المضار وقوله لا حول ولا قوة الا بالله هي كلمة اسلام واستسلام وتفويض الى الله وتبرأ من الحول والقوة الا به وان العبد لا يملك من امره شيئا وليس له حيلة في دفع شر ولا قوة في جلب خير الا بارادته سبحانه وقول لا حول ولا قوة الا بالله به تنال الاعانة من الله سبحانه وتعالى ومعنى لا حول ولا قوة الا بالله اي لا تحول من حال الى حال ولا حصول قوة للعبد الا بالله لا تحول من مرظ الى صحة ولا من فقر الى غنى ولا من جهل الى علم ولا من تقاعس عن العبادة الى الجد فيها الا بالله عز وجل ولو تأمل المسلم هذا الذكر لوجده من اوله الى اخره مشتملا على الالتجاء الى الله والاعتصام به والاعتماد عليه وتفويض الامور كلها اليه ومن كان كذلك حظي بحفظ الله وعونه وتوفيقه وتسديده وقوله يقال حينئذ وفي رواية يقال له هديت وكفيت ووقيت يجوز ان يكون القائل هو الله ويجوز ان يكون ملكا من الملائكة وقوله هديت اي الى طريق الحق والصواب بسبب استعانتك بالله على سلوك ما انت بصدده ومن يهده الله فلا مضل له وقوله وكفيت اي كفيت كل هم دنيوي او اخروي وقوله ووقيت اي حفظت من شر اعدائك من الشياطين وغيرهم وقوله فيتنحى عنه الشيطان اي يبتعد عنه الشيطان لانه من كان هذا شأنه فلا سبيل للشيطان عليه لانه قد اصبح في حصن حصين وحرز مكين يحمى فيه من الشيطان الرجيم وقوله فيقول شيطان اخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ان يقول احد الشياطين لهذا الشيطان الذي كان يريد اغواء هذا الشخص وايذاءه كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي اي كيف لك السبيل الى اغواء وايذاء رجل نال هذه الخصال الهداية والكفاية والوقاية وهذا يدلنا على عظم شأن هذا الذكر المبارك واهمية المحافظة عليه عند خروج المسلم من منزله في كل مرة يخرج فيها لينال هذه الاوصاف المباركة والثمار العظيمة المذكورة في هذا الحديث وهذا القول كفيت ووقيت وهديت وان كان من خرج من بيته لا يسمع صوتا ولا قائلا لكن المؤمن من ذلك على يقين فهذا من جملة الايمان بالغيب الذي مدح الله اهله بقوله هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب فيخرج على الثقة بالله تبارك وتعالى وحسن الاعتماد عليه مطمئنة نفسه بحصول الكفاية والهداية والوقاية وكل واحدة من هذه الثلاث لها متعلق وذلك ان من خرج من بيته لمصلحة دينية او دنيوية يحمل هم تحقق الامر الذي خرج لاجله وانشغل باله به ويحمل هم السلامة من الاشرار وكيد المؤذين وعدوان المعتدين ويحمل ايضا هم السداد والتوفيق والاصابة فيقال له في ذلك كله هديت وكفيت ووقيت اي هديت الى الطريق المستقيم والجادة السوية وسلمت من الضلال ويدخل في ذلك اهتدائه الى المصالح التي خرج لاجلها من مصالح دينه ودنياه وكفيت اي ما اهمك لان من يخرج يخرج مهتما لامر ما يحمل هم فعله وهم تحققه وصلاحه فيقال له كفيت اي امر هذا الذي اهمك ووقيت اي مما تخشى ان يحصل لك من ضرر او اذى او ظلم او عدوان او نحو ذلك ثمان المرأة في كل مرة يخرج فيها من بيته فان الشيطان عند بيته قاعد بانتظار خروجه وقد قال عليه الصلاة والسلام ان الشيطان قاعد لابن ادم باطرقه اي في كل طريق يسلكه فهو قاعد له فيه لا يكل ولا يمل وهذا يؤكد الحاجة الشديدة والضرورة الملحة الا ينسى المسلم هذه الكلمات في كل مرة يخرج فيها من بيته لانك في كل مرة تخرج فيها من بيتك تحتاج الى هذه الامور العظام الهداية والكفاية والوقاية وتحتاج ايضا ان يبتعد عنك الشيطان. ولهذا قال تنحى عنه الشيطان بمعنى ابتعد ومن خرج على هذه الحال خرج محصنا بالذكر ومن كان لله ذاكرا فليس للشيطان عليه سبيل ولهذا قال تنحى عنه الشيطان فيقول لشيطان اخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي انما سبيله على الغافلين كما قال الله عز وجل ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وتأمل هنا ان من يذكر الله هذا الذكر عندما يخرج من بيته يسلم من هذا الشيطان الذي يرصده ليخرج ويسلم ايضا من اعوانه واخوانه من الشياطين وهذا فيه فائدة ان الذي يرصد الانسان لاروائه ليس شيطانا واحدا بل شياطين ولهذا اذا خرج المسلم من بيته مسميا ذاكرا لله اعلم الشياطين بعضهم بعضا ان هذا لا سبيل لهم عليه فلا يتعرض له احد منهم لانه خرج وهو في حصن حصين وحرز متين يحميه باذن الله تبارك وتعالى من الشيطان عجيب ومن فوائد هذا الحديث ان التوكل لابد فيه من بذل السبب اما التوكل مع تعطيل الاسباب فهو تواكل فهذا المذكور في الحديث خرج من بيته واتجه الى مصالح دينه ودنياه وهذا بذل للاسباب وهو مع بذل السبب معتمد على الرب تبارك وتعالى الذي بيده ازمة الامور فلم يأتي بالتوكل مع تعطيل الاسباب ولم يأتي بالاسباب معتمدا عليها بل جاء بالامرين معا على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله وقال صلى الله عليه وسلم لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتعود بطانا فالطير بذلت السبب فهي تغدو تبحث عن الرزق لا تبقى في عشها تنتظر مجيئه ولهذا يخطئ بعض الناس في فهم التوكل فيظن ان التوكل ان يبقى الانسان معطلا الاسباب اعتمادا على التوكل وهذا تفريط واضاعة وقد قال سعيد بن جبير رحمه الله التوكل على الله جماع الايمان وذلك ان حقيقة التوكل هو عمل القلب وعبوديته اعتمادا على الله وثقة به والتزاء اليه وتفويضا اليه ورضا بما فيقضيه له لعلمه بكفايته سبحانه وحسن اختياره لعبده اذا فوض اليه اموره مع قيامه بالاسباب المأمور بها واجتهاده في تحصيلها وهو مصاحب للمؤمن في اموره كلها الدينية والدنيوية فهو مصاحب له في صلاته وصيامه وحجه وبره وغير ذلك من امور دينه ومصاحب له في جلبه للرزق وطلبه للمباح وغير ذلك من امور دنياه واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته