بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد الحديث عن الاذكار المشروعة عقب السلام عن ثوبان رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال اللهم انت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والاكرام قال الوليد فقلت للاوزاعي كيف الاستغفار قال تقول استغفر الله استغفر الله. رواه مسلم الاستغفار هو طلب المغفرة بالعفو عن التقصير والصفح عن الذنب والمناسبة لمجيء الاستغفار دبر الصلاة ان العبد يلحظ تقصيره في صلاته وما قد يكون فيها من نقص وعدم اتيان بها على التمام والكمال ومثله الاستغفار في تمام الحج. قال الله تعالى ثم افيضوا من حيث افاض الناس واستغفروا الله. ان الله غفور رحيم لان المسلم اذا جاء بالطاعة فمهما بذل واجتهد في تكميلها وتتميمها والنصح فيها لابد من التقصير والنقص والخطأ ولهذا ندب الاستغفار عند الفراغ من الصلاة ليكون جبرا لتقصيره. ولهذا استحب للمسلم ان يبادر فورا انقضاء صلاته الى الاستغفار ثلاثا فالحكمة من الاتيان بالاستغفار بعد الصلاة هي اظهار هضم النفس وان العبد لم يقم بحق الصلاة ولم يأت بما ينبغي له على التمام والكمال بل لا بد ان يكون قد وقع في شيء من النقص والتقصير والمقصر يستغفر لعله ان يتجاوز عن تقصيره ويكون في استغفاره جبر لما فيه من نقص او تقصير قوله اللهم انت السلام ومنك السلام اي السلام اسمك والسلامة وصفك المنزه عن النقص والعيب ونحن عبادك فقراء اليك وعرضة للشر والافات والمصائب والسلام منك يطلب واليك فيه يلتجى ولا يلتجأ في طلبه الى احد سواك قوله تباركت اي تعاظمت يا الله فلك العظمة الكاملة والكبرياء التام وعظمت اوصافك وكثرت خيراتك وعم احسانك قوله ذا الجلال والاكرام اي يا صاحب الجلال والاكرام وهما وصفان عظيمان للرب سبحانه دالان على كمال عظمته وكبريائه ومجده وعلى كثرة صفاته الجليلة وتعدد عطاياه الجميلة مما يستوجب على العباد ان تمتلئ قلوبهم محبة وتعظيما واجلالا له وعن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال كتب المغيرة رضي الله عنه الى معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. رواه البخاري ومسلم وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه انه كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة الا بالله لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا اله الا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة رواه مسلم قوله كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم يفيد ان من السنة ان يبادر به بعد السلام عقب الاستغفار ثلاثا وقول اللهم انت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام ولذا قال في تمامه يهلل بهن دبر كل صلاة وقد جمع هذا التهليل المبارك انواع التوحيد الثلاثة اما توحيد العبادة فقد تكررت فيه كلمة التوحيد لا اله الا الله ثلاث مرات واتبعت في كل مرة بما يقرر معناها ويؤكد حقيقتها ويوضح مدلولها فقوله بعد التهليلة الاولى وحده لا شريك له تأكيد لما قررته من النفي والاثبات فقوله وحده تأكيد للاثبات وقوله لا شريك له تأكيد للنفي وقوله بعد التهليلة الثانية ولا نعبد الا اياه فيه بيان لمعناها وتفسير لمدلولها وانها تعني نفي العبادة بجميع انواعها وافرادها عن كل من سوى الله واثباتها لله وحده لا شريك له وقوله بعد التهليلة الثالثة مخلصين له الدين تقرير لمدلولها كذلك وانها كلمة الاخلاص فلا يستفيد منها قائلها الا اذا اخلص دينه لله كما قال الله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وكل ذلك تقرير لتوحيد العبادة ويمكن ايضا ان يلخص منه تعريف جامع لتوحيد العبادة فيقال هو الا نعبد الا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين واما توحيد الربوبية ففي قوله له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وفي قوله له النعمة وله الفضل اذ ان تفرده سبحانه بالملك والقدرة على كل شيء والنعمة والفضل كله من معاني ربوبيته سبحانه ومما يحمد عليه سبحانه انه رب العالمين لا رب لهم سواه ولا مالك الا هو والنعمة بيده والفضل فظله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم واما توحيد الاسماء والصفات ففي قوله وله الحمد لانه سبحانه يحمد كذلك على اسمائه الحسنى وصفاته العليا وايضا في قوله وله الثناء الحسن حيث انه سبحانه يثنى عليه باسمائه الحسنى وصفاته العليا كما قال اعلم خلقه به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم اني اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك رواه مسلم وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على احد قبلي رواه البخاري ومسلم قال ابن القيم رحمه الله وتلك المحامد هي باسمائه وصفاته وقد ذكر كل من توحيد الربوبية وتوحيد الاسماء والصفات بهذا التهليل المبارك للاستدلال بهما على توحيد العبادة وبيان ان المتفرد بالملك والحمد والقدرة على كل شيء والنعمة والفضل والمتفردة بالثناء الحسن لعظمة اسمائه وكمال صفاته هو وحده المستحق للعبادة لا شريك له وانه المعبود بحق ولا معبود بحق سواه وان عبادة من سواه ظلال وباطل وكفر وطغيان وبهذا يعلم ان هذه الكلمات ليست الفاظا مجردة لا تدل على معنى بل لها معان عظيمة ودلالات عميقة تنتظم التوحيد بانواعه الثلاثة والواجب على كل من يردد هذه الكلمات ان يستحضر ما دلت عليه وان يعرف ما تضمنته بحيث يكون مستمسكا بالتوحيد محافظا عليه مراعيا لحقوقه مجانبا تمام يا نبتي لنواقضه وما يضاده معلنا له لا تأخذه في الله لومة لائم ولو كره الكافرون وكم هو جميل وعظيم ان نضبط هذه التهليلات وما اتبعت به كل واحدة منها من تأكيد للتوحيد وتجديد له وترسيخ له في القلوب وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسعة وتسعون. وقال تمام المئة لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء شيء قدير غفرت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر. رواه مسلم قوله من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين اي قال عقب كل صلاة سبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة والله اكبر ثلاثا وثلاثين مرة وقال تمام المئة لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وهذه كلمة التوحيد وتقدم الكلام على معناها غفرت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر اي تغفر له ذنوبه ولو كانت كثرة مثل زبد البحر والمقصود بالذنوب التي تغفر الصغائر اما الكبائر لا يكفرها الا التوبة وهذا ثواب عظيم لمن يحافظ على هذه التسبيحات دبر كل صلاة ينبغي على كل ناصح لنفسه الا يفرط فيه والسنة ان يعقد هذه التسبيحات بيده كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه. رواه ابو داوود وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال جاء الفقراء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ذهب اهل الدثور من الاموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من اموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون قال الا احدثكم بامر ان اخذتم به ادركتم من سبقكم ولم يدرككم احد بعدكم وكنتم خير من انتم بين ظهرانيه الا من عمل مثله تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين. رواه البخاري ومسلم هذا الاتيان من فقراء المهاجرين ناشئ عن حرص ورغبة في الخير وحب في المنافسة فيه قالوا ذهب اهل الدثور اي الاموال الكثيرة بالدرجات العالية والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من اموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون اي ونحن فقراء لا نمتلك مثل هذا المال الذي يمتلكه هؤلاء حتى نشاركهم في هذه الاجور فقال عليه الصلاة والسلام الا احدثكم بامر ان اخذتم به ادركتم من سبقكم ولم يدرككم احد بعدكم وكنتم خير من انتم بين ظهرانيه الا من عمل مثله شد عليه الصلاة والسلام انتباههم وشوقهم ثم قال تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين اي تسبحون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين تسبيحة وتحمدون ثلاثا وثلاثين تحميدة. وتكبرون ثلاثا وثلاثين تكبيرة بحيث يكون المجموع تسعا وتسعين فقوله ثلاثا وثلاثين شامل لكل تسبيحة وتكبيرة وتحميدة كما في الحديث الذي قبله واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. انه سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته