بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فالحديث عن ادعية الاستفتاح التي تشرع في اول الصلاة بعد تكبيرة الاحرام والصلاة لها مفتاح وافتتاح واستفتاح اما مفتاحها فهو الطهور واما افتتاحها فهو تكبيرة الاحرام واما استفتاحها فهو ما يقال بين تكبيرة الاحرام وقراءة الفاتحة من الذكر والدعاء عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم. رواه ابو داوود والتكبير هو اول ما يبدأ به المسلم صلاته يقول الله اكبر فاذا كبر دخل في الصلاة وحرمت عليه الامور التي تحرم على المصلي كالكلام والحركة ونحو ذلك قال ابن القيم رحمه الله فتحريمها تكبير الرب تعالى الجامع لاثبات كل كمال له وتنزيهه عن كل نقص وعيب وافراده وتخصيصه بذلك وتعظيمه واجلاله فالتكبير يتضمن تفاصيل افعال الصلاة واقوالها وهيئاتها فالصلاة من اولها الى اخرها تفصيل لمضمون الله اكبر واي تحريم احسن من هذا التحريم المتضمن للاخلاص والتوحيد واما الاستفتاح فقد ورد فيه صيغ عديدة ثبتت بها السنة عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام عن ابي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل ان يقرأ فقلت يا رسول الله بابي انت وامي ارأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول قال اقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد رواه البخاري ومسلم واللفظ له قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل ان يقرأ اي وقتا قصيرا وجاء في رواية اسكاتة اي سكتة يسيرة. قبل ان يقرأ اي قبل ان يشرع في قراءة الفاتحة قوله فقلت يا رسول الله بابي انت وامي اي افديك بابي وامي ارأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول وهذا فيه حرص الصحابة رضي الله عنهم على الخير وبحثهم عنه فلاحظ رضي الله عنه انه عليه الصلاة والسلام يسكت اسكاتة يسيرة بين التكبير والقراءة. فسأل بهذا الاسلوب اللطيف قال بابي انت وامي ارأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول سؤالا عن هديه عليه الصلاة والسلام وطريقته ليتأسى به صلوات الله وسلامه عليه قال اقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد وكله دعاء قائم على سؤال الله تبارك وتعالى ان يقيله من خطاياه وان ينقيه منها وان يباعد بينه وبينها قال في الجملة الاولى اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب بدأ بسؤال المباعدة بينه وبين خطاياه. كما بين المشرق والمغرب لانهما اوسع الجهات الموجودة وهي غاية ما يبالغ فيه في تباعد الجهات وقوله في الجملة الثانية اللهم نقني من خطاياي اي طهرني منها كما ينقى الثوب الابيظ من الدنس وخص الثوب الابيظ لانه يتميز عن غيره من الثياب بان الوسخ يظهر عليه والنقاء يظهر فيه بخلاف الاسود ويستفاد من هذا الدعاء فائدة مهمة في المسلك الذي ينبغي ان يكون عليه المسلم الا وهي انه ينبغي على المسلم ان يحرص على ان يكون دينه نقيا كنظافة الثوب الابيظ لا يلوثه شيء ولا يكدره دنس بل يحافظ على نقائه وطهره وصفائه وقال في الجملة الثانية اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ذكر هذه الامور الثلاثة في التنقية لان الماء ينظف وينقي والثلج والبرد يبرد والخطيئة لها دنس وحرارة وهذا اكمل ما يكون في التنقية من الذنوب قال ابن القيم رحمه الله وفي هذا الحديث من الفقه ان الداء يداوى بضده فان في الخطايا من الحرارة والحريق ما يضاده الثلج والبرد. والماء البارد ولا يقال ان الماء الحار ابلغ في ازالة الوسخ لان في الماء البارد من تصليب الجسم وتقويته ما ليس في الحر والخطايا توجب اثرين التدنيس والارخاء فالمطلوب مداواتها بما ينظف القلب ويصلبه فذكر الماء البارد والثلج والبرد اشارة الى هذين الامرين وقال الكرماني رحمه الله يحتمل ان يكون في الدعوات الثلاث اشارة الى الازمنة الثلاثة فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل للماضي واستفتاح الصلاة بهذا الاستفتاح في غاية المناسبة لان الصلاة من اعظم اسباب حصول الرحمة والمغفرة ونيل ثواب الله فكم هو عظيم في ملاقاة الله سبحانه وتعالى بهذه الصلاة ان يدخل المسلم هذه العبادة الشريفة العظيمة الجليلة بهذا النقاء. سائلا ربه ان ينقيه ومن خطاياه وان يباعد بينه وبينها وكما ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بهذا الدعاء صلاته فقد ورد كذلك في ادعيته المطلقة فعن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم اني اعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى واعوذ بك من فتنة الفقر واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الابيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب رواه البخاري ومسلم وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استفتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك رواه ابو داوود ورواه مسلم عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه موقوفا عليه ورد هذا الاستفتاح من طرق عديدة عن غير واحد من الصحابة وهو ثابت بمجموعها عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو بالنظر الى معناه افضل انواع الاستفتاحات الثابتة لانه اجمعها في باب الثناء على الله قد جمع الباقيات الصالحات التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل كل ذلك اجتمع في هذه الصيغة العظيمة فالتسبيح والتحميد في قوله سبحانك اللهم وبحمدك والتكبير يدل عليه وتعالى جدك فهذا فيه عظمة الله عز وجل ولا اله غيرك فيه توحيد الله سبحانه وايضا التكبير جاء في الافتتاح فاجتمع في هذا الاستفتاح الكلمات الاربع التي هي احب الكلام الى الله سبحانه فسبب تفضيله على غيره كما يقول ابن تيمية رحمه الله وان فظل بعظ الذكر على بعظ هو لاجل ما اختص به الفاضل لا لاجل اسناده وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرفع به صوته يعلمه الناس عن عبدة ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك رواه مسلم قال ابن تيمية رحمه الله ولهذا شاع هذا الاستفتاح حتى عمل به اكثر الناس قوله سبحانك اللهم وبحمدك هذا فيه تسبيح الله وحمده سبحانه وتعالى ومعنى سبحانك اللهم اي انزهك يا الله وبحمدك هذا فيه ثناء على الله عز وجل فجمع بين التسبيح والحمد وفي الجمع بينهما جمع بين تقديس الله عز وجل وتنزيهه واثبات الكمال له وهذا الذي يقوم عليه توحيد الاسماء والصفات. التنزيه والاثبات تنزيه الله عز وجل عن النقائص وعما لا يليق به سبحانه واثبات الكمال له سبحانه وتعالى قوله وتبارك اسمك اي تعالى شأنك وعظم قدرك قوله تعالى جدك هذا فيه اثبات العظمة والجلال والكبرياء والتعالي لله سبحانه. وانه لا اكبر منه ولا اعظم منه ولا اجل منه سبحانه وتعالى وهذان اللفظان ثابتان في القرآن. قال الله تعالى تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام وقال تعالى في اول سورة الجن وانه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا قوله ولا اله غيرك هذا فيه توحيد الله عز وجل في العبادة. وانه المعبود بحق ولا معبود بحق سواه وبهذا يعلم ان هذا الاستفتاح كما انه جمع الكلمات الاربع التي هي احب الكلام الى الله فانه قد جمع انواع التوحيد الثلاثة التي عليها قيام الدين توحيد الربوبية وتوحيد الالوهية وتوحيد الاسماء والصفات وهذا يدل على كمال هذا الاستفتاح في معناه مع كماله في مبناه حيث اشتمل على اعظم الثناء والتمجيد لله عز وجل واشتمل على تحقيق التوحيد بانواعه توحيد الله عز وجل في ربوبيته وتوحيده سبحانه وتعالى في اسمائه وصفاته وتوحيده تبارك وتعالى في الوهيته ولاجل هذا كان هذا الاستفتاح افضل انواع الاستفتاحات قال ابن تيمية رحمه الله فافضل انواع الاستفتاح ما كان ثناء محضا مثل سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك وقوله الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا ولكن ذاك فيه من الثناء ما ليس في هذا فانه تضمن ذكر الباقيات الصالحات التي هي افضل الكلام بعد القرآن وتضمن قوله تبارك اسمك وتعالى جدك وهما من القرآن ايضا ولهذا كان اكثر السلف يستفتحون به وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجهر به يعلمه الناس واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان ينفعنا بما علمنا وان يزيدنا علما وتوفيقا انه سميع مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته