بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان ذكر الله عز وجل هو طمأنينة القلوب وانس النفوس وذهاب الهموم والغموم كما قال الله جل وعلا الذين امنوا وتطمئن قلوبهم لذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب فطمأنينة القلب وزوال همه وغمه وحزنه انما يكون بذكر الله وتعظيمه وعمارة القلب بالايمان به سبحانه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم اذكار عديدة ارشد صلوات الله وسلامه عليه من اصابه كرب او حل به هم او نزل به غم ان يفزع اليها وان يحافظ عليها وان يأتي بها ليزول عنه ما يجد وليذهب عنه المه وهمه وغمه وقد ورد في هذا الباب احاديث عديدة نقف باذن الله على طائفة منها روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الكرب لا اله الا الله العظيم الحليم لا اله الا الله رب العرش العظيم لا اله الا الله رب السماوات ورب الارض ورب العرش الكريم وروى ابو داوود في سننه عن اسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الا اعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب تقولين الله ربي لا اشرك به شيئا وروى ابو داوود في سننه عن ابي بكرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوات المكروب اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني الى نفسي طرفة عين واصلح لي شأني كله لا اله الا انت انت وروى الترمذي في سننه عن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوة ذي النون اذ دعا وهو في بطن الحوت لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فانه ما دعا بها رجل مسلم في شيء قط الا استجاب الله له هذه الاحاديث الاربعة عظيمة الشأن وهي صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بها علاج للكرب الذي يصيب الانسان ودواء للغم والحزن والهم فمن اتى بها متأملا معانيها محققا مقاصدها لن يبقى في قلبه من الهم والغم مقدار ذرة فانها دواء نافع وعلاج مبارك وشفاء لما في الصدور ولكن يحتاج المسلم اذا قال هذه الاذكار المباركة ان يتأمل في معناها وان يعرف مدلولها وان يحقق مقصودها فان الاتيان بالاذكار المأثورة والدعوات المشروعة بدون علم بالمعنى وتفقه في الدلالة ظعيف التأثير قليل الفائدة ولو تأملنا في هذه الاذكار الاربعة التي اخبر النبي صلى الله عليه وسلم انها علاج للكرب لوجدنا انها تشترك في شيء واحد وهو تحقيق التوحيد الذي خلق العبد لاجله واوجد لتحقيقه التوحيد الذي هو اخلاص العبادة لله واخلاص الدين له سبحانه وتعالى فهو المفزع للانسان في كرباته وفي جميع همومه وغمومه ولا زوال للهموم والغموم الا اذا حقق العبد التوحيد وفزع الى الله واخلص دينه لله اما الحديث الاول حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الكرب لا اله الا الله العظيم الحليم لا اله الا الله رب العرش العظيم لا اله الا الله رب السماوات ورب الارض ورب العرش الكريم فعندما يقول المكروب هذا الذكر المبارك وهو يتأمل معناه ويقف عند دلالته فانه يجدد توحيد الله في قلبه وانه انما خلق للتوحيد. واوجد لاجل تحقيقه فيشغل قلبه بلا اله الا الله لتكون هي اكبر همه وشغل قلبه فهو لم يخلق الا لاجلها ولم يوجد الا لتحقيقها فهي مقصود الخليقة واساس ايجاد الناس. وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ولا اله الا الله معناها اي لا معبود بحق الا الله فيها نفي واثبات نفي للعبودية عن كل ما سوى الله واثبات للعبودية بجميع معانيها لله وحده فالذي يقول لا اله الا الله صادقا لا يسأل الا الله ولا يستغيث الا بالله ولا يلتجأ الا الى الله ولا الا على الله ولا يتوكل الا على الله. ولا يطلب شفاء همومه وغمومه واحزانه الا من الله. واذا قال لا لا اله الا الله العظيم الحليم يذكر عظمة الله وان الله هو الكبير المتعال العلي العظيم وكمال قوته وكمال اقتداره واحاطته بخلقه وانه لا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء ويذكر عظيم حلمه سبحانه وتعالى واذا قال لا اله الا الله رب العرش العظيم لا اله الا الله رب السماوات ورب الارض ورب العرش الكريم يذكر خلق الله للعرش ذلك المخلوق الذي هو اكبر المخلوقات واوسعها ولهذا وصف في هذا الذكر بانه عظيم ووصف بانه كريم والكرم هو السعة والعرش اوسع المخلوقات واكبرها ويتذكر عظمة الله بتذكر عظمة مخلوقاته التي اوجدها سبحانه كذلك يذكر خلقه للسماوات وللارظ فيذكر هذه المعاني الجليلة ويردد هذه الكلمات لينشغل قلبه بتعظيم خالقها وكمال مبدعها وتحقيق توحيده لينصبغ قلبه بذلك فاي بقية تبقى للهم او الغم او الحزن ما دام القلب منشغلا بذلك وفي الحديث الثاني حديث اسماء بنت عميس رضي الله عنها قال الا اعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب وهذا منه عليه الصلاة والسلام تشويق لها الى الفائدة وترغيب لها فلما اشتاق قلبها رضي الله عنها الى ذلك علمها قال تقولين الله الله ربي لا اشرك به شيئا وهذا فزع الى التوحيد لينجلي الكرب وقوله الله الاولى مبتدأ والثانية تأكيد لفظي له لعظم الامر وكبر المقام هو توحيد الله واخلاص الدين له تتكرر هذه الكلمة مرتين حتى تملأ القلب وهو يتأملها ومعنى الله اي ذو الالوهية وذو العبودية على خلقه اجمعين الذي تصرف له جميع انواع الطاعات ومعنى قوله الله ربي اي عبادتي وتوجهي واعتمادي وقصدي والتجائي كله لربي الذي خلقني والرب هو الخالق الرازق المنعم المدبر المتصرف المدبر لشؤون خلقه كلها. الذي بيده ازمة الامور وهذا هو معنى قول الله تعالى يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون وقوله لا اشرك به شيئا هذا فيه البراءة من الشرك والخلوص منه فعلاج الهم اخلاص التوحيد والبراءة من الشرك بان يعتمد العبد على ربه في كل ملماته وجميع اموره ومهماته فاذا قال المسلم هذه الكلمة العظيمة ذهب عنه الكرب لان قلبه انشغل باعظم الامور واوجب الواجبات واجل المقاصد واعظم الغايات وهو توحيد الله فلا يبقى للغم فيه مكان لانه منشغل بالتوحيد وبالايمان وبالاخلاص للرب العظيم سبحانه وتعالى وفي الحديث الثالث حديث ابي بكرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام دعوات المكروب اي دعوات من اصابه كرب ان يقول اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني الى نفسي طرفة عين واصلح لي شأني كله لا اله الا انت وما اعظمها من دعوات قوله اللهم رحمتك ارجو اي رحمتك وحدك يا الله ارجو لا ارجو رحمة احد سواك. وهذا فيه الاخلاص وفيه التوحيد واصل الجملة ارجو رحمتك وتقدم المعمول على العامل يفيد الحصر فيبدأ دعوته لطرد الكرب الذي اصابه بهذا التوحيد واللجوء الى الله. اللهم رحمتك ارجو اي ارجو الرحمة منك واطلبها منك ولا اطلبها من احد سواك وقوله فلا تكلني الى نفسي طرفة عين. هذا فيه افتقار العبد الكامل الى الله. في كل لحظة من لحظاته وفي كل سكون من سكناته. فلا غنى له عن ربه ومولاه طرفة عين ومن وكل الى نفسه او الى احد غير الله ضاع ولهذا من نعمة الله عليك الا يكلك الا اليه لانه اذا وكلك اليه سبحانه وكلك الى قوة وعزة وقهر وسلطان ومن يتوكل على الله فهو حسبه اليس الله بكاف عبده وقوله واصلح لي شأني كله هذا فيه افتقار العبد الى الله في اصلاح شأنه كله في دينه ودنياه واخرته لا يصلح شيء من ذلك الا اذا اصلحه الله كما في الدعاء المأثور اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري واصلح لي دنياي التي فيها معاشي واصلح لي اخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموتى راحة لي من كل شر. رواه مسلم وقوله في تمامه لا اله الا انت فزع الى التوحيد لزوال الكرب والحديث الرابع حديث سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوة ذي النون اذ دعا وهو في بطن الحوت لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فانه ما دعا بها رجل مسلم في شيء قط الا استجاب الله له تضمنت هذه الكلمة امورا اربعة يأتي بها العبد ثقة بالله واعتمادا عليه ان يفرج همه الامر الاول التوحيد في قوله لا اله الا انت الثاني تنزيه الله في قوله سبحانك ومعنى سبحانك اي انزهك يا الله عن كل ما لا يليق بك الثالث الاعتراف بالظلم والتقصير. اني كنت من الظالمين الرابع العبودية لله باعترافك بانك عبد لله لا غنى لك عنه طرفة عين فهذا علاج عظيم وشفاء مبارك للكرب والغموم. واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته