بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن اذكار الركوع والقيام منه والسجود والجلسة بين السجدتين عن عائشة رضي الله عنها انها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ان يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن. رواه البخاري ومسلم قولها رضي الله عنها يتأول القرآن تعني انه لما نزل عليه صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك واستغفره. انه كان توابا فكان عليه الصلاة والسلام يأتي بما يؤول اليه ما طلب منه في القرآن لان التأويل يراد به تارة التفسير وتارة يراد به ما يؤول اليه الشيء وهذا ذكر يقال في الركوع والسجود اذا ركع المسلم يقوله واذا سجد يقوله هو تسبيح لله عز وجل مع حمد وثناء ثم طلب لمغفرة الذنوب وعن عوف بن مالك الاشجعي رضي الله عنه قال قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر باية رحمة الا وقف فسأل ولا يمر باية عذاب الا وقف فتعود قال ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ثم سجد بقدر قيامه ثم قال في سجوده مثل ذلك ثم قام فقرأ بال عمران ثم قرأ سورة. رواه ابو داوود والنسائي هذا فيه ان السنة التي مضى عليها هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ان يقف مع ايات النعيم سائلا وايات العذاب متعوذا وايات التعظيم لله تبارك وتعالى مسبحا وهذا من تمام التدبر لكلام الله تبارك وتعالى في قيام العبد ليلا بكتاب الله فيجمع بين التلاوة والتدبر لكلام الله تبارك وتعالى وسؤال الله من فضله والتعود به سبحانه وتعالى من عذابه فهذا هديه صلى الله عليه وسلم اذا مر باية نعيم اي فيها ذكر للجنة او ذكر للثواب او ذكر لانعام الله تبارك وتعالى على عباده سأل الله من فضله واذا مر باية فيها ذكر النار او ذكر العذاب او ذكر سخط الله تبارك وتعالى وعقوبته تعوذ وهذا مما يعين العبد على تدبر القرآن والتفكر في معانيه فاذا كان في صلاة نافلة فانه يسن ان يسأل عند اية الرحمة ويتعوذ عند اية الوعيد ولا سيما في صلاة الليل لانه ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم واما في الفريظة فالظاهر من حال النبي صلى الله عليه وسلم انه لا يفعل ذلك لان الواصفين لصلاته صلى الله عليه وسلم لم يذكروا انه كان في الفريضة يتعود عند اية الوعيد او يسأل عند اية الرحمة ومثل هذا ما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المئة ثم مضى فكنت يصلي بها في ركعة فمضى فكنت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح ال عمران فقرأها يقرأ مترسلا اذا مر باية فيها تسبيح سبح واذا مر بسؤال سأل واذا مر بتعود تعود ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الاعلى فكان سجوده قريبا من قيامه رواه مسلم وفي هذا ان هديه صلى الله عليه وسلم في صلاته تعديل الاركان وان يكون ركوعه وقيامه وسجوده والقيام منه متقاربا قوله سبحان ذي الجبروت والملكوت اي تنزه وتقدس والجبروت والملكوت فعلوت من الجبر والملك كان راح اموت والرغبات والرهبوت فعلوت من الرحمة والرغبة والرهبة والعرب تقول رهبوت خير من رحموت اي ان ترهب خير من ان ترحم فالجبروت والملكوت يتضمن من معاني اسماء الله وصفاته ما دل عليه معنى الملك الجبار قال الله تعالى في اخر سورة ياسين فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون قوله والكبرياء والعظمة اي وذي الكبرياء والعظمة وهما وصفان متقاربان خاصان بالله. لا يستحقهما احد سواه كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال قال الله عز وجل الكبرياء ردائي والعظمة ازاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار فجعل العظمة بمنزلة الازار والكبرياء بمنزلة الرداء. اشارة الى اختصاص الرب سبحانه بهما وتنزيهه سبحانه عن الشريك في شيء من ذلك وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذا قال الامام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد فانه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وفي لفظ اللهم ربنا ولك الحمد. رواه البخاري ومسلم قال ابن القيم رحمه الله ولا يهمل امر هذه الواو في قوله ربنا ولك الحمد فانه قد ندب الامر بها في الصحيحين وهي تجعل الكلام في تقدير جملتين قائمتين بانفسهما فان قوله ربنا متظمن في المعنى انت الرب والملك القيوم الذي بيده ازمة الامور واليه مرجعها فعطف على هذا المعنى المفهوم من قوله ربنا قوله ولك الحمد فتضمن ذلك معنى قول الموحد له الملك وله الحمد وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رفع رأسه من الركوع قال ربنا لك الحمد ملء السماوات والارض وملء ما شئت من شيء بعد اهل الثناء والمجد احق ما قال العبد وكلنا لك عبد. اللهم لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا جدي منك الجد رواه مسلم قوله ملء السماوات والارض وملء ما شئت من شيء بعد هذا وصف للحمد وقدره انه يملأ السماوات ويملأ الارض ويملأ ما بين السماء والارض ويملأ كذلك ما شاء الله تبارك وتعالى من شيء بعد فيكون وصف هذا الحمد بانه يملأ الاشياء الموجودة ويملأ الاشياء التي لم توجد بعد قوله اهل الثناء والمجد اي انت يا الله اهل ان يثنى عليك وتمجد لعظمة صفاتك وكمال نعوتك وتوالي من نعمك وكثرة الائك وقوله احق ما قال العبد اي ان هذا الثناء عليك والتمجيد هو احق شيء قاله العبد وتلفظ به فقوله احق خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا الثناء والتمجيد وقد جاءت هذه الجملة تقريرا لحمده وتمجيده والثناء عليه ولبياني ان ذلك احق شيء نطق به العبد وافضل امر تكلم به قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله هذا لفظ الحديث احق افعل تفضيل وقد غلط فيه طائفة من المصنفين فقالوا حق ما قال العبد وهذا ليس لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم وليس هو بقول سديد فان العبد يقول الحق والباطل بل الحق ما يقوله الرب كما قال تعالى فالحق والحق اقول ولكن لفظه احق ما قال العبد. خبر مبتدأ محذوف اي الحمد احق ما قال العبد او هذا وهو الحمد احق ما قال العبد ففيه بين ان الحمد احق ما قاله العبد ولهذا اوجب قوله في كل صلاة وان تفتتح به الفاتحة واوجب قوله في كل عقبة وفي كل امر ذي بال. انتهى قوله وكلنا لك عبد فيه اعتراف بالعبودية وان ذلك حكم لجميع الناس فكلهم معبدون مذللون لله هو ربهم وخالقهم لا رب لهم ولا خالق سواه قوله لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت فيه الاعتراف بتفرد الله بالعطاء والمنع والقبض والبسط والخفض والرفع لا شريك له في شيء من ذلك فما يكتبه سبحانه لعبده من خير ونعمة او بلاء ونقمة فلا راد له ولا مانع لوقوعه وما يمنعه سبحانه عن عبده من الخير والنعمة او البلاء والنقمة فلا سبيل لوقوعه كما قال تعالى وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله وكما قال سبحانه ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم فهو سبحانه المتفرد بالعطاء والمنع. واذا اعطى سبحانه لم يطق احد منع من اعطاه واذا منع لم يطق احد اعطاء من منعه قوله ولا ينفع ذا الجد منك الجد اي لا ينفع عنده ولا يخلص من عذابه ولا يدني من كرامته جدود بني ادم اي حظوظهم من الملك والرئاسة والغنى وطيب العيش وغير ذلك وانما ينفعهم عنده التقرب اليه بطاعته وايثار مرضاته وعن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده قال رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال من المتكلم؟ قال انا قال رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها ايهم يكتبها اول رواه البخاري قوله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه اي احمده حمدا وحمدا مفعول مطلق مؤكد لعامله وقوله كثيرا طيبا مباركا فيه هذه صفات للحمد اي احمدك حمدا موصوفا بالكثرة والطيب والبركة قوله لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها اي يتسابقون الى كتابتها في صحائف حسنات واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته