بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن اذكار الركوع والقيام منه والسجود والجلسة بين السجدتين عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء. رواه مسلم السجود هيئة ذل وخضوع لله بل هي اكمل هيئات الذل والخضوع حيث ان العبد يهوي الى الارض ويضع جبهته عليها ويمكن وجهه منها واضعا يديه على الارض وركبتيه على الارض واطراف قدميه على الارض ساجدا على هذه الاعضاء فهي حال كمال في الذل والخضوع والانكسار بين يدي الله جل وعلا وحال قرب من الله ولهذا ندب في هذه الحال الى الاكثار من الدعاء قال فاكثروا الدعاء وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم واما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن ان يستجاب لكم ففي هذين الحديثين خص السجود بالامر بالدعاء فيه وقوله فقمن ان يستجاب لكم اي حري وجدير ان يستجاب لكم وهذا فيه ان لاجابة الدعاء اسبابا من اعظمها عندما يخر العبد ساجدا لله فقمر ان يستجاب له لشرف هذه الحال حال الخضوع التام والذل الكامل بين يدي الله عز وجل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انواعا من الادعية كان صلى الله عليه وسلم يدعو بها في سجوده سيأتي ذكر شيء منها وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله اوله واخره علانيته وسره. رواه مسلم هذه صيغة من صيغ الاستغفار العظيمة كان عليه الصلاة والسلام يقولها في سجوده يسأل ربه غفران الذنوب كلها الدقيق منها والجليل المتقدمة منها والمتأخر والسر منها والمعلن وتأمل هذا التنويع دقه وجله اوله واخره سره وعلنه استحظارا من العبد لانواع الذنوب وهذا ابلغ في الاستغفار قال ابن القيم رحمه الله في كلامه على حديث علي رضي الله عنه فيما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما اسرفت وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر لا اله الا انت رواه مسلم قال ومعلوم انه لو قيل اغفر لي كل ما صنعت كان اوجز ولكن لفظ الحديث في مقام الدعاء ولكن لفظ الحديث في مقام الدعاء والتضرع واظهار العبودية والافتقار استحضار الانواع التي يتوب العبد منها تفصيلا احسنوا وابلغوا من الايجاز والاختصار وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاخر اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله سره وعلانيته اوله واخره وفي الحديث اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي واسرافي في امري وما انت اعلم به مني اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي وكل ذلك عندي وهذا كثير في الادعية المأثورة. فان الدعاء عبودية لله وافتقار اليه وتذلل بين يديه فكلما كسره العبد وطوله واعاده وابداه ونوع جمله كان ذلك ابلغ في عبوديته واظهاره وتذلله وحاجته وكان ذلك اقرب لله واعظم لثوابه وهذا بخلاف المخلوق فانك كلما كثرت سؤاله وكررت حوائجك اليه ابرمته وثقلت عليه وهنت عليه وكلما تركت سؤاله كان اعظم عنده واحب اليه والله سبحانه كلما سألته كنت اقرب اليه واحب اليه. وكلما الححت عليه في الدعاء احبك ومن لم يسأل الله يغضب عليه فالله يغضب ان تركت سؤاله وبني ادم حين يسأل يغضب وقال رحمه الله فهذا التعميم وهذا الشمول لتأتي التوبة على ما علمه العبد من ذنوبه وما لم يعلم انت ولا ريب ان هذا من النصح في التوبة المأمور بها بقول الله تعالى يا ايها الذين امنوا توبوا الى الله توبة نصوحا عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم ثم يدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار وقد بين ابن القيم رحمه الله ان النصح في التوبة يتضمن ثلاثة اشياء الاول تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها بحيث لا تدع ذنبا الا تناولته والثاني اجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى عنده تردد ولا تلوم ولا انتظار بل يجمع عليها كل ارادته وعزيمته مبادرا بها الثالث تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في اخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورئاسته ولحفظ حاله او لحفظ قوته وماله او استدعاء حمد الناس او الهرب من مذمتهم او الهرب من دمهم او لان لا يتسلط عليه السفهاء او لقضاء نهمته من الدنيا او لافلاسه وعجزه ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل فالاول يتعلق بما يتوب منه والثالث يتعلق بمن يتوب اليه. والاوسط يتعلق بذات التائب ونفسه. وبهذه الامور الثلاثة يكون العبد قد اتى باكمل ما يكون من التوبة. والتوفيق بيد الله وحده وعن عائشة رضي الله عنها قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطني قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك. رواه مسلم بطن القدم هو الذي يلي الارظ. وظاهر القدم هو الجزء الاعلى الذي يشرع المسح عليه وقد دل هذا الحديث العظيم على انه لا مفر الا الى الله ولا ملجأ منه الا اليه فازمة الامور كلها بيده ونواصي العباد معقودة بقضائه وقدره الامر كله له والحمد كله له والملك كله له والخير كله في يديه. فمنه تعالى المنجى واليه الملجأ وبه الاستعاذة من شر ما هو كائن بمشيئته وقدرته الاعاذة فعله والمستعاذ منه فعله او مفعوله الذي خلقه بمشيئته وهذا كله تحقيق للتوحيد والقدر وانه لا رب غيره ولا خالق سواه ولا يملك المخلوق لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا بل الامر كله لله ليس لاحد سواه منه شيء وقوله في ختام هذا الدعاء لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك فيه الاعتراف بان شأن الله سبحانه وعظمته وكمال اسمائه وصفاته اعظم واجل