بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن ادعية الاستفتاح عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان اذا قام الى الصلاة قال وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما انا من المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وانا من المسلمين اللهم انت الملك لا اله الا انت انت ربي وانا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا انه لا يغفر الذنوب الا انت واهدني لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا انت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها الا انت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس اليك انا بك واليك تباركت وتعاليت استغفرك واتوب اليك. رواه مسلم قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام الى الصلاة اي المكتوبة وغيرها وليس في طرق الحديث ما يدل على انه خاص بصلاة الليل بل هو عام يستفتح به كل صلاة وقد رواه الدار قطني بسند صحيح بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام الى الصلاة المكتوبة وهذا الاستفتاح قائم على الاخبار بالعبودية والدعاء والاستغفار قوله وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا اي لله وحده دون سواه ففيه التوجه لله عز وجل بالاخلاص قال الله تعالى ومن يسلم وجهه الى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى اي بلا اله الا الله قوله للذي فطر السماوات والارض اي للذي ابدعهما واوجدهما من العدم وهو الله سبحانه وتعالى حنيفا اي مائلا والحنيف هو المائل عن الشرك الى التوحيد. وعن المعصية الى الطاعة قال الله عز وجل في وصف نبيه ابراهيم الخليل عليه السلام ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين. ولهذا يسمى دين ابراهيم الحنيفية وما انا من المشركين اي بريء منه ومن اهله ولا يصح التوحيد الا بهذا قال الله تعالى قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله قوله ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ذكر الصلاة والنسك لانهما افضل العبادات الصلاة افضل العبادات البدنية والنسك افضل العبادات المالية وخصهما دون غيرهما بالذكر لشرفهما وعظم فضلهما ومن اخلص في صلاته ونسكه لله استلزم اخلاصه لله في سائر اعماله قد جمع الله بينهما في قوله فصل لربك وانحر وقوله قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وقوله ومحياي ومماتي اي ما احيا عليه من العبادة والطاعة وما اموت عليه من الايمان والخضوع كله لله رب العالمين وهذا فيه الاخلاص لله عز وجل قوله لا شريك له اي ليس له شريك في شيء من ذلك لا شريك له في صلاتي ولا شريك له في نسكي ولا شريك له فيما احيا عليه وما اموت عليه ليس لله تبارك وتعالى شريك في ذلك قوله وبذلك امرت اي وبذلك الاخلاص وحسن التوجه والتذلل والخضوع امرت اي امرني الله عز وجل كما قال الله تعالى قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين قوله وانا من المسلمين هذا فيه الانتساب للاسلام قال الله تعالى هو سماكم المسلمين قال تعالى ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين قوله اللهم انت الملك لا اله الا انت فيه جمع بين التوحيدين العلمي والعملي العلم في قوله انت الملك اي الملك كله لك لا شريك لك في شيء من ذلك والعمل في قوله لا اله الا انت اي لا معبود بحق سواك والمعنى كما انك تفردت وحدك بالملك لا شريك لك فنفردك بالعبادة وحدك لا ند لك ثم اكد هذا التوحيد بنوعيه فقال انت ربي وانا عبدك فقوله انت ربي هذا التوحيد العلمي وقوله وانا عبدك هذا التوحيد العملي قوله ظلمت نفسي واعترفت بذنبي هذا اعتراف العبد بحاله وما عنده من الذنب والتقصير فقوله ظلمت نفسي ظلم النفس يكون بفعل الذنب ويكون بتقصير العبد في الطاعة والعبادة قوله فاغفر لي ذنوبي جميعا. هذا طلب للغفران جاء بعد تلك الوسائل العظيمة قوله انه لا يغفر الذنوب الا انت اي انت وحدك الذي تغفر الذنوب قال الله تعالى ومن يغفر الذنوب الا الله اي لا يغفرها احد سواك قوله واهدني لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا انت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها الا انت فيه سؤال الله سبحانه وتعالى ان يهدي عبده الى احسن الاخلاق واطيبها وازكاها لا يهدي لاحسنها سواه عن طاووس بن كيسان رحمه الله قال ان هذه الاخلاق منائح يمنحها الله عز وجل من يشاء من عباده فمن اراد الله بعبد خيرا منحه منها خلقا صالحا كثير من الناس يشتكي من رعونة اخلاقه وفظاظتها ومع ذلك هو مقصر في دعاء ربه ان يهديه لاحسن الاخلاق وان يعيذه من سيئها ومن صدق مع الله في هذا الدعاء اعطاه سبحانه من عظيم الخلق ما لا يحتسب وما لا يظن انه يحصله والله واسع اتفضل ومن دعا بهذا الدعاء عليه ببذل السبب وذلك بمجاهدة النفس على التحلي بالاخلاق الفاضلة والاداب الحسنة والبعد عن بعدها وفي الدعاء بهذه الدعوة في الصلاة في فاتحتها تنبيه الى ان الصلاة بوابة عظيمة ومدخل مبارك لاصلاح الاخلاق وتحسينها. والبعد عن سيئها وقد قال الله تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر قوله لبيك وسعديك التلبية استجابة لله سبحانه وامتثال لامره. فمعنى لبيك اي استجبت لنداءك وامتثلت امرك وسعديك اي اسعادا بعد اسعاد. والمراد طاعة بعد طاعة والمعنى اني سامع مطيع ممتثل ولك علي المنة في ذلك والحمد فيه عائد اليك قوله والخير كله في يديك اي خزائن الخير كلها بيدك ولهذا جاء في ادعية النبي صلى الله عليه وسلم قوله اللهم اني اسألك من كل خير خزائنه بيدك واعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك فالخير كله بيد الله فلا يطلب الا منه سبحانه ولا يلتجأ في طلبه الا اليه قوله والشر ليس اليك فيه تنزيه الله عن الشر ان ينسب اليه الشر لا ينسب الى الله بوجه من الرجوع لا في ذاته ولا في اسمائه ولا في صفاته ولا في افعاله وانما الشر يدخل في مخلوقاته ومفعولاته الشر في المقضي لا في القضاء. فتبارك وتعالى عن نسبة الشر اليه بل كل ما نسب اليه فهو خير قوله انا بك واليك بك اي مستجير واليك اي ملتجئ وقيل بك احيا واموت واليك المصير والمرجع. وكل هذا يحتمله اللفظ قوله تباركت اي استحققت الثناء وتكاثر خيرك واصل الكلمة للدوام والثبوت وتعاليت اي ارتفعت عظمتك وظهر قهرك وقدرك وتعاليت اي ارتفعت عظمتك وظهر قهرك وقدرتك قوله استغفرك واتوب اليك فيه الجمع بين الاستغفار والتوبة والاستغفار هو طلب محو الذنوب والاقالة منها والعفو عنها. والتوبة يراد بها ترك العبد للذنوب واقلاعه وعنها وعزمه على عدم فعل شيء منها الشاهد ان هذا الاستفتاح استفتاح عظيم وهو ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على نوع من الاستفتاحات فليستفتح بهذا تارة وبهذا تارة ومن يتأمل في الاستفتاحات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم يجد انها على ثلاثة انواع نوع فيه الثناء على الله ونوع فيه اخبار من العبد عن عبادة الله ونوع فيه دعاء وطلب واعلى ذلك ما كان ثناء على الله ويليه ما كان خبرا من العبد عن عبادة الله ويليه ما كان دعاء من العبد واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب والى لقاء اخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته