بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فقد تقدم ذكر حديث انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان فيقول له شيطان اخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي رواه ابو داوود والترمذي وهذا ذكر يستحب للمسلم ان يواظب عليه كل مرة يخرج فيها من بيته ومما يستحب ان يقال ايضا عند الخروج من المنزل ما رواه ابو داوود وابن ماجة عن ام سلمة رضي الله عنها قالت ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيت قط الا رفع طرفه الى السماء فقال اللهم اني اعوذ بك ان اضل او اضل او ازل او ازل او اظلم او اظلم او اجهل او يجهل علي ومن تأمل هذا الدعاء وجده موافقا للذي قبله في الغاية والمقصود فقوله في الحديث الاول هديت موافق لقوله في هذا الحديث اللهم اني اعوذ بك ان اضل او اضل وقوله وكفيت موافق لقوله او اظلم او اظلم وقوله ووقيت موافق لقوله او ازل او ازل او اجهل او يجهل علي فيكون العبد بذلك متعوذا بالله مما يبعده من الهداية والكفاية والوقاية ولا بأس لو ان العبد جمع بين هذين الدعائين وقول ام سلمة رضي الله عنها ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيتي قط الا رفع طرفه الى السماء فقال وذكرت الدعاء يفيد مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه في كل مرة فيها من بيته وفي هذا دلالة على اهمية مواظبة المسلم على هذا الدعاء في كل مرة يخرج فيها من منزله تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الخير والبركة والسلامة والغنيمة وقولها رضي الله عنها الا رفع طرفه الى السماء فيه دلالة على علو الله على خلقه وان الرب العظيم الذي ندعوه ونسأله ونرجوه مستو على عرشه بائن من خلقه. كما قال سبحانه وتعالى ثم استوى على العرش الرحمن فرفع الطرف الى السماء فيه ايمان بعلو الله كما ان رفع الايدي الى السماء فيه ايمان بعلو الله قال حافظ المغرب ابو عمر ابن عبدالبر رحمه الله في كتابه التمهيد وهو بصدد ذكر الادلة على علو الله قال ومن الحجة ايضا في انه عز وجل على العرش فوق السماوات السبع ان الموحدين اجمعين من العرب والعجم اذا كربهم امر او نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم الى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى وهذا اشهر واعرف عند الخاصة والعامة من ان يحتاج فيه الى اكثر من حكايته لانه اضطرار لم يؤنبهم عليه احد ولا انكره عليهم مسلم. انتهى كلامه رحمه الله وايضا في رفع الطرف الى السماء دلالة على اهمية استشعار مراقبة الله وانه سبحانه مطلع على عباده عليم بهم لا تخفى عليه منهم خافية وانا ازمة الامور بيده فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء اللهم اني اعوذ بك الى اخره الاستعاذة سبق بيان معناها وانها اعتصام بالله والتجاء اليه وفي هذا الدعاء التجاء الى الله عز وجل بان يحمي العبد من ان يقع في شيء من هذه الامور المذكورة وهي ان يضل او يضل او يزل او يزل او يظلم او يظلم او يجهل او يجهل عليه ومن المعلوم ان من يخرج من بيته لابد له في خروجه من مخالطة الناس ومعاشرتهم والناس اجناس واصناف ومعادن. واخلاقهم متفاوتة ومن يعاشرهم يخشى عليه منهم ويخشى عليهم منه. فهذا محتمل وذاك محتمل والناصح لنفسه يخاف ان يبتلى بسبب هذه المخالطة والمعاشرة بالعدول عن الطريق القويم والمسلك اقيم الذي ينبغي ان يكون عليه المسلم وذلك قد يكون متعلقا بالدين بان يضل او يضل او متعلقا بامر الدنيا بان يظلم او يظلم او متعلقا بشأن المخالطين والمعاشرين بان يزل او يزل او يجهل او يجهل عليه واستعاذ من جميع هذه الاحوال بهذه الالفاظ البليغة والكلمات الوافية الدقيقة وقوله اللهم اني اعوذ بك ان اضل او اضل فيه تعود بالله من الضلال وهو ضد الهداية وسؤاله تبارك وتعالى الاعاذة من الضلال متضمن طلب التوفيق للهداية وقوله ان اضل اي ان اضل في نفسي بان ارتكب امرا يفضي بي الى الضلال او اقترف ذنبا يجنح بي عن سبيل الهداية وقوله او اضل اي ان يضلني غيري من شياطين الانس والجن الذين لا هم لهم الا اظلال الناس وصدهم عن سواء السبيل وهذا فيه ان ظلال المرء قد يكون من نفسه الامارة بالسوء فتحرفه الى طريق الضلال وقد يكون بسبب اظلال شياطين الانس والجن له وقوله او ازل او ازل من الزلة وهي العثرة وذلك بان يهوي الانسان عن طريق الاستقامة ومن ذلك قولهم زلت قدم فلان اي وقع من علو الى هبوط ويقال طريق مزلة اي تزل عليها الاقدام ولا تثبت والمراد هنا الوقوع في الذنب من حيث لا يشعر تشبيها بزلة الرجل وقوله ازل اي من نفسي وقوله ازل اي ان يوقعني غيري في الزلل وقوله او اظلم او اظلم من الظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه وقوله او اظلم اي نفسي بايقاعها في الخطأ وجرها الى الاثم وغيري بان اعتدي عليه او اتصرف في ملكه بغير حق او اناله بشيء من الاذى والسوء وقوله او اظلم اي ان يظلمني احد من الناس في نفسي او مالي او عرضي وقوله او اجهل او يجهل علي من الجهل وهو ضد العلم وقوله اجهل اي افعل فعل الجهلة. واشتغل في شيء لا يعنيني او اجهل الحق الواجب علي وقوله او يجهل علي اي ان يجهل غيري علي بان يقابلني مقابلة الجهلاء بالسفاهة والوقاحة سباب ونحو ذلك ومن سلم من الغلط مع غيره في شيء من هذه الخصال ومن ان يغلط عليه غيره في شيء منها فقد عوفي وعوفي الناس منه فالحديث فيه التعوذ من هذه الامور من الطرفين من طرف متعوذ نفسه ومن طرف الناس الذين يلقاهم ويحتك بهم وقد كان بعض السلف يقول في دعائه اللهم سلمني وسلم مني ومن كان هذا شأنه سالما من شر الناس والناس سالمون من شره فهو على خير عظيم الحاصل ان هذا دعاء عظيم ينبغي على المسلم ان يحافظ عليه كل مرة يخرج فيها من بيته ليكون ملتجأ الى الله معتصما به سبحانه من ان يناله شيء من تلك الامور ثم عليه مع هذا الالتجاء ان يأخذ بالاسباب فيحذر اشد الحذر من الضلال والزلل والظلم والجهل فيكون بذلك جامعا بين فعل الاسباب والاستعانة عليها بالله سبحانه وتعالى ثم ان التوقيت للمجيء بهذا الدعاء توقيت في غاية المناسبة وهو انه يشرع للمسلم ان يقوله كل مرة يخرج فيها من بيته لاي مصلحة دينية او دنيوية لتتحقق له هذه المغانم والارباح ولو ان من خرج من منزله نسيه عند الخروج فلا حرج ان يأتي به بعد مضيه في الطريق لان المعنى هو طلب السلامة من الضلال والزلل والجهل والظلم لا يزال مطلوبا محتاجا اليه ثم من يدعو بهذا الدعاء عليه ان يبذل السبب بان يحرص عند ملاقاة الناس على حسن المعاملة وطيب المعاشرة بعد عن ايذاء الناس او الاعتداء عليهم ومن الاسباب المطلوبة هنا الا يلقي بنفسه في مواضع الفتن ثم يقول قد دعوت عندما خرجت من البيت بدعاء الخروج الذي تكون به السلامة ثم هو يلقي بنفسه في مواضع التهلكة فالواجب مع الدعاء ان يسلك المسالك السديدة والطرق السليمة والاماكن الطيبة ويبتعد عن اماكن الشر والريب والفساد فمع الالتجاء لا بد ان يأخذ بالاسباب فيحذر اشد الحذر من الضلال والزلل والظلم والجهل فيكون بذلك جامعا بين فعل الاسباب والاستعانة عليها بالله تبارك وتعالى قال الطيبي رحمه الله ان الانسان اذا خرج من منزله لابد ان يعاشر الناس ويزاول الامور فيخاف ان يعدل عن الصراط المستقيم فاما ان يكون في امر الدين فلا يخلو من ان يضل او يضل واما ان يكون في امر الدنيا فاما بسبب جريان المعاملة معهم بان يظلم او يظلم واما بسبب الاختلاط والمصاحبة فاما ان يجهل او يجهل عليه فاستعيذ من هذه الاحوال كلها بلفظ سلس موجز وروعي المطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية. انتهى كلامه رحمه الله هذا ولو واظب المسلمون في كل مرة يخرجون فيها من بيوتهم على هذا التعوذ المبارك مستشعرين اهمية الاحتراز من هذه الامور لسلمت المجتمعات المسلمة من كثير من الفتن والشرور التي لا تزال تتكرر وتقع فيها بسبب التفريط بالسنة وظعف العناية به والله وحده الموفق والمعين والهادي الى صراطه المستقيم. واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته