بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن الادعية المأثورة في الصلاة وبعد التشهد عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه في حديث طويل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من اخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما اسرفت وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر لا اله الا انت رواه مسلم هذه صيغة عظيمة في الاستغفار تتناول ذنوب العبد كلها المتقدمة منها والمتأخر وما وقع منها سرا وما وقع علانية قوله اللهم اغفر لي ما قدمت اي قبل هذا الوقت من الذنوب وما اخرت اي عنه وقوله وما اسررت وما اعلنت اي ما كان منها مستورا لا يطلع عليه الا الله وما كان علانية يطلع عليه الناس وما اسرفت اي ما تجاوزت فيه الحد وما انت اعلم به مني العبد يذنب وينسى ذنوبه ويعصي وينسى معاصيه وكل ذلك محفوظ عليه يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا احصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد انت المقدم وانت المؤخر هذا فيه ان تقدم الانسان الى الخير من الايمان والعافية والنعمة لا يكون الا من الله تبارك وتعالى وكذلك تأخره عن الخير ونيل مغفرة الله عز وجل ورحمته ونعمته لا يكون الا من الله فازمة العباد بيده. وامورهم معقودة بقضائه وقدره فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن قوله لا اله الا انت هذا اعلان بالتوحيد في تمام هذا الاستغفار والتوحيد من موجبات المغفرة. بل هو اعظم موجبات المغفرة كما في الحديث القدسي يا ابن ادم انك لو اتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لاتيتك بقرابها مغفرة وكثيرا ما يأتي اعلان التوحيد في الادعية والاستغفارات المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام وعن ابي صالح عن بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل كيف تقول في قال اتشهد واقول اللهم اني اسألك الجنة واعوذ بك من النار اما اني لا احسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم حولها ندندن رواه ابو داوود وابن ماجة قوله كيف تقول في الصلاة اي ما الدعاء الذي تدعو به في صلاتك قال الرجل اتشهد اي اتي بالتشهد الذي يكون في اخر الصلاة واقول اي بعد التشهد اللهم اني اسألك الجنة واعوذ بك من النار اي اقتصر على هاتين الكلمتين. اسأل الله الجنة واتعوذ به من النار ثم استدرك الرجل لانه يعلم ان النبي عليه الصلاة والسلام بعد التشهد يدعو بادعية متنوعة وعديدة تعرف من مكثه عليه الصلاة والسلام في جلوس التشهد ومعاذ وغيره من الصحابة يحافظون على مثل هذه الادعية فاستدرك الرجل وقال اما اني لا احسن دندنتك ولا دندنة معاذ اي الشيء الذي تقوله وكذلك يقوله معاذ لا احسنه فقال النبي عليه الصلاة والسلام وما اجمل ما قال عليه الصلاة والسلام قال حولها ندندن اي هذا الذي تقول جئت فيه بما حوله ندندن. فنحن ندندن حول الجنة والنار وعن عطاء ابن السائب عن ابيه قال صلى بنا عمار ابن ياسر صلاة فاوجز فيها فقال له بعض القوم لقد خففت او اوجزت الصلاة فقال اما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام تبعه رجل من القوم هو أبي غير انه كنا عن نفسه فسأله عن الدعاء ثم جاء فاخبر به القوم اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق احيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني اذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم واسألك خشيتك في الغيب والشهادة واسألك كلمة الحق في الرضا والغضب واسألك القصد في الفقر والغنى واسألك نعيما لا ينفد واسألك قرة عين لا تنقطع. واسألك الرضا بعد القضاء واسألك برد العيش بعد الموت واسألك لذة النظر الى وجهك والشوق الى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين رواه النسائي هذا حديث عظيم النفع كبير الفائدة مشتمل على معان عظيمة ودلالات نافعة متعلقة بالعقيدة والعبادة والاخلاق وانما تعظم فائدة المسلم من مثل هذه الدعوات المباركة بوقوفه على معانيها وفهمه لدلالاتها ومراميها ومجاهدته نفسه على تحقيقها قوله اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق احيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني اذا علمت الوفاة خيرا لي فيه تفويض العبد اموره الى الله وطلب الخيرة في احواله منه سبحانه متوسلا اليه سبحانه بعلمه الذي احاط بكل شيء. وانه سبحانه يعلم خفايا الامور وبواطنها كما يعلم ظاهرها وعلنها وبقدرته النافذة في جميع الخلق فلا معقب لحكمه ولا راد لقضائه قوله واسألك خشيتك في الغيب والشهادة اي ان اخشاك يا الله في السر والعلانية والظاهر والباطن وفي حال كوني مع الناس او غائبا عنهم قال الله تعالى ان الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة واجر كبير قوله واسألك كلمة الحق في الرضا والغضب فيه سؤال الله قول الحق حال رضا الانسان وحال غضبه وقول الحق في الناس حال الغضب عزيز لان الغضب يحمل صاحبه على ان يقول خلاف الحق ويفعل غير العدل وقد مدح الله من عباده من يغفر اذا غضب قال الله تعالى واذا ما غضبوا هم يغفرون قوله واسألك القصد في الفقر والغنى اي ان اكون مقتصدا في حال فقري وغناي والقصد هو التوسط والاعتدال فان كان فقيرا لم يقتر خوفا من نفادي الرزق ولم يسرف بتحميل نفسه ما لا طاقة له به كما قال الله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا وان كان غنيا لم يحمله غناه على السرف والطغيان قال الله تعالى والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما والقوام القصد والتوسط وهو في كل الامور حسن قوله واسألك نعيما لا ينفد. النعيم الذي لا ينفد هو نعيم الاخرة كما قال الله تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق وقال تعالى ان هذا لرزقنا ما له من نفاد قوله واسألك قرة عين لا تنقطع قرة العين من جملة النعيم والنعيم منه ما هو منقطع ومنه ما لا ينقطع ومن قرت عينه بالدنيا فقرة عينه منقطعة وسروره فيها زائل وهو مع ذلك مشوب بالخوف من الفواجع والمنغصات ولهذا فان المؤمن لا تقر عينه في الدنيا الا بمحبة الله وذكره والمحافظة على طاعته كما قال صلى الله عليه وسلم وجعلت قرة عيني في الصلاة ومن حصلت له قرة العين بهذا فقد حصلت له قرة العين التي لا تنقطع في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الاخرة قوله واسألك الرضا بعد القضاء سأل الرضا بعد القضاء لانه حينئذ تبين حقيقة الرضا. واما الرضا قبل القضاء فانه عزم من العبد على الرضا وانما يتحقق الرضا اذا وقع القضاء قوله واسألك برد العيش بعد الموت هذا يدل على ان العيش وطيبه وبرده انما يكون بعد الموت فان العيش قبل الموت منغص ولو لم يكن له منغص غير الموت لكفى وكيف وله منغصات كثيرة من الهموم والغموم والاسقام والهرم ومفارقة الاحبة وغير ذلك قوله واسألك لذة النظر الى وجهك والشوق الى لقائك بغير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة هذا قد جمع فيه بين اطيب شيء في الدنيا وهو الشوق الى لقاء الله واطيب شيء في الاخرة وهو النظر الى وجهه الكريم ولما كان تمام ذلك موقوفا على عدم وجود ما يضره في الدنيا او يفتنه في الدين قال في غير ضراء مضرة ولا فتنة مظلة قوله اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين زينة الايمان تشمل زينة القلب بالاعتقاد والاعمال القلبية الفاضلة وزينة اللسان بالذكر وتلاوة القرآن والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك وزينة الجوارح بالاعمال الصالحة والطاعات المقربة الى الله قال تعالى ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم قوله واجعلنا هداة مهتدين اي بان نهدي انفسنا ونهدي غيرنا وهذا افضل الدرجات ان يكون العبد عالما بالحق متبعا له معلما لغيره مرشدا له فبهذا يكون هاديا مهديا نسأل الله عز وجل ان يهدينا اجمعين وان يجعلنا هداة مهتدين صلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته