منابع فيضها المدرار من الاعجاز والابهار هنا في اية ان جمعت عظيم الفكر والاسرار. هنا في اية جمعت عظيم الفكر والاسرار من المضمون في غاية. نداء الحق والراية من المضمون في رايات نداء الحق والراية على الافاق في ولا تهينوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وعلى اله وصحبه والتابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين يقول الله سبحانه وتعالى ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون. ان كنتم مؤمنين جاءت هذه الاية في سياق قصة غزوة احد وذلك بعد ان وقع على المسلمين ما وقع عليهم من قتل وما اصابهم بعد ذلك من جروح وضعف وشدة وابتلاء فكانت هذه الاية في ضمن ايات اخرى لتشير الى معاني القوة والعزة والبشارة في خضم الشدة والضعف والابتلاء وجاء بعدها قول الله سبحانه وتعالى ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس حين قال الله سبحانه وتعالى ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين فانه بدأ الاية بالنهي عن امرين اثنين اولهما الوهن وثانيهما الحزن ولا تهنوا من الفعل وهن يهنوا من باب وعد كما تقول وعد يعد والوهن هو شدة الضعف والحزن معروف فالله سبحانه وتعالى نهى المسلمين بعد غزوة احد عن امرين اثنين اولهما متعلق بما فات وثانيهما متعلق بما يأتي لا تهنوا فيما يستقبل من ايامكم لا تضعفوا عن جهاد عدوكم لا ترجعوا الى الوراء وتترك تلك الامانة الثقيلة التي جعلها الله سبحانه وتعالى على اكتافكم وفي الماضي لا تحزنوا لا تحزنوا على ما مضى على ما فات من قتل وجرح لا تحزنوا لهؤلاء الصحابة الذين قتلوا في غزوة احد وقد ذكر اهل السير انهم نحو سبعين صحابيا ومنهم جمع من اكابر الصحابة على رأسهم سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه وارضاه على الرغم من هذا الامر العظيم الذي وقع في احد لا تحزنوا ولا تهنوا فيما يستقبل وما يأتي من الايام فانكم انتم الاعلون وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الوهن الذي قد يصيب الامة في بعض اوقاتها وذلك في الحديث المشهور الذي فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوشك ان تداعى اليكم الامم كما تداعى الاكلة الى قصعتها قالوا اومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال بل انتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كخثاء السيل ولينزعن الله من قلب عدوكم مهابتكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن يا رسول الله؟ قال حب الدنيا وكراهة الموت حين قال الله سبحانه وتعالى وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين فان هذا الشرط ان كنتم مؤمنين قد يكون متعلقا بالنهي في اول الاية لا تهنوا ولا تحزنوا ويكون المعنى لا تهنوا ولا تحزنوا ان كنتم مؤمنين فان الايمان لا يجامع الوهن ولا يلتقي مع الحزن ويمكن ان يكون قوله سبحانه وتعالى ان كنتم مؤمنين متعلقا بقوله قبل ذلك وانتم الاعلون اي انتم الاعلون ان كنتم مؤمنين فعلوكم سبب سببه انكم مؤمنون وانتم اعلى من غيركم ولكم جميع انواع العلو على من سواكم من الامم ولكن بشرط ان تكونوا مؤمنين. فقوله سبحانه وتعالى وانتم الاعلون هذه جملة حالية اي لا تهنوا ولا تحزنوا. والحال انكم انتم الاعلون كيف يستقيم ان تكونوا اهل وهن كيف يستقيم ان تحزنوا؟ والحال انكم انتم الاعلون فيشير ربنا سبحانه وتعالى بذلك الى ان هذا الذي وقع في احد لن يستمر بل ستأتيكم يا معاشر المسلمين مواقع اخرى تنتصرون فيها على عدوكم وتنالون منهم كما قد نالوا منكم يوم احد فيكون معنى قوله وانتم الاعلون بشارة بما سيأتي ويحتمل ان يكون المراد انتم الاعلون لانكم قد انتصرتم عليهم قبل يوم احد وذلك في يوم بدر فكما انهم نالوا منكم يوم احد فقد نلتم منهم قبل ذلك يوم بدر ويحتمل ان يكون المراد بقوله سبحانه وانتم الاعلون اي انكم تقصدون بجهادكم وجه الله سبحانه وتعالى. تقاتلون في سبيل الله اما اعدائكم فانما يقاتلون من اجل حمية جاهلية او من اجل الانساب والاحساب او لان الشيطان زين لهم ذلك فهم يقاتلون في سبيل الشيطان ويحتمل ان يكون المراد انه لا سواء بينكم وبينهم فان قتلاكم معاشر المسلمين في الجنة واما قتلاهم ففي النار. وهذا العلو المذكور في هذه الاية يشمل امورا كثيرة جدا هنالك علو نفسي يستعلي به المؤمن على الكافر يستعلي بايمانه بثقته بطمأنينته بسكينة روحه بثباته امام المحن في الوقت الذي يكون الكافر فيه مضطربا مترددا ضعيفا مستكينا الى المادة راجعا الى اقذر ما في النفس البشرية وهو جنوحها الى الشهوات والامور الدية وقد يراد بالعلو ايضا العلو علو المؤمنين من جهة انهم انيط بهم انيطت بهم عمارة الارض فهم يحملون امانة عظيمة يعمرون الارض ما يجدونه في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من المعاني الراقية ومن الافكار السامية التي ينشرونها في الكون هم بذلك اعلى من هؤلاء الكفرة الذين لا يستطيعون اعمار الارض الا بما يوافقوا الاهواء الدنيا وبما يلائم رغبات النفوس في باب الشهوات والاهواء. ويحتمل ايضا ان يكون العلو علو منهج في الحياة فمنهج المسلم ليس كمنهج الكافر ولا يستويان ابدا ويحتمل ان يكون المراد بالعلو الفرق في الاخرة بين المسلم والكافر فالمسلم قد يموت قد يهزم قد يقتل قد يجرح قد يبتلى لكنه في جميع الاحوال في اليوم الاخر يخلد في النعيم المقيم عند رب العزة جل جلاله واما الكافر فقد تكون له السطوة في الدنيا قد يكون له النصر في الدنيا قد يكون له من الاموال والجاهي والسلطان في الدنيا ما ليس للمؤمن ولكنه في الاخرة يكون من اهل العذاب المقيم في النار والعياذ بالله تعالى فاي الفريقين احق بان يكون اعلى من الفريق الاخر. ولذلك فان الله سبحانه وتعالى يقول ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون فجند الله هم الغالبون في كل وقت وحين وان ظهر لك خلاف ذلك في وقت من الاوقات او عصر من العصور فانما هو ابتلاء عارض ثم بعده يأتي التمكين والنصر. وحين جعل الله سبحانه وتعالى لهذا العلو قيدا هو قيد الايمان. بقوله تعالى ان كنتم مؤمنين فان المراد بذلك هو الايمان الذي يخالط شغاف القلب ثم يفيض على الجوارح عملا صالحا وليس المراد ذلك الايمان الموروث الذي هو عبارة عن مجموعة من العادات والتقاليد والاعراف الايمان الذي يرتبط في اذهان الناس باقوال تقال وكلمات ينطق بها وعبادات تؤدى ولكن لا جوهر لها انما هو ايمان حق ايمان راسخ ايمان جذوره في القلب وثمراته على جوارح الانسان عبادة وصلاحا وتزكية وجهادا ودعوة وامرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وعمارة للارض وقياما بامانة التكليف وقياما بما امر الله به سبحانه عباده المؤمنين. ولكن هل الايمان حتى مع هذه الشروط كلها وهذه الاوصاف التي ذكرنا هل الايمان وحده كاف لتحقق النصر والتمكين في الدنيا قد يمكن للمؤمن وقد لا يمكن فان خلقا من اكابري الصالحين عبر التاريخ ماتوا قبل ان يمكنوا فهؤلاء جمع من الانبياء لم يتحقق لهم التمكين وجمع من الصالحين والمجاهدين ابتلوا وماتوا واستشهدوا ولم يتحقق لهم التمكين ففي معتقدنا معاشر المسلمين ان التمكين قد يوجد وقد لا يوجد ثم هو اذا وجد فلا يكون الا مع الابتلاء ولذلك وقد ذكر الزبير بن بكار ان الامام الشافعي رحمه الله تعالى سئل قيل له يا ابا عبدالله ايهما افضل ان يمكن المرء او ان يبتلى فاجاب جواب حكيم وقال لن يمكن حتى يبتلى لا يكون التمكين الا بعد الابتلاء وبالابتلاء يتحقق للمؤمن ان يمحص ايمانه ويخلصه من الشوائب كلها لن يمكن حتى يبتلى ولاجل ذلك فنحن نعتقد حين نقول بقول الله سبحانه وتعالى وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين فاننا نعتقد ان المؤمنين هم الاعلون اذا تشبثوا بايمانهم ثم هذا العلو قد يكون نصرا وعزة في الدنيا وقد يكون نصرا وعزة ونعيما مقيما في الدار الاخرة والى لقاء مقبل باذن الله سبحانه وتعالى منابع فيضها المدرار من الاعجاز والابهار هنا في اية ان جمعت عظيم الفكر والاسرار. هنا في اية جمعت عظيم الفكر والاسرار