بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان العبد في هذه الحياة قد يصاب بالام متنوعة وقد يرد على قلبه واردات متعددة تؤرق قلبه وتؤلم نفسه وتجلب له الكدر والضيق فان كان هذا الالم الذي يصيب القلب متعلقا بامور ماضية فهو حزن وان كان متعلقا بامور مستقبلة فهو هم وان كان متعلقا بواقع الانسان وحاظره فهو غم وهذه الامور الثلاثة الحزن والهم والغم انما تزول عن القلب وتنجلي عن الفؤاد بالعودة الصادقة الى الله وتمام الانكسار بين يديه والتذلل له سبحانه والخضوع له والاستسلام لامره والايمان بقضائه وقدره ومعرفته سبحانه ومعرفة اسمائه وصفاته والايمان بكتابه والعناية بقراءته وتدبره والعمل بما فيه فبذلك لا بغيره تزول هذه الامور وينشرح الصدر وتتحقق السعادة جاء في المسند للامام احمد وصحيح ابن حبان وغيرهما عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما قال عبد قط اذا اصابه هم او حزن اللهم اني عبدك وابن عبدك وابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك. عدل في قضاؤك اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او انزلته في كتابك او علمته احدا من خلقك او استأثرت به في علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي الا اذهب الله عز وجل همه وابدله مكانا وابدله مكان حزنه فرحا قالوا يا رسول الله ينبغي لنا ان نتعلم هؤلاء الكلمات قال اجل ينبغي لمن سمعهن ان يتعلمهن فهذه كلمات عظيمة ينبغي على المسلم ان يتعلمها وان يحرص على قولها عندما يصاب بالحزن او الهم او الغم وليعلم كذلك ان هؤلاء الكلمات انما تكون نافعة له اذا فهم مدلولها وحقق مقصودها وعمل بما دلت عليه اما الاتيان بالادعية المأثورة والاذكار المشروعة دون فهم لمعانيها ودون تحقيق لمقاصدها فان هذا قليل التأثير عديم الفائدة واذا تأملنا هذا الدعاء نجد انه يتضمن اربعة اصول عظيمة لا سبيل للعبد الى نيل السعادة وزوال الهم والغم والحزن الا بالاتيان بها وتحقيقها اما الاصل الاول فهو تحقيق العبادة لله. وتمام الانكسار بين يديه. والخضوع له. واعترافه بانه مخلوق له مملوك له هو واباؤه وامهاته ابتداء من ابويه القريبين وانتهاء الى ادم وحواء ولهذا قال اللهم اني عبدك وابن عبدك وابن امتك فالكل مماليك لله وهو خالقهم وربهم وسيدهم ومدبر شؤونهم الذي لا غنى لهم عنه طرفة عين وليس لهم من يعودون به ويلودون به سواه ومن تحقيق ذلك التزام العبد عبوديته سبحانه من الذل والخضوع والانكسار والانابة وامتثال الاوامر لا بالنواهي ودوام الافتقار اليه واللجأ اليه والاستعانة به والتوكل عليه والاستعاذة به والا يتعلق القلب بغيره محبة وخوفا ورجاء واما الاصل الثاني فهو ان يؤمن العبد بقضاء الله وقدره وان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وانه سبحانه لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه قال الله تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ولهذا قال في هذا الدعاء ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك فناصية العبد وهي مقدم رأسه بيد الله يتصرف فيها كيف يشاء ويحكم فيها بما يريد لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه فحياة العبد وموته وسعادته وشقاوته وعافيته وبلاؤه كل ذلك اليه سبحانه ليس الى العبد منه شيء واذا امن العبد بان ناصيته ونواصي العباد كلها بيد الله وحده يصرفهم كيف يشاء لم يخف بعد ذلك منهم ولم يرجهم ولم ينزلهم منزلة المالكين ولم يعلق امله ورجاءه بهم. وحينئذ يستقيم له توحيده وتوكله وعبوديته ولهذا قال هود عليه السلام لقومه اني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم ولهذا فان للايمان بالقدر اثرا مباركا على العبد في راحة قلبه وطمأنينة نفسه ولهذا قال عليه الصلاة والسلام عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير وليس ذاك لاحد الا للمؤمن ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم فالمؤمن في السراء يعلم انها نعمة من الله فيحمد الله عليها وفي الظراء يعلم ان المصيبة بقضاء الله. وان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فيصبر عليها فهو في النعمة ينال ثواب الشاكرين وفي المصيبة ينال ثواب الصابرين. وهذا لا يكون الا للمؤمن وقوله ماض في حكمك يتناول الحكمين الحكم الدينية الشرعي والحكم القدري الكوني وكلاهما ماضيان في العبد شام ابى لان الحكم الكوني القدري لا يمكن مخالفته واما الحكم الديني الشرعي فقد يخالفه العبد ويكون متعرضا للعقوبة بحسب ما وقع فيه من مخالفة وقوله عدل في قضاؤك يتناول جميع اقضيته سبحانه في عبده من كل الوجوه من صحة وسقم وغنى وفقر ولذة والم وحياة وموت وعقوبة وتجاوز وغير ذلك فكل ما يقضي على العبد فهو عد فيه وما ربك بظلام للعبيد والاصل الثالث ان يؤمن العبد باسماء الله الحسنى وصفاته العظيمة الواردة في الكتاب والسنة ويتوسل الى الله بها كما قال تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه ما كانوا يعملون وقال تعالى قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايما تدعو فله الاسماء الحسنى والعبد كلما كان عظيم المعرفة بالله واسمائه وصفاته زادت خشيته لله وعظمت مراقبته له وازداد بعدا عن معصيته والوقوع فيما يبسطه كما قال بعض السلف من كان بالله اعرف كان منه اخوف ولهذا فان اعظم ما يطرد الهم والحزن والغم ان يعرف العبد ربه وان يعمر قلبه بمعرفته سبحانه وان يتوسل اليه باسمائه وصفاته ولهذا قال اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او انزلته في كتابك او علمته احدا من خلقك او استأثرت به في علم الغيب عندك قال ابن القيم رحمه الله فجعل اسماء الله ثلاثة اقسام قسم سمى به نفسه فاظهره لمن شاء من ملائكته او غيرهم ولم ينزل به كتابا وقسم انزل به كتابه فتعرف به الى عباده وقسم استأثر به في علم غيبه فلم يطلع عليه احدا من خلقه ولهذا قال استأثرت به اي تفردت بعلمه فهذا توسل الى الله باسمائه كلها ما علم العبد منها وما لم يعلم. وهذا احب الوسائل الى الله سبحانه والاصل الرابع هو العناية بالقرآن الكريم كلام الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه المشتمل على الهداية والشفاء والكفاية والعافية والعبد كلما كان عظيم العناية بالقرآن تلاوة وحفظا ومذاكرة وتدبرا وعملا وتطبيقا نال من السعادة والطمأنينة وراحة الصدر وزوال الهم والغم والحزن بحسب ذلك ولهذا قال في هذا الدعاء ان تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي فالقرآن شفاء ودواء وهداية وموعظة وذكرى للذاكرين ومن يقرأ كتاب الله متدبرا معانيه ينشرح صدره وتنزاح عنه همومه وغمومه فهذه اربعة اصول عظيمة مستفادة من هذا الدعاء المبارك ينبغي علينا ان نتأملها وان نسعى في تحقيقها لننال هذا الموعود الكريم والفضل العظيم وهو قوله صلى الله عليه وسلم الا اذهب الله همه وابدله مكان حزنه فرحا وفي رواية فرجا وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال حسبنا الله ونعم الوكيل قالها ابراهيم عليه السلام حين القي في النار وقالهم محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل رواه البخاري قالها ابراهيم حين القي في النار قال الله تعالى قالوا حركوه وانصروا الهتكم ان كنتم فاعلين. قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم وارادوا به كيدا فجعلناهم الاسفلين وقاله محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بعدما انصرف قريش والاحزاب من احد بلغه ان ابا سفيان ومن معه قد اجمعوا الكرة عليهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في سبعين راكبا حتى انتهى الى حمراء الاسد فالقى الله الرعب في قلب ابي سفيان فرجع الى مكة بمن معه ومر به ركب فقال اين تريدون؟ قالوا نريد المدينة قال فهل انتم مبلغون محمدا عني رسالة؟ قالوا نعم قال فاذا وافيتموه فاخبروه انا قد اجمعنا السير اليه والى اصحابه لنستأصل بقيتهم فمر الركب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الاسد فاخبروه بالذي قال ابو سفيان فقال حسبنا الله ونعم الوكيل قوله حسبنا الله ونعم الوكيل. هذه كلمة عظيمة وهي كلمة استعانة والتجاء واعتصام بالله تبارك وتعالى والحسب الكافي فمعنى قوله حسبنا الله اي الله كافينا من شر ما نلاقيه ومن كيد من يعادينا وقوله ونعم الوكيل اي نعم من يتوكل عليه ويعتمد عليه وتفوض الامور اليه قال الله تعالى وعلى الله فليتوكل المتوكلون وقال تعالى عليه يتوكل المتوكلون فنعم الوكيل هو سبحانه وتعالى ومن توكل على الله عز وجل كفاه ووقاه واعانه في امور دينه ودنياه كما قال الله تعالى اليس الله بكاف عبده وقال تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه اي كافيه قال بعض السلف جعل الله تعالى لكل عمل جزاء من جنسه وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته لعبده فقال ومن يتوكل على الله فهو حسبه ولم يقل نؤته كذا وكذا من الاجر. كما قال في الاعمال بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه فلو توكل العبد على الله حق توكله وكادته السماوات والارض ومن فيهن لجعل له مخرجا من ذلك وكفاه ونصره الذي يلتجئ الى الله عز وجل مهما كان الخطب عظيما فالله كافيه واسأل الله ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته