بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن ادعية الاستفتاح عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام من الليل افتتح صلاته اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم. رواه مسلم قصة صلاة الليل باستفتاحات ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم منها هذا الاستفتاح ولا بأس ان يستفتح المسلم صلاته من الليل بالاستفتاحات العامة التي تقدمت كقوله وجهت وجهي او سبحانك اللهم او اللهم باعد بيني وبين خطاياي قوله اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل تخصيص هؤلاء الثلاثة من الملائكة بالذكر فيه دليل على شرفهم وفضيلتهم وتقدمهم على غيرهم من الملائكة وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليختار بهذه الوسيلة الا المخلوقات العظام قال ابن القيم رحمه الله فذكر هؤلاء الثلاثة من الملائكة لكمال اختصاصهم واصطفائهم وقربهم من الله وكم من ملك غيرهم في السماوات فلم يسم الا هؤلاء الثلاثة فجبريل صاحب الوحي الذي به حياة القلوب والارواح وميكائيل صاحب القطر الذي به حياة الارظ والحيوان والنبات واسرافيل صاحب السور الذي اذا نفخ فيه احيت نفخته باذن الله الاموات واخرجتهم من قبورهم. انتهى كلامه رحمه الله فجبريل وكل الله اليه النزول بالوحي الذي هو حياة القلوب ولا حياة لها الا به قال الله تعالى وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين. وقال تعالى نزلوا الملائكة والروح فيها الروح هو جبريل وسمي روحا لانه ينزل بالوحي الذي به حياة القلوب وكما ان الوحي نفسه روح لان به حياة القلوب فكذلك من ينزل به سمي روحا وميكائيل هو الملك الذي وكل الله اليه القطر ونزول المطر الذي به حياة العباد والنبات والحيوان. قال الله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي واسرافيل وكل اليه نوع اخر من الحياة حيث وكل اليه النفخ في الصور. والصور كما قال صلى الله عليه وسلم قرن ينفخ فيه واذا نفخ في الصور صعق من في السماوات ومن في الارض الا من شاء الله واذا نفخ فيه نفخة ثانية قام الناس لرب العالمين وبهذه النفخة حياة الناس وقيامهم لرب العالمين قال الله تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الارض الا من شاء الله ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون واشرقت الارض بنور ربها والذي يطلبه العبد في هذا الاستفتاح حياة قلبه بالاستقامة على شرع الله ودينه والبعد عن الاهواء والبدع والضلالات والانحرافات فكان في غاية المناسبة وتمام الموافقة ان يؤتى بهذا التوسل بين يدي هذا المطلب العظيم والمقصد الجليل قوله فاطر السماوات والارض هذا توسل اخر الى الله عز وجل بكونه فاطر السماوات والارض اي مبدعة هما وموجدهما من العدم قوله عالم الغيب والشهادة هذا توسل ثالث الى الله عز وجل بشمول علمه وسعته وانه تبارك وتعالى وسع كل شيء علما علم الامور الظاهرة والخفية وعلم السرائر والمعلنات يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور والمراد بالغيب ما غاب عنا. اما الله فالغيب عنده شهادة. والسر عنده علانية قوله انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. هذا توسل رابع. يتوسل به الى الله وهو الاقرار بان الحكم لله تبارك وتعالى ليس لغيره قال الله تبارك وتعالى ان الحكم الا لله وقال تعالى افحكم الجاهلية يبون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون فالحكم لله تبارك وتعالى بنوعيه الكوني القدري والشرعي الديني يحكم تبارك وتعالى في عباده بما يشاء كونا وقدرا لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه ويحكم فيهم بما يريد شرعا ودينا من الامر والنهي والاباحة والتحريم ونحو ذلك وهذا كما انه وسيلة بين يدي مطلوب عظيم فانه في الوقت نفسه فيه ترويض للنفس على حسن تلقي احكام الله بالقبول وتلقيها بالانقياد والامتثال كما قال الامام محمد ابن شهاب الزهري رحمه الله قال من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم فاذا امنت ان الحكم لله وقلت في مناجاتك لربك انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون فهذا فيه رياضة للنفس على ان تمتثل اوامر الله الذي له الحكم لا شريك له قوله اهدني لما اختلف فيه من الحق باذنك هذا هو المطلوب ان يهديه لما اختلف فيه من الحق باذنه والناس قد يقع بينهم اختلاف في الحق. فتجد لهم اقوالا عديدة في المسألة الواحدة او الحكم الواحد ويحتار المرء في بعض المسائل لا يدري ما الصواب فيها وقد تشتبه بعض الاحكام على كثير من الناس كما في الحديث ان الحلال بين وان الحرام بين وبينهما امور مشتبهة لا يعلمهن كثير من الناس وقد يخفى حكمها وقد ينشأ المرء منذ صغره على عمل مخالف للسنة تربى عليه وترعرع ثم يتهيأ له ان يقرأ كتابا او يسمع عالما يبين للناس ان هذا الامر خلاف السنة فيبقى مشكلا عنده هل يأخذ بالسنة التي استبانت له واتضح دليلها ويترك ما عليه الاباء او يبقى على ما هو عليه فيصبح في اضطراب فما احوجنا الى هذا الدعاء والاكثار منه قال ابن القيم رحمه الله والهداية هي العلم بالحق مع قصده وايثاره على غيره فالمهتدي هو العامل بالحق المريد له وهي اعظم نعمة لله على العبد ولهذا امرنا سبحانه ان نسأله هداية الصراط المستقيم كل يوم وليلة. في صلواتنا الخمس فان العبد محتاج الى معرفة الحق الذي يرضي الله لكل حركة ظاهرة وباطنة فاذا عرفها فهو محتاج الى من يلهمه قصد الحق فيجعل ارادته في قلبه ثم الى من يقدره على علاه ومعلوم ان ما يجهله العبد اضعاف اضعاف ما يعلمه وان كل ما يعلم انه حق لا تطاوعه نفسه على ارادته ولو اراده لعجز عن كثير منه فهو مضطر كل وقت الى هداية تتعلق بالماضي وبالحال والمستقبل اما الماضي فهو محتاج الى محاسبة نفسه عليه وهل وقع على السداد فيشكر الله عليه ويستديمه ام خرج فيه عن الحق فيتوب الى الله تعالى منه ويستغفره ويعزم على الا يعود واما الهداية في الحال فهي مطلوبة منه. فانه ابن وقته فيحتاج ان يعلم حكم ما هو متلبس به من الافعال هل هو صواب ام خطأ واما المستقبل فحاجته في الهداية اظهر ليكون سيره على الطريق واذا كان هذا شأن الهداية علم ان العبد اشد شيء اضطرارا اليها وكان ابن تيمية رحمه الله كثير الوصية بهذا الدعاء واذا الححت ايها العبد على الله ورجوته ان يهديك الى ما اختلف فيه من الحق باذنه تيسرت لك ابواب الخير وبان لك الحق وظهر وقوله انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم. هذا توسل خامس. وهو اقرارك واعترافك وايمانك ان هدايتك كالى الصراط المستقيم بيد الله قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وقال تعالى وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وقال تعالى ان تحرص على هداهم فان الله لا يهدي من يضل فالهداية الى الصراط المستقيم ليست بيد اي احد كائنا من كان الا رب العالمين سبحانه من يشاء الله يضلل ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم يظل من يشاء ويهدي من يشاء فالهداية بيده سبحانه ولهذا تقول في توسلك هذا انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم نسأل الله ان يهدينا اجمعين وان يصلح قلوبنا وان يأخذ بنواصينا الى صراطه المستقيم وقد امر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء في القرآن قال الله تعالى قل اللهم فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون امره به بعدما ذكر عن المشركين ما ذكر من المذمة لهم في حبهم الشرك ونفرتهم عن التوحيد والمعنى ادع ايها النبي الله وحده لا شريك له الذي هو فاطر السماوات والارض اي خالقهما على غير مثال سابق عالم الغيب والشهادة اي السر والعلانية انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اي في دنياهم وستفصل بينهم يوم معادهم وقيامهم من قبورهم وفي هذا تعليم للعباد ان يحسنوا الالتجاء الى الله تعالى والدعاء باسمائه الحسنى والتوسل اليه بها ومما ينبه عليه في هذا المقام ان العبد اذا دعا بهذا الدعاء او غيره من الادعية عليه ان يتبع الدعاء ببذل السبب فاذا قال اهدني لما اختلف فيه عليه ان يأخذ بالاسباب وذلك بمجاهدة النفس على سلوك طريق العلم وتلقيه عن اهله وتحري الحق والصواب وعدم التردد في قبوله. والله الموفق والهادي لا شريك له نسأله سبحانه ان يوفقنا اجمعين لكل خير انه سميع قريب مجيب. والى لقاء اخر والسلام وعليكم ورحمة الله وبركاته