بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فالحديث عن اذكار الركوع والقيام منه والسجود والجلسة بين السجدتين عن حذيفة رضي الله عنه قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المئة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح ال عمران فقرأها يقرأ مترسلا اذا مر باية فيها تسبيح سبح واذا مر بسؤال سأل واذا مر بتعود تعود ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الاعلى فكان سجوده قريبا من قيامه رواه مسلم بهذا الحديث مشروعية ان يقول المسلم في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الاعلى قال ابن القيم رحمه الله فشرع للراكع ان يذكر عظمة ربه في حال انخفاضه هو وتضامنه وخضوعه وانه سبحانه يوصف بوصف عظمته عما يضاد كبرياءه وجلاله وعظمته فافضل ما يقول الراكع على الاطلاق سبحان ربي العظيم فان الله سبحانه امر العباد بذلك وعين المبلغ عنه السفير بينه وبين عباده هذا المحل لهذا الذكر لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم. قال اجعلوها في ركوعكم وقال رحمه الله عن السجود وشرع فيه من الثناء على الله ما يناسبه وهو قول العبد سبحان ربي الاعلى فهذا افضل ما يقال فيه ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم امره في السجود بغيره حيث قال اجعلوها في سجودكم وكان وصف الرب بالعلو في هذه الحال في غاية المناسبة لحال الساجد الذي قد انحط الى السفل على وجهه فذكر علو ربه في حال سقوطه وهو كما ذكر عظمته في حال خضوعه في ركوعه ونزاه ربه عما لا يليق به مما يضاد عظمته وعلوه وعن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه في حديث طويل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ركع قال اللهم لك ركعت وبك امنت ولك اسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي واذا رفع قال اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الارض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد واذا سجد قال اللهم لك سجدت وبك امنت ولك اسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله احسن الخالقين. رواه مسلم قوله لك ركعت تقديم الجار والمجرور في قوله لك على الفعل والفاعل يفيد الاختصاص اي لك وحدك يا الله ركوعي وهذا فيه اعلان الاخلاص والبراءة من الشرك قوله وبك امنت اي اقررت وصدقت وقوله ولك اسلمت اي انقذت واطعت واذا جمع بين الايمان والاسلام في سياق واحد فان للايمان معنى يخصه وللاسلام معنى يخصه كما جاء ذلك مبينا في حديث جبريل المشهور عندما سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الاسلام قال اخبرني عن الاسلام قال الاسلام ان تشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج بيت الله الحرام قال اخبرني عن الايمان قال الايمان ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وان تؤمن بالقدر خيره وشره ففسر الاسلام باعمال الدين الظاهرة وشرائعه التعبدية وفسر الايمان بعقائد الدين الباطنة واصوله التي مكانها القلب قوله خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي هذا الذكر المفصل لهذه الاعضاء من الانسان السمع والبصر والمخ والعظم والعصب فيه استشعار خضوع الانسان بكل اجزائه لله تبارك وتعالى الخشوع هو خضوع العبد وتمام ذله وانكساره بين يدي ربه تبارك وتعالى وهذا فيه فائدة ان تجاهد نفسك على حفظ هذه الاشياء من الغفلة والخروج عن الخشوع فلا يتناسب مع قولك خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ان تجيل بصرك او ان تنصت الى صوت بعيد يتحدث فتصغي ماذا يقول من باب الفضول فلا بد ان تستحضر هذا الخشوع التام في كل اجزائك فتكون خاشعا فعلا في سمعك وفي بصرك في مخك وفي عظمك وفي عصبك وفي جميع اجزائك قوله واذا رفع رأسه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الارض وملء ما بينهما وملئ ما شئت من شيء بعد المراد بالسمع سمع الاجابة قال تعالى ان ربي لسميع الدعاء. اي مجيب الدعاء قوله ربنا ولك الحمد اي الحمد لك وحدك ملكا واستحقاقا حمدا على اسمائك الحسنى وصفاتك وكمالك وعظمتك وحمدا على نعمك ومننك التي لا تعد ولا تحصى ومن اعظم نعمه ان من عليك بالصلاة وجعلك من هؤلاء المصلين الراكعين الساجدين يقول ابن القيم رحمه الله ولا يهمل امر هذه الواو في قوله ربنا ولك الحمد فانه قد ندب الامر بها في الصحيحين وهي تجعل الكلام في تقدير جملتين قائمتين بانفسهما فان قوله ربنا متظمن في المعنى انت الرب والملك القيوم الذي بيده ازمة الامور واليه مرجعها فعطف على هذا المعنى المفهوم من قوله ربنا قوله ولك الحمد. فتضمن ذلك معنى قول الموحد له الملك وله الحمد قوله ملء السماوات وملء الارض هذا بيان لحال الحمد وصفته اي حمدا يملأ السماوات كثرة ويملأ الارظ ويملأ ما بينهما فهذا حمد يملأ الاشياء الموجودة الكائنة ثم اضاف اليه حمدا يملأ الاشياء التي لم تكن قال وملئ ما شئت من شيء بعد فهو حمد يملأ الموجود ويملأ ما لم يوجد كثرة فهو حمد لا حصر له ولا حد ولا عد وكم هو جميل بك ايها المسلم وانت تحمد الله سبحانه وتعالى ان تستحضر هذه السعة في الحمد قوله واذا سجد يقول في سجوده اللهم لك سجدت وهذه كذلك تفيد الاختصاص وان السجود خاص بالله لا يجوز ان يصرف لغيره سبحانه قوله وبك امنت ولك اسلمت تقدم معناه قوله سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله احسن الخالقين السجود لا يكون الا للخالق الذي خلق وجه العبد وصوره وخلقه في احسن تقويم وجعل له السمع والبصر لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم وصوركم فاحسن صوركم ولقد كرمنا بني ادم وهو عز وجل وحده الذي من على العبد بهذه النعمة وهذا الوجه الجميل والصورة الحسنة والهيئة الطيبة فلما يظع العبد وجهه على الارض يضعه ذلا لله وخضوعا له معترفا بنعمته ومنته وفضله سبحانه وتعالى ويسمى هذا الحمد الحمد المضاعف لان لفظه قليل وثوابه مضاعف مضاعفة عظيمة وعن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح. رواه مسلم قوله سبوح قدوس هذان اسمان عظيمان دالان على تنزيه الله عن النقائص والعيوب وتبرئته عن كل ما يضاد كماله وينافي عظمته كالسنة والنوم واللغوب والوالد والولد وغيرها وعن ان يشبهه احد من خلقه او ان يشبه هو احدا من خلقه تعالى وتقدس وتنزه عن الشبيه والنظير والمثال ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وهو المنزه عن كل ما ينافي صفات المجد والعظمة والكمال وهو المنزه عن الضد والند والكفؤ والامثال قوله رب الملائكة والروح فيه الاقرار بربوبيته سبحانه للملائكة هذا الخلق العظيم وهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون والروح هو جبريل عليه السلام وخصه بالذكر هنا تشريفا له وتعلية لقدره مع انه داخل في عموم قوله رب الملائكة وقد سمي جبريل روحا لانه كان ينزل بالوحي كلام الله تبارك وتعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وقال تعالى تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر فكان ينزل بالوحي الذي به حياة القلوب وقلوب العباد لا يمكن ان تحيا الا بالوحي اما بدونه فلا حياة لها قال الله تعالى اومن كان ميتا فاحييناه ميتا مع انه كان يمشي ويأكل ويشرب ويتحرك ويقوم ويجلس فالحياة الحقيقية انما تنال بالوحي والاستجابة لامر الله قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم فقوله اذا دعاكم لما يحييكم وصف ملازم لكل ما دعا الله ورسوله اليه وبيان لفائدته وحكمته فان حياة القلب والروح بعبودية الله تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على الدوام واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح قلوبنا واعمالنا انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته