بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فهذا حديث عما يقال عند المصيبة وليعلم اولا ان سنة الله ماضية في عباده بان يبتليهم في هذه الحياة الدنيا بانواع من البلايا والوان من المحن والرزايا فيبتليهم بالفقر تارة وبالغنى تارة اخرى وبالصحة تارة وبالمرظ تارة اخرى وبالسراء حينا وبالضراء حينا اخر وليس في الناس الا من هو مبتلى اما بفوات محبوب او حصول مكروه او زوال مرغوب وسرور الدنيا احلام نوم او كظل زائل ان اضحكت قليلا ابكت كثيرا وان سرت يوم احزنت دهرا وان متعت قليلا منعت طويلا وما ملأت دارا حبرة الا ملأتها عبرة كما قال ابن مسعود رضي الله عنه لكل فرحة طرحة وما ملئ بيت فرحا الا ملئ ترحا الا ان عبد الله المسلم صائر الى خير في كل احواله. كما قال صلى الله عليه وسلم عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير وليس ذلك لاحد الا للمؤمن. ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذي يصبر على البلاء ويشكر على السراء فهو خير له قال تعالى في مواضع من كتابه ان في ذلك لايات لكل صبار شكور اي صبار في الضراء والعسر والضيق شكور على السراء والنعمة قال الله تعالى ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون فاخبر سبحانه انه يبتلي عباده بالمحن ليتبين الصادق من الكاذب. والجازع من الصابر والموقن من المرتاب وذكر جل وعلا انواعا مما يبتليهم به فهو يبتليهم بشيء من الخوف اي من الاعداء والجوع اي بنقص الطعام والغذاء ونقص من الاموال ويشمل جميع انواع النقص المعتري للاموال سواء بالجوائح السماوية او الغرق او الضياع او السلب او غير ذلك ويبتليهم كذلك بنقص الانفس بذهاب الاحباب من الاولاد والاقارب والاصحاب ويدخل تحت هذا ما يصيب البدن من انواع الامراض والاسقام ويبتليهم كذلك بنقص الثمرات من الحبوب وثمار النخيل والاشجار وهي امور لا بد وان تقع لان العليم الخبير اخبر بوقوعها وحظ الانسان من المصيبة هو ما تحدث له من اثر فمن رضي فله الرضا. ومن سخط فله السخط ولهذا لا بد ان يعلم المصاب ان الذي ابتلاه بمصيبته هو احكم الحاكمين وارحم الراحمين وانه سبحانه لم يرسل بلاءه عليه ليهلكه او ليعذبه وانما ابتلاه به ليمتحن صبره ورضاه وايمانه وليسمع تضرعه وابتهاله ودعاءه وليره طريحا ببابهم. لا اذا بجنابه مكسور القلب بين يديه. رافعا يدي الضراعة اليه يشكو بثه وحزنه انه اليه فينال بذلك عظيما وعود الله وجزيل عطائه ووافر الائه ونعمائه وما من انسان الا وهو مبتلى وعرضة للمصائب والدنيا ميدان ابتلاء والله سبحانه وتعالى يبتلي العباد بالسراء والضراء والشدة والرخاء والمرض والعافية قال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون فلهذا ينبغي للعبد ان يعلم ان المصيبة التي تصيبه لم ينزلها الله به ليهلكه. وانما انزلها ليبتليه فيستشعر ان هذا ابتلاء من الله ويحرص ان يكون في مصيبته من الفائزين بالصبر والرضا والدعاء والسلامة من التسخط والجزع وغير ذلك وقد قال الله تعالى ما اصاب من مصيبة الا باذن الله. ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم قال علقمة هو الرجل تصيبه المصيبة في علم انها من عند الله فيرضى ويسلم هذه حال المؤمن يفزع الى الايمان ويعمل بما يقتضيه من لجوء الى الله وفزع اليه واسترجاع عند المصيبة حتى يفوز بعظيم الثواب كما قيل حظ المرء من المصيبة ما تحدث له من اثر فان احدثت له صبرا ورضا وعدم تسخط فهو الفائز وان احدثت تسخطا وجزعا فهو الخاسر وقوله سبحانه الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون هذه كلمة عظيمة تقال عند المصيبة وهي كلمة استرجاع ولابد من فهمها اذ كثير من الناس يقولها ويقول غيرها من الاذكار ولا يدري شيئا عن مدلولها وهي تتكون من جملتين الجملة الاولى ان لله اي نحن لله مماليك يدبروا شؤوننا ويتصرف في امورنا ازمتنا بيده يقضي فينا بما يشاء ويحكم فينا بما يريد لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه وكل ما يكون في هذا الكون ملك لله وتحت تصرفه وقضائه وقدره سبحانه وتعالى الجملة الثانية وانا اليه راجعون اي مرجعنا ومآلنا ومصيرنا ومآبنا الى الله كما قال الله تعالى واليك المصير وقال تعالى ان الى ربك الرجعى قال تعالى وان الى ربك المنتهى فالمرجع والمآب والمآل الى الله جل وعلا فهي كلمة عظيمة اذا قالها المسلم في المصيبة يسلو ويذهب عنه ما قد يجد لكن لابد من الفهم والتأمل في الدلالات والهدايات وقوله اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون. هذه ثلاثة مكاسب عظيمة الاول عليهم صلوات من ربهم. والصلاة من الله تبارك وتعالى على العبد هي الثناء عليه في الملأ الاعلى فهذا اول امر يظفر به من يسترجع عند المصيبة ثناء الله عليه في الملأ الاعلى. يذكره تبارك وتعالى فيمن عنده والله تعالى يقول فاذكروني اذكركم الثاني ورحمة فيحظى ويظفر برحمة الله تبارك وتعالى له تتنزل عليه الثالث واولئك هم المهتدون ولم يذكر الى اي شيء ليعم الهداية الى كل خير في الدنيا والاخرة. الى الطمأنينة والى الراحة والى الصراط المستقيم والى الجنة فاطلق ليعم الهداية الى كل خير وفضل وراحة ونعمة في الدنيا والاخرة قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه نعم العدلان ونعم العلاوة العدلان الصلوات والرحمة. والعلاوة وهي الزيادة على ذلك وهي قوله واولئك هم المهتدون فهذه خيرات عظيمة ينالها بتوفيق من الله من يسترجع عند المصاب روى ابو نعيم في كتابه حلية الاولياء عن الحسن ابن علي العابد قال قال الفضيل بن عياض رحمه الله لرجل كم اتت عليك؟ قال ستون سنة قال فانت منذ ستين سنة تسير الى ربك توشك ان تبلغ فقال الرجل يا ابا علي انا لله وانا اليه راجعون قال له الفضيل تعلم ما تقول فقال الرجل كنت انا لله وانا اليه راجعون قال الفضيل تعلم ما تفسيره قال الرجل فسره لنا يا ابا علي قال قولك انا لله تقول انا لله عبد وانا الى الله راجع فمن علم انه عبد الله وانه اليه راجع فليعلم بانه موقوف. ومن علم بانه موقوف فليعلم بانه مسئول ومن علم انه مسؤول فليعد للسؤال جوابا فقال الرجل فما الحيلة؟ قال يسيرا قال ما هي قال تحسن فيما بقي يغفر لك ما قد مضى فانك ان اسأت فيما بقي اخذت بما مضى وما بقي وفي هذا دلالة على عظم اهتمام السلف رحمهم الله بمعاني الاذكار ومعرفة دلالاتها وتحقيق مقاصدها وغاياتها وتأكيدهم على هذا الامر العظيم لتتحقق للعبد ثمارها وتظهر فيه اثارها وتتوافر له خيراتها وبركاته وعن ام سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول انا لله وانا اليه راجعون. اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها الا اجره الله في مصيبته واخلف له خيرا منها قالت فلما توفي ابو سلمة قلت كما امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم قوله اللهم اجرني في مصيبتي اجره يؤجره اذا اثابه واعطاه الاجر والجزاء. اي اكتب لي الاجر والثواب في مصيبتي واخلف لي خيرا منها اي هذا الذي اصبت به ففقدته عوضني خيرا منه الا اجره الله في مصيبته اي اثابه واناله الاجر واخلفه خيرا منها اي اعطاه خلفا وعوضا بدل هذا الذي فقده قالت ام سلمة رضي الله عنها فلما توفي ابو سلمة قلت كما امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت كما في رواية للحديث عند مسلم من خير من ابي سلمة قالت فاخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم اي اكرمها الله عز وجل بان تزوجها رسول الله عليه الصلاة والسلام فاصبحت اما للمؤمنين فاخلفها الله خيرا منه ففي هذا فظل الاسترجاع عند المصيبة وقول اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها وان من فعل ذلك رجي له الاخلاف في الدنيا والاجر في الاخرة واسأل الله عز وجل ان يوفقنا جميعا لكل خير انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته